بعد تولي عبد الفتاح السيسي رئاسة مصر، في يونيو/حزيران 2014، توسع نطاق اقتصاد القوات المُسلحة، إذ هيمن الجيش على مزيد من القطاعات الاقتصادية، بخلاف استثماراته السابقة، والتي قدرتها مجلة فورين بولسي في تحقيق بعنوان "الجيش ورئيسه" على أنها تتراوح بين 5% و60% من الناتج الإجمالي المحلي.
ويجمع الخبراء على أن تمتع المؤسسة العسكرية بميزات تنافسية مؤثرة وهامة، يجعل الكفّة تميل لصالحها في مقابل القطاعين العام والخاص، إذ إنها معفاة من الجمارك وكافة أنواع الضرائب، بموجب المادة 47 من القانون رقم 91 لسنة 2005 الذي يُعفي جهاز مشروعات الخدمة الوطنية، الذراع الاقتصادية لوزارة الدفاع، من ضرائب الأرباح، كما أن وزارتي الدفاع والإنتاج الحربي، كلتيهما معفيتان من الجمارك، إلى جانب توافر الأيدي العاملة بأقل الأجور ممثلة في المجندين الذين يقضون مدة خدمتهم الإلزامية، فيما تم تمكين جهاز مشروعات الخدمة الوطنية، من الاستحواذ على صفقات تجارية مع الحكومة بالأمر المباشر دون إجراء مناقصات.
ويؤكد خبراء اقتصاديون أن المنافسة غير المتكافئة أدت إلى طحن عشرات الشركات المصرية الخاصة، التي لم تعُد تقوى على منافسة القوات المُسلحة، وهو ما يُنذر بفجوة كبيرة في توفير الإيرادات الضرائبية التي كانت تلك الشركات والمؤسسات الاقتصادية ستدفعها للحكومة وتدعم بها الخزينة العامة، بينما لن تدفعها القوات المسلحة التي لا تدفع ضرائب أو جمارك ولا تقدم إسهاماً في الموازنة العامة.
وتوضح السطور التالية أثر التوسع الاقتصادي للجيش المصري، بالتوازي مع احتكاره للمجال السياسي، على ثلاثة من أكثر القطاعات تضررا من حيث العمالة وحجم الاستثمار الصناعي، بالإضافة إلى حساسيتها لتأثيرها على ملايين المصريين.
اقــرأ أيضاً
مستلزمات المستشفيات
في حواره مع رؤساء تحرير الصحف القومية في أغسطس/آب الماضي، ذكر عبد الفتاح السيسي أن القوات المسلحة وفرت للدولة 10 مليارات جنيه (890 مليون دولار وفقا للسعر الرسمي للجنيه في مقابل الدولار)، بعد أن قامت بشراء المستلزمات الطبية بصورة مجمعة، وهو ما تزامن مع تعاقد المؤسسة العسكرية مع المنشآت الصحية الحكومية لتوريد تلك المستلزمات لها بالأمر المباشر.
ووفقا لخطاب من المجلس الأعلى للجامعات، موجه إلى رئيس جامعة المنصورة، حصل عليه "العربي الجديد"، فإن المجلس قرر في 23 يونيو/حزيران 2016، التعاقد مع الإدارة العامة للخدمات الطبية للقوات المسلحة، على توريد ما تحتاج له المستشفيات الجامعية من أدوية وتجهيزات ومستلزمات طبية. إلا أن ما قامت المؤسسة العسكرية والمجلس الأعلى للجامعات، يعد "بمثابة تدمير وتهديد لمستقبل شركات المستلزمات الطبية" وفق ما قاله سمير محمد (اسم مستعار) لمدير إحدى تلك شركات المستلزمات الطبية، (رفض الكشف عن هويته بسبب مخاوف أمنية).
ووفقا لمدير شركة المستلزمات الطبية، فإن اقتحام الجيش مجال استثمار المستلزمات الطبية، سيؤدي إلى قطع عيش آلاف العمال والموظفين في شركات المستلزمات، ومصانع الإنتاج المحلية، إذ سيحل محلها في عملية التوريد للمشافي المصرية، بالإضافة إلى خسارة كبيرة لموازنة الدولة والتي ستحرم من الضرائب والرسوم والجمارك التي كانت تدفعها الشركات الخاصة والمصانع الموردة لهذه المستلزمات.
وتابع: "الجيش أصبح المستثمر الأول في سوق المستلزمات والتجهيزات الطبية ويتمتع بالحصول على مشروعات هذه السوق بالأمر المُباشر، وهو ما يفتح مجالا واسعا للفساد"، ويطابق الرأي السابق ما ذهب إليه محمد إسماعيل عبده، رئيس شعبة المستلزمات الطبية بالغرفة التجارية المصرية، في تصريحات صحافية، إذ رأى أن إلزام وزارة الدفاع كافة الجهات الحكومية بشراء المستلزمات الطبية، من إدارة الخدمات الطبية، يجعل الباب مفتوحًا على مصراعيه أمام الفساد، كما أن إعفاءها من الرسوم والجمارك، مرورا بفرض السعر الذي تريده وصولا إلى احتكار توريدات المستلزمات الطبية يُهدد وجود نحو 171 مصنعًا للمستلزمات الطبية تعمل في السوق المصري، إضافة إلى 3200 شركة محلية، ما يعد كارثة تهدد مصير مئات الشركات العاملة في هذا القطاع وتهديد حياة 18 ألف عامل.
إلى جانب ما سبق، حصل "العربي الجديد"، على محضر توريد صادر من جهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع لوزارة الدفاع موجه إلى إحدى المستشفيات العامة، (يتحفظ على العربي الجديد على هويتها لحماية المصدر) حول توريد عدد 4 قطع من صندوق "DHS" من ماركة "synthes" والخاصة بعمليات تركيب بعض القطع العظمية التعويضية، ويظهر في أمر التوريد أن سعر العلبة الواحدة 107.913 جنيها (9.638 دولارا)، في حين قالت مصادر من داخل إحدى شركات المستلزمات الطبية أن تلك العلبة يتراوح ثمنها بين 10 آلاف جنيه (1119 دولارا) للمنتج المحلي و35 ألف جنيه للمنتج المستورد الأغلى على الإطلاق (3.913 دولارا).
وبحسب ذات المصادر، فإن بعض مصانع إنتاج المستلزمات الطبية، كانت تقوم بإهداء المستشفيات تلك العلبة ضمن بعض صفقات توريد بعض المستلزمات الطبية مثل الدعامات والمفاصل، وبالبحث عن ثمن تلك العلبة عثر معد التحقيق، على إعلان لبيع ذات النوع الذي قامت وزارة الدفاع بتوريده على موقع التسوق الإلكتروني (ebay) ووفقا للإعلان فإن سعر المنتج يبلغ 800 دولار أي ما يساوي 7145 جنيها في حالة كونها مستعملة، ووفق ما يؤكده مصادر "العربي الجديد" في شركات المستلزمات الطبية، فإن سعر ذات المنتج لن يزيد بأي حال من الأحوال عن 35 ألف جنيه في حال كان جديدا.
اقــرأ أيضاً
صناعة أجهزة التكييف
في 31 يناير/كانون الثاني أصدر عبدالفتاح السيسي قرارا بزيادة الجمارك على 500 سلعة مستوردة، كان من بينها أجهزة التكييف التي قرر زيادة الجمارك عليها بنسبة 40%، ما أدى إلى ارتفاع شديد في أسعار أجهزة التكييف في السوق المصري، إلا أنه وبعد عدة أشهر من القرار السابق، تم الإعلان عن بدء القوات المسلحة في استيراد وتجميع أجهزة تكييف من طراز "galanz" الصيني، بأسعار هي الأقل في السوق المصرية كاملا، وهو ما أدى إلى تدمير سوق التكييف في مصر وتشريد أغلب العاملين فيه، كما يقول المهندس بولا حنا المتخصص في أنظمة التكييف والتبريد، موضحا أن تلك الزيادة على الجمارك أدت إلى ارتفاع الأسعار بشكل جنوني حتى وصل سعر التكييف بقوة 1 ونصف حصان إلى 7500 جنيه (839 دولارا)، بعد أن كان لا يزيد عن 4500 جنيه (503 دولارات).
وأضاف حنا "دخول الجيش في الصناعة واستيراده وتجميعه لأجهزة التكييف الصينية، جعل من المستحيل منافسته، وبالتزامن مع الزيادة المجحفة على الجمارك التي ستتحملها الشركات يقوم الجيش بالاستيراد دون أي تكاليف جمركية أو ضرائب، كما أن الانخفاض الشديد في سعر الجنيه في مقابل الدولار حتى وصل إلى إلى 14 جنيها للدولار الواحد في السوق الموازية مع عدم توافره في البنوك، زاد من صعوبة استمرار الشركات في استيراد أجهزة التكييف.
ووفقا لما توصل إليه معد المادة، فقد تعاقد جهاز الخدمة الوطنية، مع الشركة الصينية المصنعة لجهاز "galanz" رخيص الثمن، بتاريخ 2 يناير/كانون الثاني أي قبل قرار رفع الجمارك بقرابة الشهر، وقتها لم يتجاوز سعر هذا الجهاز حاجز الـ 1800 جنيه (200 دولار)، ووفقا للمهندس حنا، فإن الزيادة الخيالية في أسعار الكهرباء وارتفاع سعر وحدات التكييف بسبب تدخل الجيش، أدى إلى ركود في السوق، ولم يعُد العديد من فئات الطبقة الوسطى قادرين على شراء أجهزة التكييف، ما أدى إلى ركود في عمل العديد من الشركات المستوردة وتشريد العمالة التي كانت تعمل في مجال تركيب وتجميع أجهزة التكييف.
لبن الأطفال
في سبتمبر/أيلول الماضي استيقظت مصر على وقع مظاهرات عارمة قطعت طريق الكورنيش أمام معهد ناصر في القاهرة (مشفى حكومي)، اعتراضاً على عدم توافر لبن الأطفال المُدعم في منفذ بيع الشركة المصرية لتجارة الأدوية.
وقعت المظاهرات في اليوم الأول لتطبيق منظومة ميكنة صرف الألبان وبيعها من خلال وحدات الرعاية الصحية ومراكز الأمومة والطفولة، وتزامناً مع زيادة أسعار تلك الألبان بنسبة بلغت 40 %، وهو ما أدى إلى ارتفاع أسعار الألبان غير المُدعمة في الصيدليات بنسبة بلغت 30% وفق ما صرح به محمود فؤاد مدير مركز الحق في الدواء.
أثارت تلك المظاهرات جدلاً واسعاً في مصر نظراً لخطورة ظاهرة اختفاء لبن الأطفال على حياة ملايين الأطفال، ما دفع وزير الصحة للخروج السريع بعد ساعات من اندلاع الأزمة، مُعلناً عن تدخل القوات المسلحة لضخ 30 مليون علبة لبن سيتم بيعها للصيدليات بسعر 30 جنيها بدلاً من 60 جنيها، مما دفع الكثيرين للسؤال حول سبب امتلاك القوات المسلحة لكمية ضخمة كهذه في مخازنه، إلا أنه سرعان ما خرج المتحدث باسم القوات المسلحة لينفي امتلاك الجيش أي مخزون من اللبن، مؤكدا أنه سيتم استيراد العبوات بالتنسيق مع وزارة الصحة لضرب الاحتكار الجشع لدى التجار، مما يوحي بأن دخول الجيش على خط الأزمة جاء لمعالجة تداعياتها والتقليل من آثارها، وهو ما يتنافى مع ما صرح به أحمد العوضي عضو لجنة الدفاع والأمن القومي خلال مداخلة هاتفية مع أستاذ العلوم السياسية ومقدم البرامج معتز عبد الفتاح نقلا عن الفريق أول صدقي صبحي وزير الدفاع، بشأن بدء القوات المسلحة استيراد كميات كبيرة من لبن الأطفال في 26 يوليو/تموز، أي أن خطة الاستيراد كانت قبل زيادة الأسعار وقبل اندلاع الأزمة بأكثر من شهرين.
في ذات السياق كشف ناشطون على شبكات التواصل الاجتماعي، أن تاريخ إنتاج عبوات اللبن التي قامت القوات المسلحة بتوزيعها كان يوم 4 سبتمبر/أيلول، وهو ما يشير إلى أن التعاقد مع الشركة تم في فترة زمنية سابقة، كما أنه ووفق حديث سابق لوزير الصحة خلال برنامج ممكن مع الإعلامي خيري رمضان، فإن تلك الألبان كان يتم استيرادها وتوزيعها بتكلفة إجمالية تبلغ 26 جنيها للعلبة متضمنة هامش ربح لشركة التوزيع "المصرية للأدوية" لإجمالي 18 مليون علبة، لذا ووفق تلك الحسابات فإن صفقة استيراد الـ "30" مليون علبة حققت ربحا يُقدر بـ 120 مليون جنيه (13.5 مليون دولار) بالإضافة إلى نسبة الربح السابق المحتسبة وفقا للسعر السابق (26 جنيها)، بفرض ثبات سعر التكلفة، الذي من المتوقع انخفاضه بسبب زيادة الكمية المستوردة من 18 مليون علبة إلى 30 مليون علبة.
وردا على تساؤل حول مدى تشابه تجارب عالمية لدول مرت بذات الفترة التي تعيشها مصر مع الأوضاع الحالية، أكد عمرو عدلي الباحث بمعهد كارينجي أن لكل تجربة خصوصيتها والعوامل المؤثرة في دولة قد لا تكتمل وتتحقق في حالة دولة أخرى.
وتابع موضحا "لا يمكن إصدار حكم على دولة تاريخيا بأن فشلها أو نجاحها اقتصاديا كان بسبب تدخل مؤسسة، فهذا عامل واحد، وحتى إن كان هذا العامل مؤثرا فإنه يبقى وحيدا ضمن شبكة معقدة أخرى، لكن هناك دولا تشبه مصر الآن في تواجد الجيش على الجانب الاقتصادي منها البرازيل وتركيا التي يسيطر بها الجيش على قطاعات بعينها".
ويضيف عدلي أن أثر تدخل الجيش على القطاع الخاص، يكمن في عدم تكافؤ موازين السوق، إذ إن المؤسسة العسكرية إحدى مؤسسات الدولة الكبرى التي يمكنها التأثير على عملية صياغة القوانين لصالحها والاستحواذ على أنشطة بعينها مما يجعل فرص القطاع الخاص أقل، بالإضافة إلى أن استمرار امتيازات المؤسسة العسكرية يجعل المؤسسات الاقتصادية الدولية توجه انتقادات لمصر بسبب نقص الشفافية والرقابة على الجيش، وهو ما يجري لاعتبارات سياسية في المقام الأول.
ويجمع الخبراء على أن تمتع المؤسسة العسكرية بميزات تنافسية مؤثرة وهامة، يجعل الكفّة تميل لصالحها في مقابل القطاعين العام والخاص، إذ إنها معفاة من الجمارك وكافة أنواع الضرائب، بموجب المادة 47 من القانون رقم 91 لسنة 2005 الذي يُعفي جهاز مشروعات الخدمة الوطنية، الذراع الاقتصادية لوزارة الدفاع، من ضرائب الأرباح، كما أن وزارتي الدفاع والإنتاج الحربي، كلتيهما معفيتان من الجمارك، إلى جانب توافر الأيدي العاملة بأقل الأجور ممثلة في المجندين الذين يقضون مدة خدمتهم الإلزامية، فيما تم تمكين جهاز مشروعات الخدمة الوطنية، من الاستحواذ على صفقات تجارية مع الحكومة بالأمر المباشر دون إجراء مناقصات.
ويؤكد خبراء اقتصاديون أن المنافسة غير المتكافئة أدت إلى طحن عشرات الشركات المصرية الخاصة، التي لم تعُد تقوى على منافسة القوات المُسلحة، وهو ما يُنذر بفجوة كبيرة في توفير الإيرادات الضرائبية التي كانت تلك الشركات والمؤسسات الاقتصادية ستدفعها للحكومة وتدعم بها الخزينة العامة، بينما لن تدفعها القوات المسلحة التي لا تدفع ضرائب أو جمارك ولا تقدم إسهاماً في الموازنة العامة.
وتوضح السطور التالية أثر التوسع الاقتصادي للجيش المصري، بالتوازي مع احتكاره للمجال السياسي، على ثلاثة من أكثر القطاعات تضررا من حيث العمالة وحجم الاستثمار الصناعي، بالإضافة إلى حساسيتها لتأثيرها على ملايين المصريين.
مستلزمات المستشفيات
في حواره مع رؤساء تحرير الصحف القومية في أغسطس/آب الماضي، ذكر عبد الفتاح السيسي أن القوات المسلحة وفرت للدولة 10 مليارات جنيه (890 مليون دولار وفقا للسعر الرسمي للجنيه في مقابل الدولار)، بعد أن قامت بشراء المستلزمات الطبية بصورة مجمعة، وهو ما تزامن مع تعاقد المؤسسة العسكرية مع المنشآت الصحية الحكومية لتوريد تلك المستلزمات لها بالأمر المباشر.
ووفقا لخطاب من المجلس الأعلى للجامعات، موجه إلى رئيس جامعة المنصورة، حصل عليه "العربي الجديد"، فإن المجلس قرر في 23 يونيو/حزيران 2016، التعاقد مع الإدارة العامة للخدمات الطبية للقوات المسلحة، على توريد ما تحتاج له المستشفيات الجامعية من أدوية وتجهيزات ومستلزمات طبية. إلا أن ما قامت المؤسسة العسكرية والمجلس الأعلى للجامعات، يعد "بمثابة تدمير وتهديد لمستقبل شركات المستلزمات الطبية" وفق ما قاله سمير محمد (اسم مستعار) لمدير إحدى تلك شركات المستلزمات الطبية، (رفض الكشف عن هويته بسبب مخاوف أمنية).
ووفقا لمدير شركة المستلزمات الطبية، فإن اقتحام الجيش مجال استثمار المستلزمات الطبية، سيؤدي إلى قطع عيش آلاف العمال والموظفين في شركات المستلزمات، ومصانع الإنتاج المحلية، إذ سيحل محلها في عملية التوريد للمشافي المصرية، بالإضافة إلى خسارة كبيرة لموازنة الدولة والتي ستحرم من الضرائب والرسوم والجمارك التي كانت تدفعها الشركات الخاصة والمصانع الموردة لهذه المستلزمات.
وتابع: "الجيش أصبح المستثمر الأول في سوق المستلزمات والتجهيزات الطبية ويتمتع بالحصول على مشروعات هذه السوق بالأمر المُباشر، وهو ما يفتح مجالا واسعا للفساد"، ويطابق الرأي السابق ما ذهب إليه محمد إسماعيل عبده، رئيس شعبة المستلزمات الطبية بالغرفة التجارية المصرية، في تصريحات صحافية، إذ رأى أن إلزام وزارة الدفاع كافة الجهات الحكومية بشراء المستلزمات الطبية، من إدارة الخدمات الطبية، يجعل الباب مفتوحًا على مصراعيه أمام الفساد، كما أن إعفاءها من الرسوم والجمارك، مرورا بفرض السعر الذي تريده وصولا إلى احتكار توريدات المستلزمات الطبية يُهدد وجود نحو 171 مصنعًا للمستلزمات الطبية تعمل في السوق المصري، إضافة إلى 3200 شركة محلية، ما يعد كارثة تهدد مصير مئات الشركات العاملة في هذا القطاع وتهديد حياة 18 ألف عامل.
وبحسب ذات المصادر، فإن بعض مصانع إنتاج المستلزمات الطبية، كانت تقوم بإهداء المستشفيات تلك العلبة ضمن بعض صفقات توريد بعض المستلزمات الطبية مثل الدعامات والمفاصل، وبالبحث عن ثمن تلك العلبة عثر معد التحقيق، على إعلان لبيع ذات النوع الذي قامت وزارة الدفاع بتوريده على موقع التسوق الإلكتروني (ebay) ووفقا للإعلان فإن سعر المنتج يبلغ 800 دولار أي ما يساوي 7145 جنيها في حالة كونها مستعملة، ووفق ما يؤكده مصادر "العربي الجديد" في شركات المستلزمات الطبية، فإن سعر ذات المنتج لن يزيد بأي حال من الأحوال عن 35 ألف جنيه في حال كان جديدا.
صناعة أجهزة التكييف
في 31 يناير/كانون الثاني أصدر عبدالفتاح السيسي قرارا بزيادة الجمارك على 500 سلعة مستوردة، كان من بينها أجهزة التكييف التي قرر زيادة الجمارك عليها بنسبة 40%، ما أدى إلى ارتفاع شديد في أسعار أجهزة التكييف في السوق المصري، إلا أنه وبعد عدة أشهر من القرار السابق، تم الإعلان عن بدء القوات المسلحة في استيراد وتجميع أجهزة تكييف من طراز "galanz" الصيني، بأسعار هي الأقل في السوق المصرية كاملا، وهو ما أدى إلى تدمير سوق التكييف في مصر وتشريد أغلب العاملين فيه، كما يقول المهندس بولا حنا المتخصص في أنظمة التكييف والتبريد، موضحا أن تلك الزيادة على الجمارك أدت إلى ارتفاع الأسعار بشكل جنوني حتى وصل سعر التكييف بقوة 1 ونصف حصان إلى 7500 جنيه (839 دولارا)، بعد أن كان لا يزيد عن 4500 جنيه (503 دولارات).
وأضاف حنا "دخول الجيش في الصناعة واستيراده وتجميعه لأجهزة التكييف الصينية، جعل من المستحيل منافسته، وبالتزامن مع الزيادة المجحفة على الجمارك التي ستتحملها الشركات يقوم الجيش بالاستيراد دون أي تكاليف جمركية أو ضرائب، كما أن الانخفاض الشديد في سعر الجنيه في مقابل الدولار حتى وصل إلى إلى 14 جنيها للدولار الواحد في السوق الموازية مع عدم توافره في البنوك، زاد من صعوبة استمرار الشركات في استيراد أجهزة التكييف.
ووفقا لما توصل إليه معد المادة، فقد تعاقد جهاز الخدمة الوطنية، مع الشركة الصينية المصنعة لجهاز "galanz" رخيص الثمن، بتاريخ 2 يناير/كانون الثاني أي قبل قرار رفع الجمارك بقرابة الشهر، وقتها لم يتجاوز سعر هذا الجهاز حاجز الـ 1800 جنيه (200 دولار)، ووفقا للمهندس حنا، فإن الزيادة الخيالية في أسعار الكهرباء وارتفاع سعر وحدات التكييف بسبب تدخل الجيش، أدى إلى ركود في السوق، ولم يعُد العديد من فئات الطبقة الوسطى قادرين على شراء أجهزة التكييف، ما أدى إلى ركود في عمل العديد من الشركات المستوردة وتشريد العمالة التي كانت تعمل في مجال تركيب وتجميع أجهزة التكييف.
لبن الأطفال
في سبتمبر/أيلول الماضي استيقظت مصر على وقع مظاهرات عارمة قطعت طريق الكورنيش أمام معهد ناصر في القاهرة (مشفى حكومي)، اعتراضاً على عدم توافر لبن الأطفال المُدعم في منفذ بيع الشركة المصرية لتجارة الأدوية.
وقعت المظاهرات في اليوم الأول لتطبيق منظومة ميكنة صرف الألبان وبيعها من خلال وحدات الرعاية الصحية ومراكز الأمومة والطفولة، وتزامناً مع زيادة أسعار تلك الألبان بنسبة بلغت 40 %، وهو ما أدى إلى ارتفاع أسعار الألبان غير المُدعمة في الصيدليات بنسبة بلغت 30% وفق ما صرح به محمود فؤاد مدير مركز الحق في الدواء.
في ذات السياق كشف ناشطون على شبكات التواصل الاجتماعي، أن تاريخ إنتاج عبوات اللبن التي قامت القوات المسلحة بتوزيعها كان يوم 4 سبتمبر/أيلول، وهو ما يشير إلى أن التعاقد مع الشركة تم في فترة زمنية سابقة، كما أنه ووفق حديث سابق لوزير الصحة خلال برنامج ممكن مع الإعلامي خيري رمضان، فإن تلك الألبان كان يتم استيرادها وتوزيعها بتكلفة إجمالية تبلغ 26 جنيها للعلبة متضمنة هامش ربح لشركة التوزيع "المصرية للأدوية" لإجمالي 18 مليون علبة، لذا ووفق تلك الحسابات فإن صفقة استيراد الـ "30" مليون علبة حققت ربحا يُقدر بـ 120 مليون جنيه (13.5 مليون دولار) بالإضافة إلى نسبة الربح السابق المحتسبة وفقا للسعر السابق (26 جنيها)، بفرض ثبات سعر التكلفة، الذي من المتوقع انخفاضه بسبب زيادة الكمية المستوردة من 18 مليون علبة إلى 30 مليون علبة.
وردا على تساؤل حول مدى تشابه تجارب عالمية لدول مرت بذات الفترة التي تعيشها مصر مع الأوضاع الحالية، أكد عمرو عدلي الباحث بمعهد كارينجي أن لكل تجربة خصوصيتها والعوامل المؤثرة في دولة قد لا تكتمل وتتحقق في حالة دولة أخرى.
وتابع موضحا "لا يمكن إصدار حكم على دولة تاريخيا بأن فشلها أو نجاحها اقتصاديا كان بسبب تدخل مؤسسة، فهذا عامل واحد، وحتى إن كان هذا العامل مؤثرا فإنه يبقى وحيدا ضمن شبكة معقدة أخرى، لكن هناك دولا تشبه مصر الآن في تواجد الجيش على الجانب الاقتصادي منها البرازيل وتركيا التي يسيطر بها الجيش على قطاعات بعينها".
ويضيف عدلي أن أثر تدخل الجيش على القطاع الخاص، يكمن في عدم تكافؤ موازين السوق، إذ إن المؤسسة العسكرية إحدى مؤسسات الدولة الكبرى التي يمكنها التأثير على عملية صياغة القوانين لصالحها والاستحواذ على أنشطة بعينها مما يجعل فرص القطاع الخاص أقل، بالإضافة إلى أن استمرار امتيازات المؤسسة العسكرية يجعل المؤسسات الاقتصادية الدولية توجه انتقادات لمصر بسبب نقص الشفافية والرقابة على الجيش، وهو ما يجري لاعتبارات سياسية في المقام الأول.