صديقي الذي رفع أردوغان صورته
شخصيّاً، لست مُعجَباً بانتشار الخطاب والسرد الشعبوي في عواصم عالميَّة عديدة. فهو خطاب بات لدى كثيرين، من الاقتصاد إلى السياسة والثقافة والاجتماع، سيّد الخطابات للهروب من الإجابة، برأي البسيط، عن تحديات كثيرة بصدق وعمق.
فيلومسن ينتمي إلى حزبٍ يساريّ، اللائحة الموحّدة، وهو، منذ تأسيسه، أقرب إلى "جبهة يسارية" من كونه حزباً. يتداول على قيادته بشكل جماعي خارج البرلمان، وفي داخله شخصيات قد تكون نسوية بعض الأحيان. هو حزب في التعريف الرسمي، لكنّه تجمُّع يساري ضمّ عناصر شيوعيّة ويساريّة اشتراكيّة، من حزب برلماني عتيق "اليسار الاشتراكي"، حين حلّ نفسه في أواخر ثمانينات القرن الماضي.
الاتّهام، بأنَّ هذا البرلماني "إرهابي" لا يُعبِّر عن الحقيقة بشيء. هذا الحزب، وفي صُلْب برنامجه السياسي، يرفض بشكلٍ تام العسكرة وحمل السلاح. لكنه، وبما أنه جبهة، فلبعض الأعضاء وجهةُ نظرٍ، بأنَّ "الثورية"، أحياناً، تتطلّب في بعض القضايا اللجوء إلى الكفاح المُسلَّح.
هؤلاء، تاريخيّاً، من الداعمين للكفاح الفلسطيني المسلح، ولديهم العديد من الانتقادات على مسار القضية الفلسطينية. وكثيراً ما واجهت تلك الشخصيات المنضوية فيه، انتقادات لاذعة من اليمين المتشدد واللوبيات الصهيونية بسبب تلك المواقف.
ليس خفيّاً أيضاً، من ضمن قراءة يساريّة متشددة وحساسة جداً تجاه كل شيء تفوح منه "إمبريالية" و"استبداد"، سواء كانت أميركية أم روسية أم أوروبية، أنّ هؤلاء وقعوا في مطبّ الموقف من نظام الأسد في سورية. صدقوا في 2011، وبداية 2012، أن "مؤامرة تقودها أميركا" في سورية، خدمة للاحتلال الإسرائيلي.
سرعان ما تغيرت تلك القراءة، وأصبحت من الماضي. لكن الوقوف مع الأكراد تاريخيّاً، وخصوصاً اليسار الكردي، باعتباره الأكثر قرباً فكريّاً إلى هؤلاء، أوقعهم في مطبات كثيرة أخرى، وخصوصاً في مواجهة "داعش" منذ 2014.
يمكن لأي كان أن ينتقد موقف اليساريين الغربيين، ويوضح نقاط الاختلاف، ويضع عشرات الأسئلة على السياسات والتحولات التي أصابت جل أحزاب اليسار ويسار الوسط في الغرب. لكن اتهام شخص بأنّه "إرهابي"، وأنت تعرفه خير معرفة، فتلك لا تصيب الهدف بشيء.
لو أن الأتراك في الخارج، ومنهم حقاً مؤيدون لأردوغان ورؤيته لمستقبل تركيا، دون أن يكونوا تحت تهديد بـ"جواز السفر" أو "مسح العائلة عن الوجود"، وبينهم أكراد وعلمانيون، كانوا أكثر انتباهاً لما صدر من ردود أفعال يسارية على الاستفتاء في بلدهم لاختاروا شيئاً آخر غير تهمة الإرهاب.
ففي المواقف الكارهة لأردوغان، صدرت يساراً ويميناً اتهامات وتوعدات تحمل الكثير من المتناقضات. فجأة، كنا مساء السادس عشر وصباح السابع عشر من أبريل/نيسان أمام لوحة ردود أفعال أوروبية عجيبة.
فمن المعروف لأي متابع بأن أقصى اليمين واليسار، معارضون للاتحاد الأوروبي، ويدعون للانسحاب منه، ومنهم مطالبون باستفتاء الخروج. ينطبق هذا على هولندا والنمسا وألمانيا وغيرها من الدول الأوروبية. العجيب، أن هؤلاء اجتمعوا، كل من توجهاته الفكرية وقراءته لهذا الاتحاد، على القول، إن "انضمام تركيا إلى الاتحاد صار مستحيلاً... لقد دفن إلى الأبد بنتيجة هذا الاستفتاء".
ذلك الموقف يعبّر في العقل الباطني عن "اثنوسنتيرزم" ثقافية وسياسية واجتماعية أوروبية يثير الدهشة بين متابعي تلك التحولات. وأخطر ما يصيب الثقافة الإنسانية أن تتبادل هذه الاستعلائية واستخدام معايير ذاتية لقراءة الآخر. فمن بين مصائبها يتصاعد الخطاب الشعبوي ويجد تربته الخصبة.