صدر قديماً: "عصر المأمون" لـ أحمد فريد رفاعي

20 مايو 2017
(من القاهرة، القرن التاسع عشر)
+ الخط -
بعد عقدٍ تقريباً من وقتنا الحالي، يكون قد مرَّ قرنٌ كامل على صدور كتابٍ من مجلدين عنوانه "عصر المأمون"، لمؤلفٍ يكاد يكون مجهولاً في الوسط الثقافي العربي. المؤلف حسب ما ورد على غلاف الكتاب الصادر في العام 1928، هو الدكتور أحمد فريد رفاعي، المفتش في وزارة الداخلية، والطبعة التي بين أيدينا هي الرابعة، طبعتها "دار الكتب المصرية" في القاهرة.

على هذه النسخة ختمٌ يشير إلى وصولها إلى المكتبة الأهلية لصاحبها فيصل حمود الشهيرة في مدينة البصرة العراقية والماثلة حتى الآن، يلي ذلك إهداء يشير إلى أن أحدهم اشتراها وأهداها إلى مدرسة الإليانس الإسرائيلية في البصرة في العام 1936، كما يقول الختم الثاني.

رحلة هذا الكتاب المطبوع في القاهرة إلى مكتبة في البصرة، ثم إلى هذه المدرسة، هي أول ما يلفت النظر. فمقارنة بالعصر الراهن يبدو أن وصول الكتب المصرية إلى مكتبة مدينة في عمق الجنوب العراقي يعني أن الكتاب العربي لم يكن قد صدر أمر إلقاء القبض عليه بعد، فكان حراً يسافر إلى أبعد نقطة قادماً من هذا الاتجاه أو ذاك.

ويذكر الشاعر الراحل مهدي محمد علي في كتابه "البصرة .. جنة البستان" (1986) هذه المكتبة التي ارتادها صغيراً، وكيف أن الصحف المصرية كانت تصلها بعد يوم من صدورها في القاهرة.

تلك أزمانٌ يذكّر بها كتابُ "عصر المأمون"، والأمر المهم أنه يذكّر بالصلات الثقافية التي شهدتها البلدان العربية، أو وجود ما يشبه السوق الثقافي الواحد حتى قبل أن تولد فكرة هذا السوق وتتجسّد في أوروبا ما بعد الحرب العالمية الثانية. وليس مهماً الآن ما هو محتوى هذا الكتاب الذي يمكن تلخيص محتواه بالقول إنه يتناول عصر المأمون العباسي وملامحه الفكرية والسياسية، ويمهّد له بتلخيص ما سبقه من عهود، عهد الفتح الإسلامي، ثم العصر الأموي فالعصر العباسي، ويلحق كل هذا بمختارات من منثور هذه العصور ومنظومها.

المهم هو قول الكاتب في تقديمه "أتقدم بهذا الأثر الضئيل إلى أمّتي، وإلى الناطقين بالضاد من أبناء لغتي"، ويضيف "في محاولة لكتابة التاريخ العربي على النظم العلمية الحديثة". لماذا؟ "لأن تاريخنا العربي لا يزال، بلا مبالغة ولا إغراق، تعوزه شتّى المصادر، كما يعوزه التنظيم والترتيب والتحقيق والاستقراء".

معنى هذا أن الكتابة في تلك الأزمان، قبل قرن أو ما يقارب القرن، كانت تأخذ في اعتبارها أنها تتوجه إلى محيط ثقافي عربي واسع، وأن كتّابها كانوا يجدون مكانتهم في هوية أكبر من الهويات المحلية أو القطرية كما هو شائع الآن. إضافة إلى أن رحلات صيدهم البحرية، إذا نظرنا إلى رحلات الفكر والبحث والكتابة من هذه الزاوية، لم تكن للصيد في مسايل ضحضاحة بل في محيطات عميقة الأغوار.

من هذا المنظور، مقارنة بما يصدر من كتب الآن، يبدو كتاب "عصر المأمون" معنيّاً بالرواية الكبرى، أي كما يقول مؤلفه في مقدمته أيضاً "بمحاولة ذات أثر نافع يمكن اتخاذها أساساً لكتابة تاريخ المدنيات العربية الواسعة المدى، البليغة الأثر في الثقافات الإنسانية عامة، كتابة تاريخية صحيحة". هو معني بالتاريخ والأدب، ويمكن اعتبار تقديمه لمنثور كل عصر من العصور التي تناولها، ومنظومها، شبه عمل موسوعي. فهو يقدم الخطبة والرسالة في باب المنثور بنصّها الكامل، مع ملامح زمنها وخلفياتها، ويقدّم قدراً لا بأس به من حوادث وقصص تتعلق بحياة كل شاعر من الذين جاء بهم، ومعها يقدّم قصائد لهذا الشاعر متنوّعة، تتفاوت أعداد أبياتها.

في ضوء هذا يمكن اعتبار الكتاب مرجعاً أدبياً، وليس سرداً لأحداث تاريخية فقط، يبدو غريباً حين نستعيده في زمن تتضاءل فيه المرجعيات والروايات الكبرى، ويذهب فيه الكتّاب والروائيون والشعراء لصيد الأسماك في الآبار والصحاري القاحلة، وما تخلفه الأمطار من بقع مائية.

دلالات
المساهمون