"مسرح الرحالة": بحثٌ جمالي خارج القاعات المغلقة

17 يوليو 2024
من مسرحية "اللاجئان" للمخرجَين السوريَّين محمد وأحمد ملص (من عروض الدورة الثالثة)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **الفضاءات المسرحية المغايرة**: يسعى مهرجان مسرح الرحالة الدولي في دورته الثالثة إلى تقديم عروض في الساحات العامة والأماكن الأثرية والبيوت القديمة، بهدف التواصل مع جمهور أوسع، مستمراً في نهج "مسرح الرحالة" منذ 1991.

- **عروض وورش متنوعة**: يشارك في المهرجان ستة عشر بلداً بثلاثة عشر عرضاً مسرحياً وست ورش تدريبية في مجالات مثل التمثيل الإيمائي والسينوغرافيا، مما يعزز تبادل الخبرات بين المشاركين.

- **المسرح كوسيلة للمقاومة**: يعكس المهرجان دور المسرح في مقاومة الاحتلال ودعم الشعب الفلسطيني، من خلال عروض مثل "ضد الرضوخ" و"يافا والباب الأزرق"، مؤكداً على أهمية المسرح كقضية وفكر وموقف.

مع الإخفاق في تأسيس مسرح دائم وفرَق وطنية في الأردن تتنافس في ما بينها طوال العام، وليس فقط في مواسم محدّدة، لا تزال صيغة المهرجان تمثّل الفضاء شبه الوحيد لالتقاء المسرحيّين الأردنيّين مع الجمهور، وتفاعلهم بعضهم مع بعض ومع تجارب من بلدان أُخرى، من دون إغفال التراجع في مستوى العروض المقدَّمة وعددها، والبرنامج الثقافي الموازي في عدد من هذه المهرجانات.

في عامه الثالث، يسعى "مهرجان مسرح الرحالة الدولي للفضاءات المسرحية المغايرة"، الذي تفتتح فعالياته عند السابعة من مساء اليوم الأربعاء، وتتواصل حتى الأحد المُقبل، إلى الخروج من الصالات المُغلقة، من خلال التوجّه إلى الساحات العامّة والأماكن الأثرية والبيوت القديمة.


الترحال كمعنى مجازي

وهذا النهجُ ابتدأه "مسرح الرحالة"، الجهة المنظّمة، منذ إنشائه عام 1991؛ حيث قدّم عرضاً مسرحياً على سطح باخرة مسافرة من الأردن إلى مصر، كما اختبر تجربة طويلة في مسرح المقهى ومسرح السجون، وصولاً إلى إطلاق مهرجان متخصّص، بهدف "التواصل مع أكبر شريحة ممكنة من الجمهور، حتى لا يبقى المسرح حكراً على المسرحيّين العاملين فيه"، كما يقول مدير المهرجان، المخرج المسرحي حكيم حرب، في حديثه إلى "العربي الجديد".

ثلاثة عشر عرضاً من ستّة عشر بلداً عربياً وأجنبياً 

يضيف حرب أنّ "مسرح الفضاءات المغايرة ليس تقليعة، بل هو بحث جمالي وانعتاق ذهني ووجداني وعناق مع روح المكان وذاكرته، واسم 'الرحالة' يحمل معنى مجازياً يشير إلى الترحال بحثاً عن قارّات الجمال وجزر المعرفة، ورغم العوائق والتحدّيات التي لا تحصى، إلّا أنّ المسرح له أهداف تتجاوز المادّة والشهرة والنجومية، وبناء العلاقات ذات الطابع الشِللي، والموائد ذات الطابع السياحي، وهي أهداف تتعلّق بتقديم مسرح يعالج قضايانا المصيرية كأمّة عربية، وينفتح على القضايا الإنسانية والوجودية في الوقت نفسه".

طموحٌ بدا كبيراً مع تنظيم عروض في مدن أردنية، وعدد من ساحات العاصمة، في الدورتين السابقتين، لكنّ المسرحيات المشاركة في الدورة الحالية سينحصر عرضها في "مسرح أسامة المشيني" بجبل اللويبدة وساحته، مع الإشارة إلى صعوبة تكييف جميع الأعمال لتقديمها خارج الصالة، لكن الهمّ ذاته ظلّ موجوداً على طاولة البحث من خلال عقد ندوة بعنوان "تجربة مسرح الفضاءات المسرحية المغايرة - مسرحة الآثار أنموذجاً"، بمشاركة الفنّانين والنقّاد: سعيد سلامة من فلسطين، وإبراهيم الفرن من مصر، ورياض السكران من العراق، وبوكثير دومة من تونس، وخالد الرويعي من البحرين، وحاتم السيّد، وسهيل إلياس، وباسم الدلقموني، وغنام غنام، ولينا التل، ونبيل نجم، وفراس الريموني، وفراس المصري وعدي حجازي، بالإضافة إلى أعضاء لجنة التحكيم، بينما يديرها الأكاديمي والمُخرج الأردني مخلد الزيودي.

يناقش المشاركون موضوع الندوة عبر شهادات إبداعية لعدد من المسرحيّين الذين اختبروا هذا النوع من المسرح، بهدف توثيقها وتسليط الضوء عليها وحفظها من الضياع، ومقاربة ما إذا كان مسرح الفضاءات المغايرة تمرّداً على المسرح الغربي (مسرح العلبة الإيطالية)، أم عودة إلى جذور المسرح قبل آلاف السنين عندما كان اليونانيون الإغريق والرومان يقدّمون عروضهم المسرحية في الفضاءات العامّة، وكذلك كانت بدايات المسرح في الوطن العربي من خلال الفرق الرحّالة والجوّالة ضمن عروض الحكواتي والأراغوز وصندوق العجب في المقاهي والمضافات وفوق البيادر في مواسم الحصاد، كما تتناول الندوة تجربة مسرحة الأماكن الأثرية ودورها في خلق سياحة ثقافية.

مقاومة المحتلّ يمكن أن تكون بالمسرح والشعر والموسيقى والتشكيل

من جهة أُخرى، يحضر ستّة عشر بلداً من خلال ثلاثة عشر عرضاً، منها: "جنون الحمائم" لعواطف نعيم  من العراق، و"شكون" (إخراج جمعي)، من تونس، و"اللاجئان" (إنتاج فرنسي)، للأخوين محمد وأحمد ملص من سورية، و"زلزال" لميس الزعبي و"المغنيّة الصلعاء" لكامل الشاويش من الأردن، إلى جانب ستّ ورش تدريبية، هي: "التمثيل الإيمائي- البانتوميم" من تأطير الفنان سعيد سلامة من فلسطين، و"السينوغرافيا" من تأطير السينوغرافي إبراهيم الفرن من مصر، و"الإخراج في الفضاءات المغايرة" من تأطير المخرج خالد الرويعي من البحرين، و"الصوت والجسد" من تأطير الفنانين نيجار حسيب وشامال أمين من النمسا، و"الكوميديا الحركية" من تأطير الفنان باولو أفيتاريو من إيطاليا، و"الغناء المسرحي" من تأطير كاثلين بيل من الولايات المتّحدة.


شكل من أشكال المقاومة

تحلّ الدورة الثالثة في لحظة عصيبة يعيشها أهل غزّة في مواجهة الإبادة الصهيونية، لحظةٌ لا يرى فيها حكيم حرب المسرح "ترفاً ولا ترفيهاً أو تسلية، بل هو قضية وفكر وموقف، فمقاومة المحتلّ يمكن أن تكون بالمسرح والشعر والموسيقى والتشكيل، إلى جانب مقاومته بالرصاص"، ويتابع: "قرّرنا ألّا نلتزم الصمت، وأن نواصل العمل بمسرحنا".

"ضد الرضوخ"، عنوان مسرحية ليلة الافتتاح، وهي من إعداد وإخراج حرب، كما تُعرض في الليلة نفسها مسرحية العرائس "يافا والباب الأزرق" من مصر، وهما تعكسان رسالة المهرجان في "وقوفه مع الشعب الفلسطيني حتّى تحرير أرضه وإقامة دولته المستقلّة مثل باقي شعوب الأرض التي نالت استقلالها وحقّقت حريتها بالنضال ومقاومة المحتلّ بكافة الوسائل، وتقديم التضحيات الجسام، حيث المسرح هو شكل من أشكال المقاومة"، وفق تعبير حرب، الذي يلفت إلى أنّ شعار الدورة الحالية مستمدّ من قصيدة لمحمود درويش: "وحبوب سنبلةٍ تموت ستزرع الأرض سنابل".

المساهمون