استمع إلى الملخص
- **الأعمال تتميز بتداخل الدوائر اللونية الكبيرة والتأمل العميق، مع التركيز على اللون الأحمر الذي يرمز للدم برقة إنسانية.**
- **اللوحات تبتكر عوالم خيالية من خلال اللون والضوء، مستلهمة من التراث الصوفي، وتختلف عن أعمالها خلال الحرب الأهلية اللبنانية.**
عشرون عاماً من التشكيل تتكثّف في قطرة أو "قطرات الندى"، وفقاً للاسم الذي اختارته التشكيلية اللبنانية الأرمنية سيتا مانوكيان (1945) لمعرضها الذي يتواصل في "غاليري مرفأ" ببيروت، حتى السابع من أيلول/ سبتمبر المُقبل، ويضمّ لوحات اشتغلت عليها خلال العقدين الأخيرين.
تُؤطّر الخلفية الصوفية اللوحات بقوّة. فمن جهة لدينا التجربة البوذية التي تُحرّك رُؤى الراهبة والفنّانة في عوالم لا محدودة، ومن أُخرى يبرز عنوان المعرض المُشتقّ من عبارة تُنسب إلى جلال الدين الرومي: "أنت لست قطرة في محيط، بل مُحيط في قطرة" وهكذا تتوالى القطرات لا بما هي مياهٌ فحسب، بل سيولة بأبعاد مختلفة، وتتعدّد حتى تكاد توحي بأنَّ الجمادات والحيوات التي تصوّرها اللوحة تُشتقّ من تلك القطرات، وهذا ما نلاحظه من التداخل بين الدوائر اللونية الكبيرة التي تُصوّرها الأعمال.
دوائر ونقاط تبدو عفوية لكنّها تكشف عن عملية تأمُّل عميقة
الأحمر هو اللون الذي تَنشدُّ إليه "قطرات الندى". ليس ثمّة من صفاء أو وضوح يُضاهيه، والأمر لا يحتاج طول تمعُّن ليُحيل إلى الدم، لكنّه يحتفظ برقّته اللونية من دون أن يُفصح عن تأويلات قاسية، إذ، وعلى العكس تماماً، تحتفظ اللوحة بمقدار من التعبير الإنساني المرسوم بدقّة، فالأشكال والهيئات التي تبدو عفوية في بداية الأمر، نكتشف أنّها نتاج عملية تأمّل عميقة.
وعلى مقربة من الماء تنعقد في إحدى اللوحات كفّان، ثم تنبسطان في أُخرى مجاورة لها، من دون أن يحتوي العمل على أيّ إشارة إلى الماء. فالإيحاء هنا متروكٌ للمُخيّلة وحدها كي "تكتشف" الماء لا أن تُعاينه في حضوره المرئي. إنها عملية ابتكار، وطرفاها اللون والضوء معاً. مع ذلك، يبقى التأمّل سيّد الموقف حيث تنساب الخطوط عبر ضربات الفرشاة الهادئة التي ترسّم الطريق من الوردة إلى قطعة الخبز، أو حتى البيض الأبيض الذي يعيدنا إلى هندسة القطرة وانسيابية الدائرة.
وأمام لوحة كهذه، نستعيد المقولة النقدية حول "تراسُل الحواس"، والتي استلهمتها تيّارات فنّية حداثية عديدة من التراث الصوفي، حيث يُترك الأمر لعملية التذوّق والحدس العميق، وبهذا لا نعود إلى اللوحة إلّا بوصفها "عالماً أكبر"، وفقاً للتعبير الشهير لجلال الدين الرومي.
في "قطرات الندى" تختلف لوحات سيتا مانوكيان، من حيث الإطار والمضمون، عن اشتغالاتها إبّان الحرب الأهلية اللبنانية (1975 - 1990)، والتي لم تشهد الفنّانة نهايتها، إذ سافرت إلى لوس أنجليس قبل ذلك التاريخ بخمس سنوات. هناك بدأت مرحلة جديدة على المستوى الفنّي مُنطلقها الولايات المتّحدة الأميركية، وتجاوزت ما كان سائداً في بيروت بفعل الحرب والصراعات السياسية والأيديولوجية حينها، وراحت تُجرّب رؤى مختلفة، قبل أن تعود أخيراً إلى المدينة التي انطلقت منها، بعد عقود قدّمت خلالها العديد من المعارض والمشاركات الدولية، كما ساهمت في إعداد مؤلّفات حول الفنّ التشكيلي وكذلك الأفلام التسجيلية.