04 يناير 2019
صامدون في جبهة السرطان
تمشي بخيلاء وفخر لم يستطع أحد استيعابه، ترتدي فستاناً كلاسيكياً أحمر، تلف عنقها بطوقٍ كريستالي فاخر، تضع أحمر الشفاه وترسم عينيها بطريقة تبرزها للناظر كأنها تقول: "دعك من ملامح التعب وعلامات المرض، انظر لعيني"، ترسل القبلات كنجمة استعراضية في حفل تكريمها..
لم يراودني شك بعد أن رأيت شعرها المتساقط، حاجبيها المعدومان، في أنها محاربة صنديدة تقاوم المرض وسخافة البيئة، رغم نظرات الشفقة المستفزة إلا أنها بادلتهم بابتسامة منتصر! هناك من أدار رأسه، وأخرى فضلت المصافحة بطرف الأصابع عوضاً عن تقبيلها.
واحدة فقط ابتسمت لكنها مسحت دمعة تسللت خفية. تخوض حربا قاسية ويبدو أنها خاضت حربا أقسى مع العلاج الكيميائي. جاءت على هيئتها تماما!
لم ترتد شعراً مستعاراً، لم تكن خائفة من الفراغات الكثيرة أعلى رأسها، لم تفكر بالجموع الاستعراضية التي تغرق بها المناسبات والأعراس. ابنتها هناك، ويبدو أنها دائما بقربها، كظلٍ لأمها! تمد ذراعيها، تغترف من قلبها لتحيطها بالحماية من أي كلمة أو سؤال قد يتسبب في تلاشي ثقتها بنفسها، فثقة المصاب بالمرض كنبتة حساسة يقتلها الاهتمام الزائد ويبيدها الإهمال. ومنهم من يرحلون تباعاً.
أصبحنا معتادين على الرحيل، لكن لطالما تساءلت هل هم معتادون على اللاعودة؟! ضيف الله الناضج الصغير، يحفظ مواعيد جرعاته، أدويته ويحافظ عليها بانتظام، تألم أكثر مما تستطيع المخيلة أن تشعر، وضعت ورقة بيضاء وقلم رصاص وتركته ليستعين بالرسم ليخفف من ألمه.
كانت دوائر كثيرة متصلة ببعضها، جعل منها طفلاً صغيراً تبرز من خلال فتحة فمه أنياب حادة وعندما سألته لماذا؟ حدثني كيف سيتمكن من العض عوضاً عنه حين يتألم، وقال: (لا أستطيع .. يوجع) يلهو بعينيه، يحاول الضحك لكن عينيه الذابلتين ما زالتا ترسلان الغمام لكل من ينظر إليهما.. دمعهما يبلل الروح..
سمعت حكاية الخوف والمرض من عيني دينا الصغيرتين. ستظل بسمة ضاعت طفولتها في دهاليز الموت. دينا التي لم تنسَ يوماً أن تغرد في أذني "أنا صاحبتك دينا الصغيرة ".. لا تدري دينا أن لا صديقة لدي سواها تُكنى بـ "دينا".
ما زلت أتذكر بوجع هذه العصفورة القادمة من حجة لتسكن آلامها بحقنة تنقذ جسدها المنهكة.. دينا التي كلما وددت ضمها تراجعتُ مخافة أن تتهشم بين ذراعي، رحلت إلى جوار أسمهان، ولن أستطيع شيئاً سوى الاحتفاظ بذكراها.
كانت أسمهان تدعوني لزيارتها في حرض، أخبرتني أنها تستطيع طبخ الأرز، رحلت وأنا محتارة من الذي قتلها. هل كان مرض السرطان أم المسافة من حرض إلى صنعاء التي حرمتها العلاج؟ يقاومون مُتسلحين بالبراءة، يرون عافيتهم تحتضر ببطء ورغم أجسادهم الصغيرة إلا أنهم يضخون لهذه الأرض الدفء والحياة..
لم يراودني شك بعد أن رأيت شعرها المتساقط، حاجبيها المعدومان، في أنها محاربة صنديدة تقاوم المرض وسخافة البيئة، رغم نظرات الشفقة المستفزة إلا أنها بادلتهم بابتسامة منتصر! هناك من أدار رأسه، وأخرى فضلت المصافحة بطرف الأصابع عوضاً عن تقبيلها.
واحدة فقط ابتسمت لكنها مسحت دمعة تسللت خفية. تخوض حربا قاسية ويبدو أنها خاضت حربا أقسى مع العلاج الكيميائي. جاءت على هيئتها تماما!
لم ترتد شعراً مستعاراً، لم تكن خائفة من الفراغات الكثيرة أعلى رأسها، لم تفكر بالجموع الاستعراضية التي تغرق بها المناسبات والأعراس. ابنتها هناك، ويبدو أنها دائما بقربها، كظلٍ لأمها! تمد ذراعيها، تغترف من قلبها لتحيطها بالحماية من أي كلمة أو سؤال قد يتسبب في تلاشي ثقتها بنفسها، فثقة المصاب بالمرض كنبتة حساسة يقتلها الاهتمام الزائد ويبيدها الإهمال. ومنهم من يرحلون تباعاً.
أصبحنا معتادين على الرحيل، لكن لطالما تساءلت هل هم معتادون على اللاعودة؟! ضيف الله الناضج الصغير، يحفظ مواعيد جرعاته، أدويته ويحافظ عليها بانتظام، تألم أكثر مما تستطيع المخيلة أن تشعر، وضعت ورقة بيضاء وقلم رصاص وتركته ليستعين بالرسم ليخفف من ألمه.
كانت دوائر كثيرة متصلة ببعضها، جعل منها طفلاً صغيراً تبرز من خلال فتحة فمه أنياب حادة وعندما سألته لماذا؟ حدثني كيف سيتمكن من العض عوضاً عنه حين يتألم، وقال: (لا أستطيع .. يوجع) يلهو بعينيه، يحاول الضحك لكن عينيه الذابلتين ما زالتا ترسلان الغمام لكل من ينظر إليهما.. دمعهما يبلل الروح..
سمعت حكاية الخوف والمرض من عيني دينا الصغيرتين. ستظل بسمة ضاعت طفولتها في دهاليز الموت. دينا التي لم تنسَ يوماً أن تغرد في أذني "أنا صاحبتك دينا الصغيرة ".. لا تدري دينا أن لا صديقة لدي سواها تُكنى بـ "دينا".
ما زلت أتذكر بوجع هذه العصفورة القادمة من حجة لتسكن آلامها بحقنة تنقذ جسدها المنهكة.. دينا التي كلما وددت ضمها تراجعتُ مخافة أن تتهشم بين ذراعي، رحلت إلى جوار أسمهان، ولن أستطيع شيئاً سوى الاحتفاظ بذكراها.
كانت أسمهان تدعوني لزيارتها في حرض، أخبرتني أنها تستطيع طبخ الأرز، رحلت وأنا محتارة من الذي قتلها. هل كان مرض السرطان أم المسافة من حرض إلى صنعاء التي حرمتها العلاج؟ يقاومون مُتسلحين بالبراءة، يرون عافيتهم تحتضر ببطء ورغم أجسادهم الصغيرة إلا أنهم يضخون لهذه الأرض الدفء والحياة..