الناس حياة الأرض

25 أكتوبر 2018
+ الخط -


تستيقظ الروح، فترى بعين الصباح كلما تركت عينيك مقفلتين! وأنا أرى بحرفي، كأنّ بهِ ثقباً يُضيء، ضوءاً من ضياء الجنة.

الصباح لمن يتركون حرفي خشية كلام الناس، ويكتفون بالمتابعة الصامتة وهم جديرون أيضاً بالمحبة.

والصباح أيضاً للقلة المؤلمة، التائهين الذين لا يخشون تيههم في متابعة الإشاعات والتشوه والدمار، فصور الأشجار والقمريات وانتعاش الطرقات تثير اشمئزازهم وأصوات العصافير تضجرهم وتغرقهم بالضجيج.

***

صوت القذائف يشبه الموت، والطائرات التي تثير الرعب لا تخيف القطط، منذ اتساع رقعة الرعب لم يصمد سوى البسطاء، فالبسطاء لا صوت لهم ولا ضجيج لأقدامهم، عدا عربة الآيس كريم الشهيرة التي تغني بعلو صوتها وهي تجوب الشوارع.

(أهلاً.. أهلاً يا نانا)

أدرك جيداً كمية الإزعاج التي تشعرون بها، كنت مثلكم تماماً، حتى فكرت بالإصغاء إليها جيداً! ككل شيء، وجدتها شيئاً مختلفاً.

خلال أيام الحرب، تمشي ببطء، تحرك أثقالها وتنادي الأحياء، الجدران. وحدها تبعث الحياة في سكون أجسادنا، لا أدري لماذا تستفزكم وهي الشيء الوحيد الذي لم يستبدل أنغامه بضجيج الموت!

ستجدون بعضها يجوب الشوارع بأنغام أخرى ما بين (أبو بكر سالم، علي الآنسي، أيوب طارش عبسي، محمد مرشد ناجي).

عربية نانا ليست مزعجة، هي قرفصة الأطفال حين يتوسلون وترتدي ملامحهم تفاصيل الرحمة لشراء الآيس كريم.


(أهلاً.. أهلاً يا نانا)

كانت تردد حزنها، وصديقي الذي دفعته الحرب إلى المنفى يستمع لها عبر الهاتف لتجدد في خلاياه الحياة والحنين، لا يعوزنا شيء في كل هذه الفوضى سوى روح تتجدد، فالروح مسامّها كالأرض!

ترويها زخات المطر، فكيف لا يكون المسّ وحال كل عِناق بين الأرض والسماء، نُغمر بالحنين، بالعاطفة، ننبثق يُنبوعاً من العاطفة، ولا نكترث إلى أين نمضي!

نلهو كأطفال، نُحيط الغمام بأجنحة الحلم، وعندما نفيق لا نتذكر سوى أننا عالقون في الذكرى، الحنين، وتفاصيل تُشبه تلك المدة الزمنية التي يهطل فيها المطر.

***

فاقد العقل الذي يهيم في الشارع يُمسك بكلتا يديه علبة معدنية تتصاعد منها الأبخرة، تارة يلثمها، يلعق قطراتها المتسللة من بين أصابعه، ويسأل المارّة بتبسم ساحر: تشتي شاي؟ هذا الرجل حياة..

وآخر يحارب ويتشبث، وقد تراه منهمكاً وراء لوحة المفاتيح أو يصارع أزرار هاتفه الصغير، يمسك بقبضة قوية، مرة يعض على شفته ومرة يمحو جفافها بمسحة خاطفة من لسانه.

المواجهة والحروب في العالم الافتراضي كمن يمد سلاحه ويحارب فزاعة الحقل، يقاتل بيقين وعقيدة الخائف وهو منتصرٌ لا محالة بضغطة زر أو (حظر).

يبحث عن بطولة كأي عابر سبيل باحث عن مياه للشرب، لا يدري أنّ البطولة لا تُصنع بل تحدث هكذا.

اترك الآخرين ليشيروا لك، لن تندم!

لن ينفد الوقت فلا تتعجل، أتعرف ما معنى أن يتحدث عنك عملك، إبداعك، تأثيرك؟ انظر في المرآة، راقب كيف يرتديك الأمل حين تبتسم، يبتسم من خلال شفتيك.

معناه أنك ضربت جذوراً في الحياة لن تُقتلع بسهولة، ستجد لك انعكاساً وأشباهاً كُثراً، قبل أن يدركوا ذلك، سيكون قد أدرك من حولهم أن هناك شجرةً استظلوا بها ونشرت عليهم أثيرها،
وما أجمله من شعور.

7B875018-CC3F-46B9-A3DE-684F93E0A72B
صفاء الهبل

روائية وكاتبة يمنية، رئيسة مبادرة (كن إيجابيا) للأعمال الخيرية. صدر لها رواية (قدري فراشة).تعرف عن نفسها: مجرد باحثةٍ عن غيمة لتمرغ فيها مرارة الواقع.مصابة بالمسّ. كلما أمطرت رفعت طرف حرفي ورقصت حتى الإنهاك والتعب.

مدونات أخرى