هذا العام، يحلّ شهر رمضان على اليمنيين أليماً، لا يشبه ما كان عليه في الأعوام السابقة. ضحايا الحرب والنزوح والجوع والدمار وانعدام الخدمات وعوامل أخرى كثيرة، تجعل صيام هذا الشهر ممزوجاً بالمعاناة والمأساة، لا سيّما في حال امتدّت الحرب أكثر.
وكان اليمنيون كبقية الشعوب العربية والإسلامية، يستعدون لاستقبال الشهر الفضيل. قبل حلوله، يتلقى العاملون مكافآت تُعرَف بـ "إكرامية رمضان"، فيتوجهون إلى الأسواق ويشترون حاجيات الشهر من مستلزمات مختلفة بالإضافة إلى المواد الغذائية. كذلك كانوا يتبادلون رسائل التهنئة حتى قبل حلوله. لكن ذلك اختفى في مختلف أنحاء البلاد حالياً، باستثناء بعض المجتمعات التي تعرف استقراراً نسبياً في مناطق بعيدة عن المواجهات المسلحة، وعن قصف طائرات التحالف العربي.
ويستقبل اليمنيون شهر رمضان، هذا العام، وسط إحباط عام، فهو لا يمكن أن يكون كما عهدوه في ظل التحارب وانعدام مقومات الحياة وفي مقدمتها غياب الأمن وفقدان المشتقات النفطية والتيار الكهربائي وغلاء الأسعار وتراجع الأعمال والأجور وارتفاع نسب البطالة.
وتشتدّ معاناة المجتمعات أكثر في المدن الكبيرة التي تعيش الحصار منذ أكثر من 11 أسبوعاً. بالنسبة إلى سامي عبد الودود من سكان مدينة عدن (جنوباً)، "من الصعب تصوّر رمضان بعد هذه الفترة من الاشتباكات الشرسة. الأمن منعدم، والمرتبات منقطعة، ومعظم المحال التجارية مغلقة، والمواد الغذائية شحيحة، وما يتوفّر منها فهو بأسعار مرتفعة جداً". يضيف: "لا نستطيع الخروج إلى الشارع بسبب استمرار المواجهات المسلحة، أوضاعنا مأساوية في ظل حصار خانق وصيف لاهب، لكنها تزداد سوءاً مع بداية رمضان". ويوضح أن "ساعات الصيام في اليمن هذا العام 14 ساعة. ومن المتوقع أن يعاني سكان السواحل بما فيها عدن من انقطاع التيار الكهربائي، إذ سوف تتوقف المكيفات وثلاجات الطعام في حين تتخطى درجات الحرارة 50 درجة مئوية". تجدر الإشارة إلى أن الكهرباء انقطعت نهائياً، الأسبوع الماضي، عن نصف مناطق عدن، فيما انقطعت عن النصف الآخر وبقية المدن معظم ساعات اليوم.
اقرأ أيضاً: العراقيّون يتمسّكون بالمحلبي
ويشير عبدالودود إلى أنه يعتمد، اليوم، بشكل أساسي على المساعدات التي تقدمها الجمعيات الخيرية، بعد تسريحه، أخيراً، من الشركة الأمنية التي عمل بها سنوات. ويشكو من عدم قدرته، هذا العام، على "توفير متطلبات رمضان من طعام وشراب. وما يهوّن على أسرتي الأمر، هو أن معظم اليمنيين يتشاركون هذا الواقع السيء". يضيف أنه مُجبر على الاستغناء عن أطعمة كثيرة تعوّدت الأسرة العدنية عليها في رمضان، مثل السنبوسة وأنواع من المقالي والمعجنات بالإضافة إلى اللحوم وحتى الزبادي والحلويات. ويرى أن انقطاع غاز الطهو والكهرباء والمياه من أبرز أسباب تحوّل رمضان هذا العام إلى "شهر للمعاناة بكل ما تعنيه الكلمة".
من جهته، يصف سعيد الذبحاني من سكان محافظة تعز (وسط) شهر رمضان هذا العام بـ "الشهر الحزين" إذ "سوف يمتلئ بالمآسي اليومية وإن توقفت الحرب. ويعود ذلك إلى قفز أسعار المواد الغذائية إلى مستويات جنونية، وتفشي الأمراض، وانقطاع التيار الكهربائي، ومشاعر الحزن التي تسيطر على أهالي المحافظة نتيجة سقوط مدنيين كثر وتدمير كثير من المنازل والمرافق".
إلى ذلك، تعبّر أم إسماعيل الأنسي عن خوفها قائلة: "في كل عام، كنا نفرح بحلول الضيف الكريم ونستعدّ له. لكننا اليوم نخشى منه. كل المؤشرات تقول بأنه سيكون صعباً". تضيف أن "الانقطاع الدائم للتيار الكهربائي سيحرم الأسر من متابعة البرامج والمسلسلات الرمضانية التي تعودت عليها سنوياً. كذلك، فإن الناس وبسبب استمرار القصف وصعوبة أوضاعهم، سوف يمتنعون من زيارة بعضهم بعضاً وتبادل دعوات الإفطار كما جرت العادة". وإلى جانب الأوضاع الاقتصادية، يتفاقم الوضع مع نزوح معظم الأقارب والأصدقاء، وكذلك غياب الأمن وفقدان المشتقات النفطية التي تساعد الناس على التنقل.
وفي محافظة المحويت (غرب) التي تستمر في استقبال آلاف الأسر النازحة، يجزم فتح الله جميل أن شهر رمضان هذا العام سيكون "الأسوأ لأسرتي المكونة من تسعة أفراد. نحن، حتى اليوم، بعيدون عن منزلنا الكائن في حي المطار شمال العاصمة صنعاء. نحن نزحنا عقب استهداف مقاتلات التحالف العربي للمطار وبعض المنازل المجاورة". ويشير جميل إلى أنهم لن يتمكنوا من "عيش شهر رمضان، هذا العام، بشكل طبيعي. نحن ضيوف على أقربائنا هنا ونشكّل عبئاً عليهم".
اقرأ أيضاً: صيام على الصيام في سورية