بحزن وألم ومرارة يستقبل العراقيون شهر رمضان هذا العام، وسط الحرب التي طحنتهم وشتتت جمعهم في كل مشرق ومغرب. صحيح أن رمضان فقد نكهته لدى العراقيين، إلا أنهم استعدوا له قبيل حلوله واشتروا حاجياتهم لهذا الشهر الفضيل، كما لو أن شيئاً لم يكن. هم يصرّون على الحفاظ على عاداتهم وتقاليدهم الخاصة برمضان بالرغم من ظروف النزوح والحرب والدمار والخراب، فهي جزء لا يتجزأ من طقوسهم الرمضانية الجميلة.
حامد الصالح باحث في التراث الشعبي، يقول لـ "العربي الجديد" إن "عادات رمضان وتقاليده كانت وما زالت ذات نكهة خاصة في العراق. وكما العادة، طبع العراقيون إمساكيات الشهر ووزّعوها على الناس مجاناً ليطلعوا على مواعيد الإفطار والإمساك". يضيف: "ومن المتوقّع أن يبدأوا اليوم بتبادل الأطباق في ما بينهم. ويتكرّر مشهد أطفال الحارات وهو ينقلون صحون الحلوى والشوربة في واحد من أجمل تقليد عرفه أهل البلاد منذ القدم".
ويشير الصالح إلى أن "من عادات رمضان وتقاليده، التزام الناس بقراءة القرآن والتردد على المساجد بشكل أكبر من الأيام العادية والتزام النساء بالحجاب أكثر".
وللأكلات الشعبية في رمضان نكهة خاصة لدى الأسر العراقية، إذ تتنوّع المائدة الرمضانية بالأكلات الشعبية التي لا تتخلى عنها في هذا الشهر رمضان، ولعل أبرزها "المحلبي" وهي أرزّ مطحون وسكر. بالنسبة إلى الحاجة ماجدة عبد الواحد، فإن "لوجبات رمضان خصوصيتها إذ تؤمّن للصائم ما يحتاجه، خصوصاً أنه يخسر مياه جسمه في خلال ساعات الصيام الطويلة. وهي بالتالي تزوّده بالسوائل وبالأملاح والسكريات".
وتشير إلى أن "مهمة إعداد طعام الإفطار هي على عاتق النساء، فيما ينشغل الرجال بقراءة القرآن في المسجد قبل موعد الإفطار". تضيف أن "من الأكلات الشعبية المفضلة في رمضان حلوى الزلابية وكذلك البقلاوة. ولا تخلو المائدة الرمضانية العراقية من التشريب وهي مرق مع خبز مقطع ومن الهريسة التي تأتي على شكل لحم مفروم ومهروس بشكل جيد مع الحمص والكبة والدولمة العراقية الشهيرة وحلاوة التمر".
إلى ذلك، يعدّ مدفع الإفطار من التقاليد التي يفتقدها العراقيون اليوم. وكانت الأسر العراقية في أنحاء البلاد، تنتظر صوت مدفع الإفطار المدويّ الذي يعلن موعد الإفطار.
ومن أجمل العادات والتقاليد الرمضانية الشعبية في العراق، لعبة "المحيبس" الشهيرة التي يكاد لا يخلو زقاق أو شارع عراقي في رمضان منها، وهي لعبة قديمة تقضي بوجود فريقين يتألف كل واحد منهما من عدد من الشباب. بعدما يوضع خاتم (أو محبس) في يد أحد أعضاء فريق ما، يبدأ الخصم بالبحث عنه في عشرات من الأيادي المغلقة.
فتاح عمر من لاعبي المحيبس، يشير إلى أن هذه "من أجمل الألعاب الشعبية الخاصة بشهر رمضان، والتي تجمع شباب المنطقة في ليالي رمضان بعد صلاة التراويح".
من جهة أخرى، وقبيل الأيام العشرة الأخير من شهر رمضان تبدأ العراقيات بتحضير طبقهنّ الشهير الخاص بعيد الفطر وهو "الكليجة". تعدّ النساء العجينة الخاصة وحشوات التمر الخستاوي أو الحَلقوم أو الجوز الهندي المبروش، استعداداً لاستقبال عيد الفطر. وتوضح مريم الجبوري أن "الكليجة واحدة من أشهر الأكلات الشعبية العراقية، فتجتمع نساء المحلة أو الحارة في المنازل معاً، ويبدأ قسم منهنّ بتحضير العجينة وتقطيعها إلى قطع صغيرة مربعة أو مستطيلة، في حين تقضي مهمّة القسم الثاني من النساء بإعداد الحشوات. وعند الانتهاء من تطبيق هذه الحلوى، يتوجهن إلى الأفران حاملات صوانيهنّ لخبزها".
ويبقى أن رمضان يحلّ هذا العام مختلفاً عما كان في الأعوام الماضية، إذ إن آلاف النازحين لجأوا إلى مخيمات وهياكل قيد الإنشاء بعدما هجّروا من ديارهم ظلماً، وينظرون بعين الحزن والحسرة إلى ديارهم تلك. وبالرغم من ذلك، لو سألت أحدهم عن شعوره بحلول رمضان، لابتسم في وجهك وقال: "لعله يكون شهر فرج على العراق والعراقيين جميعاً، من هذه الأزمة. وعساه يكون شهر صلح كبير بين العراقيين ليبدأوا مرحلة جديدة بعيدة عن الحروب التي عمّقت جروحهم".
اقرأ أيضاً: شهر حزين في اليمن