شقائق في سماء لامبالية

16 اغسطس 2017
("ألم"، حامد عبد الله، أكريليك على ورق وقماش، 1975)
+ الخط -

الشقيقة الأولى

ثمة منملة صغيرة
مفتوحة بإزاء الشمس
لتخزين الحقل في الأقبية العميقة
لا تتوانى أحذية الجنود في تمهيد
مقاصيرها العالية القباب
في كل ذهاب إلى الميدان
فلا تتوانى المنملة
التي لا تملك وقتاً للألم
في العودة تواً
لبناء مقاصيرها بقباب عالية
وتخزين الحقل عميقاً في الأقبية
كلما ذهبت الأحذية إلى الميدان
......................
......................
ثمة أحذية جنود لا تتوانى
في كل إياب إلى ثكناتها
في تسوية منملة صغيرة
مفتوحة بإزاء الشمس
لتخزين الحقل في الأقبية العميقة
فلا تتوانى المنملة
التي لا تملك وقتاً للألم
في العودة تواً إلى رفع
قبابها العالية فوق المقاصير
وتخزين الحقل عميقاً في أقبيتها
كلما عادت الأحذية إلى الثكنات
......................
......................
ليس ثمة ثكنة ولا منملة
ليس ثمة سوى تمهيد وتشييد


■ ■ ■

الشقيقة الثانية

ثمة حريق يشبُّ
في الجرذان التي تهرول
في عتمة الرصيف البطيء
تاركة جحورها الآمنة
في أهراء القمح المفتوحة
فلا تأبه الجرذان
مستمرة في الهرولة
وراء الحريق
......................
......................
ثمة جرذان تهرول
وراء حريق مذعور
في عتمة الرصيف البطيء
تاركة جحورها الآمنة
في أهراء القمح المفتوحة
فلا يأبه الحريق
مستمرّاً في الهرولة
وراء الجرذان
......................
......................
ليس ثمة سوى فريقٍ إطفائيّ
من الجرذان الجسورة
يجازف
بقيادة شقائق الحريق
إلى مزهرية انطفاء
تقف
بإزاء زاوية الرصيف البطيء


■ ■ ■

الشقيقة الثالثة

ثمة عميان
يجسّون الخطى بعكاكيزهم
متعجلين إشارة مرور سانحة
لعبور رصيفهم إلى الرصيف المقابل
للارتطام بمجرة الضياء
فلا تتريّث الحسناوات المترنحات
متعجّلات إشارة مرور سانحة
لعبور رصيفهن إلى الرصيف المقابل
للارتطام بالمجرة العمياء
......................
......................
ثمة حسناوات
يمسكن بسكْرهن
متعجلات إشارة مرور سانحة
لعبور رصيفهن إلى الرصيف المقابل
للارتطام بالمجرة العمياء
فلا يتريث العميان بمجسات عكاكيزهم
متعجلين إشارة مرور سانحة
لعبور رصيفهم إلى الرصيف المقابل
للارتطام بمجرة الضياء
......................
......................
ليس ثمة عميان و لا حسان
ليس ثمة سوى ارتطام سكري
تنهمر
نجومه الخاطفة على مفترق الغسق


■ ■ ■

الشقيقة الرابعة

ثمة جراح تهرب
من حديقة الحب
تاركة زهورها الملوّنة
إلى حديقة الحرب
التي لا تجزُّ كوابيسها
لتطريز الزنابق الحمراء
فلا يكترث الحب
مؤكداً على الهرب
من حديقة الجراح
تاركاً زهوره الملونة
إلى حديقة الحرب
التي لا تجزُّ كوابيسها
لتطريز الزنابق الحمراء
القانية
......................
......................
ثمة حب يهرب
من حديقة الجراح
تاركاً زهوره الملونة
إلى حديقة الحرب
التي لا تجزُّ كوابيسها
لتطريز الزنابق الحمراء
فلا تكترث الجراح
مؤكدة على الهرب
من حديقة الحب
تاركة زهورها الملونة
إلى حديقة الحرب
التي لا تجزُّ كوابيسها
لتطريز الزنابق الحمراء
القانية
......................
......................
ليس ثمة حب و لا حرب
ليس ثمة سوى ازهرار جرح مملّح


■ ■ ■

الشقيقة الخامسة

ثمة قنّاص يسدّد البندقية
إلى عين الضحية
ماسحاً
بكُمٍّ بلور التصويب
فلا ترى العين
مواصلة تسديد نظرتها
إلى فوهة البندقية
ماسحةً
بكُمٍّ بلور النظارة
......................
......................
ثمة عين تسدِّد نظرتها
إلى بندقية القنّاص
ماسحة
بكُمٍّ بلور النظارة
فلا ترى البندقية
مواصلة تسديد فوهتها
إلى عين الضحية
ماسحةً
بكُمِّ القنّاص بلور التصويب
......................
......................
ليس ثمة تصويب و لا هدف
ليس ثمة سوى سرقة مسروقة
تسدل الجفن لئلا ترى عينها متلبسة


■ ■ ■

الشقيقة السادسة

ثمّة مواء متصل
ينادي على قطة
تتجول في أروقة الخراب
كي تعود إلى البيت
فلا تستمع القطة التائهة
مستمرة في المواء
و التجول في أبهة الخراب
ثمة قطة تنادي طول الليل
على مواءٍ
يتجوّل في أروقة الخراب
كي يعود إلى البيت
فلا يستمع المواء التائه
مستمرا في النداء
و التجول في أبهة الخراب
......................
......................
ليس ثمة هرٌّ و لا هرير
ليس ثمة سوى أرق محمول
على محمل الغرق
في أنابيب منتصف الليل


■ ■ ■

الشقيقة السابعة

ثمة كرة خيط
تشتغل في قميص الصوف
بصبر وأناة
على المقعد الشاغر
من دون أصابعك أمي
فلا ينتبه القميص
منهمكا في حبك الخيوط
بأناة و صبر
على المقعد الشاغر
من دون أصابع أمي
......................
......................
ثمة قميص صوف
يشتغل في حبك الخيوط
بصبر و أناة
على المقعد الشاغر
من دون أصابع الأم
فلا تنتبه كرة الخيط
مستمرة في الاشتغال
في قميص الصوف
على المقعد الشاغر
بأناة و صبر
من دون أصابع
......................
......................
ليس ثمة لا سداة و لا إبرة
ليس ثمة سوى انتظار يتسلى
باستلال الضجر من صوف قميصي


■ ■ ■

الشقيقة الثامنة

ثمة مجنون
ليس إلا شبيهي
يطارد ظلاً
يطاردني
من زقاق إلى زقاق
بيد فلسفية
لا تكف عن هرش
مسالك الشعر المليئة
بأفكار القمل
ضاحكا كلما رآني
ببلاهة
لا تجيد غير البكاء
فلا يتعقل شبيهي
منخرطاً
في بكاء أبله
لا يجيد غير الضحكات
......................
......................
ثمة شبيه لي
ليس إلا جنوني
يطارد ظلا
يطاردني
من زقاق إلى زقاق
بيد فلسفية
لا تكف عن هرش
مسالك الشعر المليئة
بأفكار القمل
باكيا كلما رآني
ببلاهة
لا تجيد غير الضحكات
فلا يتعقل شبيهي
منخرطا في الضحك
ببلاهة
لا تجيد غير البكاء
......................
......................
ليس ثمة سوى ترف الجنون
المتعاطف
واقفا أمام بلاهتي
بعمود ملون من البالونات
يفرقعها تباعا
ليفرغني من حمولة زائدة
للسعادة و التعاسة
كي أمضي خفيفا في الهواء


■ ■ ■

الشقيقة التاسعة

ثمة وابل قرمزي من الشقائق
ينهمر بسخاء
في سماء سنبلية خضراء
فلا تبالي السماء السنبلية الصافية
مواصلة
سرد صحوها الغضير
في الهطول القرمزي للشقائق
......................
......................
ثمة سماء سنبلية خضراء
تسترسل
في سرد صحوها الغضير
فلا تبالي الشقائق
المنهمرة بسخاء
مسترسلة
في سرد هطولها القرمزي
في غضارة صحو السماء اللامبالية
......................
......................
ليس ثمة صحو ولا مطر
ليس ثمة سوى اختبار الحقل
للسنبلة و الشقيقة للمضي معا
جنبا إلى جنب لقطع بروج القبرات
حتى آخر أفلاك النشيد


■ ■ ■

الشقيقة العاشرة

ثمة قاتل مقتول
يواصل القتل المبتذل
بدم بارد
معتذرا من قتيل ساذج
يأبى القتل إلا بالموت
مواصلا الحياة
في انبجاس الدم الفائر
بإرادة ديك مذبوح
يهب منتصبا
ممعنا في التحرش
بحزّ السكين المثلوم
......................
......................
ثمة قتيل ساذج
يأبى الموت بالقتل
مواصلا الحياة
في انبجاس الدم الفائر
بإرادة ديك مذبوح
يهب منتصبا
ممعنا في التحرش
بحزّ السكين المثلوم
ممتعضا من قاتل مقتول
يواصل القتل المبتذل
بدم بارد
......................
......................
ليس ثمة قاتل ولا قتيل
ليس ثمة سوى سذاجة السكين المثلوم
ليس ثمة سوى سذاجة الديك المذبوح


* شاعر من المغرب

المساهمون