أحمد ماطر: تحوّلات السعودية في عقدين

26 يوليو 2024
من المعرض
+ الخط -

بدأ الفنّان السعودي أحمد ماطر (1979)، منذ نحو عقدين، مقاربة مسائل حرجة تتعلّق بالتغيرات المتسارعة التي يعيشها مجتمعه، وكذلك تلك التناقضات بين النظرة إلى المقدّس والعولمة؛ وهي موضوعات يضيئها في معرضه "سجلّات"، الذي افتتح في "دار كريستيز" بلندن في السابع عشر من الشهر الجاري، ويتواصل حتى الثاني والعشرين من الشهر المقبل.

يضمّ المعرض قرابة مئة عمل تتنوّع بين الرسم والتصوير الفوتوغرافي والنحت والفيديو والتركيب، يُوضّح الفنّان السعودي من خلالها ذاك التفاعل المعقّد بين التقاليد والحداثة، والمقدّس والعلماني، والذاتي والسياسي، وغيرها من المفاهيم التي تشغل بال الأجيال الشابة في بلده.

قادماً من عالم الطب، قدّم ماطر أُولى أعماله الفوتوغرافية متأثّراً بتصوير الأشعّة السينية، ويعرض منها سلسلة "أرض البرق"، التي التقطها أثناء عاصفة ترابية ضربت المناطق الشرقية بالسعودية عام 2017، حيث كان موجوداً حينها في مدينة الدمام، وتركّز الصور على التباين بين الإضاءة التي يعكسها البرق والمشهد الطبيعي المجرّد في الصحراء.

كما يضمّ المعرض واحدة من أبرز الأعمال التي نفّذها تحت عنوان "المغناطيسية"، وتُصوّر الكعبة داخل الحرم المكّي، وتحيط بها حشود بشرية تطوف حول الحجر الأسود، حيث وضع المغناطيس في مركزه، بينما تناثرت برادة الحديد حيث يوجد الناس في مشهد الطواف الذي يحاول ماطر مقاربته مفاهيمياً، مستعيداً زيارته الأُولى لمكّة حين كان طفلاً، وروى له والده كيف تمتلك الكعبة جاذبية خاصّة تدفع المسلمين حولها.

يتناول النفط بوصفه محرّكاً سياسياً واقتصادياً وثقافياً يحكم المجتمع

من هنا وُلدت فكرة تصوير الكعبة بالمغناطيس، والتي تستند إلى محاكاة مباشرة لعلاقة المسلم بالمشعر الحرام، وذلك التوازن الذي تُشكّله العناصر الأساسية المكوّنة لمشهد الحجيج، بحسب اللوحة التي تتضمّن المربّع والدائرة، والدائرة والمكعّب، والأسود والأبيض، والضوء والظلام، ليصل ماطر إلى التعارض بين الجذب والتنافر في الوقت نفسها، عند التأمّل في المعنى الروحاني للحجّ.

فالكعبة عند الفنان هي مغناطيس جاذب وجهاز طردي مركزي في آن، حيث يتوافد الملايين إليها باندفاع وتزاحم مثير بصرياً، ويتفرّقون بالطريقة نفسها عند رحليهم عنها عائدين إلى بيوتهم، بالإضافة إلى الدخول في تفاصيل أُخرى، مثل تصوير الحدود التي تأخذ شكل المحراب الذي يشير إلى اتجاه الصلاة في المسجد الحرام، وتجمع حشود الناس كنقاط صغيرة في العمل، لكنّهم يبدون متّحدين أو متجانسين في حركتهم المشتركة.

يتناول ماطر، الذي نشأ في مدينة أبها بمنطقة عسير، جنوبي السعودية، المعروفة بارتفاعها والغابات فوق جبالها، النفط باعتباره محرّكاً سياسياً واقتصادياً وثقافياً يحكم المجتمع، لكنّه يسعى إلى تقديم فكرة مضادّة تعتمد على أنّ الإحساس بامتلاك "ثقافة نفطية" فقط يشبه الانتحار، حيث يُثبّت في أحد أعماله مضخّة بنزين في محطّة للوقود، تتمحور في أربعة أشكال أخرى، بحيث يتحرّك الأنبوب وعدّاد الوقود في الشكل الثاني، ثم الثالث، ثم الرابع، ليُصبح في الخامس إنساناً يضع إصبعه على رأسه.

المساهمون