تحتدم المعارك والاشتباكات بين فلول تنظيم "داعش" من جهة، و"قوات سورية الديمقراطية"(قسد) من جهة أخرى في آخر جيب يسيطر عليه التنظيم شمال نهر الفرات في شرق سورية، حيث أطلقت هذه القوات عملية عسكرية للقضاء على من تبقى من عناصر التنظيم في بقعة جغرافية ضيقة، ولكنها تعد مصدر قلق للتحالف الدولي الذي يسعى إلى وضع يده على شمال شرقي سورية الغني بالثروات، والذي يتمتع بموقع جغرافي استراتيجي.
كما تحتدم الاشتباكات في الوقت نفسه بين فلول التنظيم في البادية السورية وبين قوات النظام التي تتكبد خسائر كبيرة بعمليات خاطفة يقوم بها مسلحو التنظيم، وهو ما يستنزف هذه القوات التي تبدو عاجزة عن القضاء على هؤلاء المسلحين الذين تحولوا إلى "ذئاب منفردة" في منطقة مترامية الأطراف من الصعب إحكام السيطرة عليها.
ولا يزال ريف دير الزور الشرقي، شمال نهر الفرات، مسرح عمليات عسكرية محتدمة بين مسلحي تنظيم "داعش"، من جهة، و"قوات سورية الديمقراطية" التي تشكل الوحدات الكردية ثقلها الرئيسي والمدعومة من التحالف الدولي من جهة أخرى.
وأفاد "المرصد السوري لحقوق الإنسان"، اليوم الأربعاء، بأن مسلحي التنظيم نفذوا هجوماً بالقرب من حقل "التنك" النفطي أدى إلى مقتل وإصابة عدد من مسلحي قوات "سورية الديمقراطية"، مبيناً أن "الهجوم استهدف إثارة الفوضى وتشتيت القوات التي كانت بدأت الإثنين عملية عسكرية في سعي للقضاء على آخر جيب للتنظيم شمال نهر الفرات"، الذي تقع في قلبه مدينة هجين وبلدتا السوسة والشعفة، آخر المدن والبلدات التي يسيطر عليها التنظيم في سورية.
وذكرت مصادر محلية أن التنظيم يستخدم السيارات المفخخة وإشعال إطارات للسيارات، وحفرت مملوءة بالنفط، في محاولات تبدو يائسة للدفاع عن آخر معقل في شرق سورية، والذي يمتد على طول 35 كيلومترا، وعرض 10 كيلومترات، حيث يبدو التحالف الدولي جاداً هذه المرة في "تنظيف" المنطقة من مسلحي التنظيم للتفرغ لبناء قواعد عسكرية كبرى خاصة في ريف الحسكة الجنوبي المتاخم لريف دير الزور.
وأفادت مصادر إعلامية، أمس الثلاثاء، بأن التحالف الدولي بدأ منذ أيام بتشييد قاعدة دائمة له في بلدة هيمو على مداخل مدينة القامشلي الغربية، بالتزامن مع بناء قاعدة أخرى في بلدة جمعاية بالمدخل الشرقي.
وبات من الواضح أن الولايات المتحدة الأميركية قطعت أشواطاً في طريق وضع يدها على شمال غربي سورية الغني بالثروات خاصة البترول، فضلاً عن تمتعه بموقع استراتيجي.
وتدعم واشنطن "قوات سورية الديمقراطية" التي تسيطر على منطقة شرق الفرات التي تشكل نحو ربع مساحة سورية، وتعد الأهم اقتصادياً بل إن البعض يذهب للقول إن شرق الفرات هو "سورية المفيدة" والتي باتت منطقة نفوذ أميركي بلا منازع.
وحاولت قوات النظام التقدم أكثر من مرة إلى هذه المنطقة، إلا أن طيران التحالف الدولي كان لها بالمرصاد، ما يعزز الاعتقاد بأنه سيكون لها وضع خاص في أي تسوية سياسية تحدد مستقبل سورية.
وبالتزامن مع عملية "قسد"، تشن قوات النظام عمليات عسكرية ضد مسلحي التنظيم في بادية دير الزور جنوب نهر الفرات، وفي قلب البادية السورية التي تشكل نحو نصف مساحة سورية، ولا يزال يحتفظ التنظيم بمناطق سيطرة داخلها.
وتندلع الاشتباكات على محاور ممتدة في باديتي دير الزور وحمص، وصولاً إلى الحدود السورية – العراقية، الواقعة في شمال غرب قاعدة "التنف" العسكرية التي يسيطر عليها التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية.
ويبدو أن قوات النظام تواجه صعوبات جمة في معارك البادية السورية، حيث أكدت مصادر محلية، الثلاثاء، مقتل تسعة عناصر بينهم ضابطان من قوات النظام، في بادية بلدة "السخنة" بحمص، في كمين لمسلحي التنظيم الذين يعتمدون هذا الأسلوب القتالي في منطقة ترابية مترامية الأطراف.
ويحتفظ التنظيم بوجود له في قلب البادية السورية غير بعيد عن مدينة تدمر، التي سبق له السيطرة عليها مرتين. وتضم هذه المنطقة العديد من الحقول النفطية الهامة، كما أنها تقع على الطريق الدولي الذي يربط العاصمة دمشق بمدينة دير الزور كبرى مدن الشرق السوري، والتي انتزعها النظام من التنظيم.
في الغضون، لا تزال قوات النظام عاجزة عن السيطرة على منطقة تلول الصفا، في ريف السويداء الشرقي، رغم مرور أكثر من شهر على محاصرتها، حيث يتحصن عدد من مسلحي تنظيم داعش الذين ينفذون هجمات مباغتة تؤدي إلى مقتل عدد من قوات النظام.
وقتل أمس الثلاثاء حوالي 20 عنصراً تابعين للنظام، بينهم ضباط برتب عالية في هجوم شنه عناصر تنظيم "داعش" على نقاط النظام في الجيب المحاصر، الذي لم تستطع قوات النظام ومليشيات إيرانية تقاتل معها إخضاعه بسبب وعورته. ولكن وكالة "سانا"، التابعة للنظام، نقلت عن مصادر في قوات الأخير إنه أُحكم الطوق على من تبقى من مسلحي تنظيم "داعش" في منطقة تلول الصفا آخر معاقل التنظيم في عمق بادية السويداء الشرقية.
وذكرت الوكالة أن وحدات من قوات النظام "سيطرت نارياً على مناطق متقدمة في الجروف الصخرية البازلتية شديدة الوعورة المليئة بالمغاور والكهوف والجحور، وعززت انتشارها وثبتت مواقعها في مساحات جديدة على اتجاه تلول الصفا، بالتزامن مع تدمير سلاحي الجو والمدفعية في الجيش أوكار وتحصينات وتحركات للتنظيم".
ويبدو أن تنظيم "داعش" على وشك خسارة ما تبقى له من جيوب في الجغرافيا السورية، بعد أن سيطر خلال عامي 2014، و2015، على نحو نصف مساحة سورية، وهدد مدناً كبرى، بل كان له وجود قوي في جنوب العاصمة السورية دمشق، وعلى الحدود السورية الأردنية الإسرائيلية قبل أن يبدأ خلال عام 2016 بالتراجع الكبير.