بينما ينتظر مزارعو غزة موسم بيع الزيتون من كل عام لإنعاش مواردهم المالية المحدودة، لم يكن هذا المحصول بعيداً عن تداعيات الظروف الاقتصادية المتردية وشح السيولة التي تعتصر مختلف الأنشطة الاقتصادية في القطاع المحاصر من قبل الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 2006.
ويعتبر موسم الزيتون هذا العام الأسوأ منذ سنوات طويلة، في ظل تراجع الكميات التي جرى حصدها من قبل المزارعين بفعل عوامل جوية وطبيعية، بالإضافة إلى انخفاض أسعاره بشكل كبير مقارنة مع السنوات الماضية، في ظل تراجع القدرة الشرائية لسكان غزة.
وتلعب الإجراءات التي فرضها الرئيس الفلسطيني محمود عباس نهاية مارس/ آذار 2017 دوراً لافتاً في تراجع السيولة النقدية المتوفرة في أسواق غزة، والتي تقدر، بحسب الخبراء الاقتصاديين، بأكثر من 20 مليون دولار أميركي شهرياً. وتقتطع السلطة ما يصل إلى 50% من رواتب موظفيها في القطاع.
يقول التاجر سهيل موسى لـ "العربي الجديد" إن الأسواق تعيش حالياً حالة ركود غير مسبوقة مقارنة بالسنوات الماضية، مع أن الأسعار تعتبر أفضل بكثير، إلا أن شح السيولة النقدية يلعب دوراً بارزاً في غياب الإقبال.
ويوضح موسى أن سعر بيع الزيتون حالياً يتراوح ما بين 14 شيكل إلى 22 شيكل لكل ثلاثة كيلوغرامات، في حين أن متوسط الأسعار العام الماضي تجاوز ذلك الرقم، إذ كان يصل ما بين 20 إلى 28 شيكل للكمية ذاتها، (الدولار يعادل 3.63 شيكل).
ويشير التاجر الغزي إلى أن حركة السوق حالياً لا تتجاوز 50% من معدلات السوق في العاميين الماضيين اللذين شهدا أيضا انخفاضاً كبيراً في النشاط التجاري على مستوى الأسواق المحلية، وهو ما يرجع لانخفاض رواتب الموظفين واشتداد الحصار الإسرائيلي على القطاع.
ووفقاً لتقرير أصدره البنك الدولي في نهاية سبتمبر/ أيلول الماضي، فإن الواقع في غزة دخل في مرحلة الانهيار الاقتصادي، فيما تتعرض الخدمات الأساسية المقدمة للسكان إلى الخطر في ظل شح السيولة، بالإضافة إلى أن فرداً واحداً من أصل اثنين في القطاع يعاني من الفقر.
وأشار البنك الدولي إلى أن معدل البطالة بين السكان، الذين يغلب عليهم الشباب، وصل إلى أكثر من 70%، لافتا إلى أن معدل النمو بلغ بالسالب 6% في الربع الأول من العام الجاري 2018، والمؤشرات تنبئ بمزيد من التدهور منذ ذلك الحين.
يقول التاجر ماهر يوسف لـ "العربي الجديد" إن من يقومون بالشراء يكتفون بكميات محدودة، مقارنة مع ما كان يحصلون عليه في السنوات السابقة، رغم أن الأسعار هذا العام أقل كثيرا وكنا نراها مشجعة على الشراء.
ويعتبر يوسف أن هذا الموسم هو الأسوأ منذ عشر سنوات في ظل ما يعيشه السكان من تردٍ في الأحوال الاقتصادية والمعيشية وضعف القدرة الشرائية نتيجة لتقليص الرواتب.
وبحسب بيانات حديثة صادرة عن اللجنة الشعبية لكسر حصار غزة (منظمة غير حكومية) فإن متوسط دخل الفرد في القطاع انخفض من ثلاثة دولارات يومياً إلى دولارين فقط في الوقت الذي تعتمد فيه 80% من العوائل الغزية على المساعدات الإغاثية.
يقول المدير العام للتسويق في وزارة الزراعة تحسين السقا، إن الموسم الحالي شهد حصاد ما نسبته 17 ألفاً و200 طن من الزيتون، في الوقت الذي كان فيه العام السابق 18 ألف طن، وفي العام الذي سبقه وصلت الكميات لأكثر من 28 ألف طن.
ويرجع السقا في حديثه لـ "العربي الجديد" أسباب تراجع الكميات التي جرى تحصيلها هذا العام إلى لظروف زراعية وطبيعية يتعرض لها الزيتون.
وعن انخفاض الأسعار، بالرغم من قلة الكميات الموجودة، ينبه السقا إلى أن ذلك مرتبط بتراجع القدرة الشرائية للمواطنين وعدم الإقبال على التخزين بكميات كبيرة كما كان في السنوات السابقة.
ويشير إلى أن الكميات المحصلة لهذا العام سيجرى توزيعها ما بين 4 آلاف طن للتخليل وستذهب باقي الكميات من أجل عصرها لتوفير زيت الزيتون الذي سينتج عنه 2300 طن وسيبقى هناك عجز بقيمة 40%، لافتا إلى أن الجهات الحكومية في القطاع تسمح بدخول الزيتون والزيت من الضفة الغربية طوال العام من أجل سد حالة العجز القائمة.
كانت منظمة "مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية" (أونكتاد)، قد ذكرت في تقرير لها في سبتمبر/أيلول الماضي، إن القيود الواسعة المفروضة على حركة السكان والسلع، وعمليات مصادرة الأراضي والموارد الطبيعية من قبل الاحتلال، وتسارع بناء المستوطنات الإسرائيلية تشكل جميعها عوامل تضر بالاقتصاد الفلسطيني.
وقالت الأونكتاد إن إزالة القيود المفروضة على غزة أمر مهم بشكل خاص، محذرة من أن القطاع "قد تحول إلى حالة إنسانية من المعاناة الشديدة والاعتماد على المساعدات".
ويعتمد سكان غزة البالغ عددهم 1.8 مليون نسمة على معدل دخل حقيقي لكل شخص يقل بنسبة 30% عما كان عليه في عام 2000. وأشار تقرير أونكتاد إلى أن رفع الحصار سيؤدي الى رفع النمو الاقتصادي في القطاع بمقدار الثلث.