ورغم أن عنوان القمة الأوروبية كان في الأساس بحث سبل مواجهة خطر الهجرة، وإيجاد حلول لوقف تدفق المهاجرين إلى أوروبا، إلا أن قادة الدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد تباحثوا، وإن بصوت خافت، التحديات التي يواجهها العالم مع عهد ترامب المثير للجدل والقلق، على حد تعبير رئيس المجلس الأوروبي، دونالد توسك، والذي اعتبر أن "ترامب، إلى جانب روسيا والصين والتطرف الإسلامي والشعبوية في الداخل الأوروبي، عناصر تشكل أكبر تهديدات للتكتل خلال 60 عاماً من تأسيسه". وكان ترامب قد اعتبر انتخابه، على رأس أكبر دول العالم، ببرنامج انتخابي شعبوي قائم على شعارات "صوت الشعب" من أجل التغيير، و"مناهضة المُؤسسة" ورفض العولمة، والدعوة الى الانعزالية بالجدران والخطاب العنصري ضد المهاجرين، امتداداً طبيعياً لانتفاضة "بريكسيت" البريطانية، وخطوة على طريق ثورات اجتماعية مماثلة تجتاح الليبراليات الغربية، وهو ما يثير مخاوف القادة الأوروبيين.
وقد أحرجت مواقف ترامب، منذ تنصيبه، القادة الأوروبيين الذين انقسموا بين مُؤيد لانتهاج موقف حازم يمنع واشنطن من التدخل في الشؤون الأوروبية، كما قال الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، وبين من يدعو إلى الحفاظ على العلاقة عبر الأطلسي، كما أكد توسك، والذي قال إن الحفاظ على العلاقة مع الولايات المتحدة يبقى "على رأس الأولويات السياسية" للاتحاد الأوروبي. أما المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، فاختارت الإمساك بالعصا من النصف، إذ دعت "أوروبا إلى التحكم بمصيرها، وتحديد دورها في العالم، ما يمكنها من إدارة علاقاتها بشكل أفضل مع الولايات المتحدة". ووسط أجواء القلق الأوروبية، حلت رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، على القمة الأوروبية، في محاولة لطمأنة قادة أوروبا أن بريطانيا، والتي قررت مغادرة الاتحاد الأوروبي، "لن تخرج من أوروبا"، وأن لا مبررات للقلق من عهد ترامب الذي أكد لها أنه "مؤيد لحلف شمال الأطلسي بنسبة 100 في المائة". ويخشى القادة الأوروبيون أن تقوض سياسات ترامب جوهر حلف شمال الأطلسي، القائم على أساس أن أي هجوم على عضو واحد هو هجوم على الجميع. فمن وجهة نظر الرئيس الأميركي فإن الولايات المتحدة تتحمل العبء الأكبر من نفقات الحلف، وهو أمر مرهق للاقتصاد الأميركي، وأن على الدول الأوروبية أن ترفع نصيبها لتحمل هذه الأعباء. وتتعاظم مخاوف الأعضاء الأوروبيين في الحلف، بسبب تزامن فوز ترامب مع تزايد التدخل الروسي في دول البلطيق.
وبينما يطالب ترامب برفع نصيب أوروبا في أعباء "الأطلسي"، ترد أوروبا بأن رفع نصيبها في الإنفاق على الحلف يستدعي رفع نسبة نمو إجمالي الناتج المحلي بنحو 2 في المائة، وهو هدف يقر غالبية الاقتصاديين أن أوروبا عاجزة عن تحقيقه. ويرى المراقبون أن الضغط الأميركي على دول أوروبا لتحمل المزيد من ميزانية "الأطلسي"، قد يدفع أوروبا نحو إحياء فكرة تشكيل القوة الدفاعية الأوروبية، وهو ما تجلى في تحذير هولاند، خلال قمة مالطا، "من الاكتفاء بالاعتماد على حلف شمال الأطلسي بقيادة الولايات المتحدة". وبينما تعارض بريطانيا فكرة تأسيس "القوة الدفاعية الأوروبية" حتى بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، لأن ذلك سيُضعف "حلف شمال الأطلسي ركيزة الدفاع في أوروبا"، كما يقول وزير الدفاع البريطاني، مايكل فالون، ترى ألمانيا أن "مصير أوروبا يجب أن يكون بين يديها"، كما قالت ميركل خلال قمة مالطا.