شباب تطاوين في تونس.. "ثورة البترول" تلوح في الأفق

24 مايو 2017
(في مدينة تطاوين، تصوير: فتحي ناصري)
+ الخط -

تتصاعد وتيرة الأحداث في محافظة تطاوين الواقعة في الجنوب التونسي، لتصل منذ ساعات قليلة ماضية، إلى حدّ وفاة محتجّين اثنين في ميعة شبابهما، ما جعل الأوضاع هناك تشتعل، وسط تأويلات تحيل على أنّ ثورة جديدة تلوح في الأفق، لكنّ أصواتًا تضادّها تقول إنّ الوضع لم يصل بعد إلى ذلك المستوى.

سبعة وعشرون يومًا مرّوا على دخول شباب تطاوين في اعتصام سلمّي، سمّي باعتصام "الكامور"، والكامور هي منطقة تحوي محطّة لضخّ النفط تعتبر من أهمّ الموارد الطاقية في تونس، وتتبع ترابيّاً محافظة تطاوين التي تعاني كغيرها من محافظات الدّاخل التونسي وجنوبه من آفة التهميش وانسداد الآفاق والبطالة التي تجتاح خاصّة شريحة الشّباب هناك، ما دفع بمعتصمي "الكامور" إلى المطالبة بتخصيص 20% من عائدات هذه البئر في تنمية جهتهم وخلق ما بين 1500 و2000 منصب شغل فوريّ فيها، باعتبار أنّها تعود –حسب تعبيرهم- بالخير العميم على صندوق الدّولة لما تحويه من ثروات.

"اعتصام الكامور" جاء كخطوة تصعيد ثانية، سبقتها موجة من الاحتجاجات السلمية المتوارية، التي تخرج يوميّاً في تطاوين المدينة مطالبة بالعدالة الاجتماعية والتوزيع المتكافئ لعائدات البلاد الطاقوية، وتحصر منها عائدات منطقة الكامور الغنيّة بالنفط.

موقع "جيل"، التقى بالشاب ضوّ الغول منسّق "اعتصام الكامور" الذي أكّد رفض المعتصمين بعد اجتماعهم الذي عقدوه في الفترة الأخيرة، لمقترحات وزير التكوين المهني والتشغيل عماد الحمامي، والتي تمثّلت في انتداب 150 عاملًا على الفور بالشركات البترولية، و350 بعد شهر، والترفيع في اعتمادات برنامج المسؤولية المجتمعية إلى 30 مليون دينار، ويضيف:

"إننا متشبّثون بمطالبنا الأصلية وهي تشغيل فرد من كل عائلة من محافظة تطاوين، وفتح إدارات للشركات البترولية في جهتنا، وبعث صندوق للاستثمار تموّله هذه الشركات، ونحن مستعدّون لمزيد الحوار والتفاوض مع الحكومة إذا كانت هي تريد ذلك، نحن نعاني من "الحقرة" (الاحتقار) من الأنظمة اللاوطنية التي تراودت على حكم بلادنا وسياسة جهتنا خاصّة طيلة الستين سنة التي مضت".

الشاب ضوّ الغول، كان يتكلّم بلكنة تقريريّة واثقاً حسب قوله من أنّ الحكومة الحاليّة سوف تستجيب في النهاية لمطالبهم وسترضخ لها باعتبارها مطالب مشروعة ووطنية بالأساس وليست جهوية فقط، حيث أنّ الاعتصام يسعى إلى فك لغز الثروات النفطية المهدورة، وكشف عائداتها أمام كلّ مواطني البلاد استجابة لحملة انطلقت في تونس منذ أكثر من سنة وسمّيت بـ"وينو البترول" وفق توصيفه، ويشير:

"مئات من شباب تطاوين سوف يواصلون الاعتصام بمنطقة الكامور الصحراوية سلميّاً، للمطالبة بحق الجهة في الثروات البترولية، كما أنّنا نحاول تقديم صورة ناصعة عن تجمّعنا هذا من خلال القيام بحملات نظافة وحملات تحسيس لمنع انتشار الأوبئة مع حصولنا على كمّية هامة من الأدوية في شكل تبرعات من الأهالي ومن الصيدليات الخاصة، وهذه آية على دعم كلّ أهالي منطقتنا لنا وإضفاء للكثير من المشروعيّة على اعتصامنا الذي نؤكّد دائمًا وأبدًا على سلميته كما نؤكّد على أننا نتبرأ من أيّ فرد يقوم بأعمال شغب أو حرق أو تشويش على أمن المنطقة ونعتبر منذ الآن أنّه لا يمثّل إلا نفسه".

تصريح منسّق الاعتصام الشاب ضوّ الغول لـ"جيل"، سبق بأيام قليلة خطاب رئيس الجمهوريّة الباجي قائد السبسي الذي اتخذ خلاله جملة من القرارات؛ أهمّها الاتفاق مع مجلس الأمن القومي التونسي على أن يحمل الجيش على عاتقه مهمّة حماية المنشآت الطاقوية في كامل البلاد، مقابل انسحاب قوّات الحرس منها، أيّ أن تصير هذه المنشآت طوع بنان وزارة الدفاع، بدلًا من وزارة الداخليّة.

قرار أشعل فتيل الغضب في أواسط الشباب المعتصمين، ما سوّغ للبعض منهم الدخول في مناوشات مع قوّات الجيش التي جاءت لتتمركز حول مضخّة الكامور، كما بدأت تتفاوض مع المعتصمين السلميين لإخلاء المكان قبل استعمال القوّة.

وأكّد ضوّ في اتصال هاتفي لـ"جيل" -بعد خطاب الرئيس- أنّ المجموعة المعتصمة التي يمثّلها بدأت ترتاب من هذا القرار، واعتبرته أمرًا يدبّر ضدّها خاصّة وأنّ العميد مختار بن نصر (الناطق باسم الجيش التونسي) قال حرفيّاً بعد خطاب الرّئيس إنّ "أيّ شخص سيقترب من مناطق الإنتاج سوف يعتبره الجيش عدوّاً ويستعمل ضدّه السّلاح"، وقد كان هذا التصريح هو الذي غيّر رياح الاعتصام نحو التصعيد واستجلب عشرات من الشباب الآخرين للمشاركة فيه من وسط مدينة تطاوين إلى منطقة الكامور، عبر قطعهم لما يناهز الـ120 كيلومترًا.

ومع مزيد تأزّم الوضع بين الأمن والشباب المعتصمين، دخلت كامل المحافظة في إضراب عامّ مفتوح منذ يومين شاركت فيه كلّ الشرائح العمريّة، تخللته احتجاجات ومواجهات بين الأمن والمحتجّين، ما دعا الناطق باسم وزارة الداخلية ونظيره بوزارة الدفاع إلى عقد ندوة صحافيّة بالعاصمة تونس عدّدا فيها أرقام ضحاياهما وأسماءهم من الأمنيين المصابين.

ندوة أثارت استنكار المحتجين وإنكارهم لما حملته من "أراجيف" حسب توصيفهم، وقد ردّ عليها الشاب الصغيّر شامخ (أبرز المشاركين في احتجاجات الكامور) عبر تدوينة على حسابه الفيسبوكي جاء فيها:

"باختصار شديد كذب ومغالطات بالجملة، تحدّثوا عن عمليات نهب والحال أن المحتجّين عثروا على مسدّس في مقر إقليم الحرس بعد انسحاب الأمنيين فسلّموه إلى الجيش، تحدّثوا عن تعرّض نحو عشرين أمنيّاً لإصابات (بين أمن وحرس) ولم يتحدّثوا عن أكثر من 150 مصابًا من المحتجّين بينهم من أصيب في بيته بسبب الهمجيّة الأمنيّة، قالوا إن الوحدات الأمنية استعملت الغاز المسيّل للدموع فقط؛ والحال أن عددًا كبيرًا من المصابين بالرشّ يلازمون المستشفى إلى الآن، قالوا إن عون ديوانة تعرّض لاعتداء من قبل المحتجّين؛ والحال أن قوّات الأمن والحرس منعت أمام أنظار الجميع أفراد الحماية المدنيّة من إسعاف مصابين في صفوف المحتجّين، تحدّثوا عن اعتداءات على مقرّات أمنيّة في حين أن الأعوان الذين تمّ جلبهم من خارج ولاية تطاوين تحصّنوا بهذه المقرّات أثناء رميهم للمحتجّين بقنابل الغاز، ورفضوا تولّي الجيش حماية المنشآت فتم اقتحامها من طرف المحتجّين لإجبارهم على إيقاف قنابل الغاز، زد على ذلك أنّ المحتجّين لو كانوا يريدون "النهب" و"الحرق" فلماذا لم يفعلوهما منذ البداية واتّجهوا نحو صحراء الكامور منذ أسابيع؟".

اعتصام الكامور مع ما تخلّلته من احتجاجات قسَّمَ "النخبة التونسيّة" إلى فسطاطين، فسطاط مساندةٍ وتأييد، وفسطاط شجبٍ وتفنيد، أمّا الفسطاط الثاني وهو الأهمّ فقد تمثّل في تصريح سفيان بالنّصر، القيادي في حزب "نداء تونس" الحاكم عبر إحدى الإذاعات، الذي اعتبر فيه "البوليس" مسؤولًا على أمن البلاد، ودعاه إلى الغلظة في تطبيق القانون ضدّ "الزّمر المنفلتة"، كما تمثّل أيضًا في دعوة الأستاذة بمعهد الصحافة سلوى الشرفي، الرئيسَ الأسبق المنصف المرزوقي، إلى الكفّ عمّا وصفته بتأجيج الأوضاع في تطاوين متّهمة إياه بتحريض من أسمتهم "فراخ" حركة النهضة ضدّ أمن البلاد.

المساهمون