بعد مضي نحو أربع وعشرين ساعة على إسقاط تركيا طائرة روسية من طراز سوخوي 24 في جبال التركمان، بريف اللاذقية الشمالي، أعلنت روسيا أن أحد الطيارين الروسيين اللذين هبطا من الطائرة، قد وصل إلى قاعدة جوية روسية على الساحل السوري، في حين قُتل الطيار الآخر.
ويطرح وصول الطيار الروسي إلى قاعدة حيميم العسكرية مجموعة من السيناريوهات، خصوصاً أن الطيارين هبطا من طائرة واحدة، وبحسب مشاهد الفيديو، التي بثت على مواقع التواصل، وأكدها ناشطون، فإنّ الطيارين لم يكونا متباعدين عن بعضهما البعض.
بدأت القصة عندما كانت الطائرة الروسية تحوم في جبل الزاهية، التابع لجبل التركمان، على خلفية هجوم واسع شنّته قوات المعارضة السورية، لاستعادة السيطرة على الجبل الاستراتيجي بعد خسارته قبل ثلاثة أيام، اذ يبلغ ارتفاع الجبل 1145 متراً، وبسبب قربه مسافة 5 كيلو مترات من الحدود التركية، فإنّ الطائرة عمدت إلى التحليق بادئ الأمر، ثم الالتفاف تمهيداً للقصف.
وعلى الرغم من أنه لا يمكن الجزم إن كانت الطائرة قد سقطت داخل سورية أم خارجها، بسبب طبيعة التداخل الجغرافي المعقدّ في هذه المنطقة، لوجود سهل منبسط داخل الأراضي التركية، واقع بين تلتين جبليتين تابعتين لسورية. وفي ظل روايتين حكوميتين الأولى تركية تقول إن الطائرة أسقطت داخل الحدود التركية، والثانية روسية، تقول إن الطائرة لم تدخل أصلاً الحدود التركية، إلا أن الأكيد هو اختراق الطائرة الروسية للحدود التركية، وبعد التفافها تمهيداً للقصف في جبل الزاهية القريب، كانت الطائرة قد تلقت عدداً من الإنذارات، قبل أن تسقطها المقاتلات التركية بصاروخ من طراز إف 16.
اقرأ أيضاً: تركيا تنفذ تهديداتها... والمعارضة السورية تتقدم بجبل التركمان
سقطت الطائرة الروسية في قرية عطيرة شمالي جبل زاهية، وهي قرية صغيرة، سيطرت عليها قوات المعارضة بعد إسقاط الطائرة، في حين هبط أحد الطيارين اللذين كانا قريبين من بعضهما بمسافة لا تزيد عن كيلو متر واحد بحسب تقديرات عدد من المصادر، التي تواصلت معها "العربي الجديد" في محيط قرية عطيرة.
نجحت مراصد الجيش السوري الحر في تحديد موقع أحد الطيارين، وبحسب "اللواء العاشر" فإنه "تمت ملاحظة الروس بمظلاتهم في الأجواء دون الجزم إن كانوا على قيد الحياة أم قتلوا جراء الانفجار الضخم للطائرة، وتأخرهم في الخروج منها قبيل تحطمها". وبيّن أن "الثوار رصدوا أماكن الهبوط، حيث تمكنوا من تحديد موقع هبوط أحد الطيارين وتم العثور عليه، وكان جثة هامدة، سلمت لغرفة العمليات العسكرية في جبل التركمان، أما الطيار الثاني، فجرت محاولات بحث حثيثة دون نتيجة".
وانطلق مقاتلو المعارضة في البحث في الغابات المحيطة بقرية عطيرة عن الطيار الآخر، وفي هذه الأثناء تواردت الأنباء عن إسقاط طائرة مروحية روسية كانت رابضة على الأرض في قرية كفرية التابعة لجبل الأكراد، بعد استهدافها بصاروخ من طراز "تاو" المضاد للدبابات، بحسب ما أفادت مصادر في الفرقة الساحلية الأولى لـ"العربي الجديد".
وتقع قرية كفرية قرب طريق اللاذقية حلب، وتفصلها عن جبال التركمان عدة مواقع وتلال أهمها بلدة ربيعة. ورغم الأنباء العديدة التي تحدثت عن أن الطائرة التي سقطت في جبل الأكراد، كانت تحمل 12 جندياً روسياً في مهمة لإنقاذ الطيارين الروس، قبل أن تضطر للهبوط بالقرب من سد برادون وينسحب الروس بعد استهداف الطائرة بالصاروخ الحراري، فإنه من المستبعد لجوء الطيار إلى هذه المنطقة، لأن ذلك يتطلب قطعه لنحو خمسة وثلاثين كيلو متراً منفرداً، في مناطق وتلال قريبة من قوات المعارضة، منها بلدة ربيعة والبيضاء وعالية.
ويمكن الاستدلال على ذلك أيضاً، من حديث مصدر عسكري نقلته صحيفة "تشرين" الموالية للنظام أن "إنقاذ أحد طياري الطائرة الروسية ، التي أسقطت بنيران الإرهاب التركي بعملية نوعية مشتركة روسية سورية، اخترقت خلالها مناطق تواجد الإرهابيين بعمق 4.5 كلم".
في ضوء ذلك، فإن السيناريو الأقرب لهروب الطيّار الروسي هو باتجاه مدينة كسب أو قمة جبل الـ 45 أو حتى غابات الفرلق، وهذه المناطق المذكورة لا تبعد سوى كيلو مترات قليلة وتخضع لسيطرة قوات النظام، وهو ما ذكره المصدر العسكري للنظام آنفاً. في حين رجحت مصادر لـ"العربي الجديد" أن "الطيار الروسي الذي تسلل في الغابات، مضى بناء على إحداثيات من قوات النظام، ليتوجه إلى أقرب نقطة تسيطر عليها"، مشيرةً إلى أنه "من المرجح أن الطيار قد تخفى في مكان محدد حتى الليل، ليضمن عدم تتبع مقاتلي المعارضة له، ومن ثم انطلق إلى أقرب نقطة وُجّه إليها".
اقرأ أيضاً "المنطقة الآمنة" أول الفائزين: تسريع وتوسيع جغرافي ووظيفي