سياسة ترامب الخارجية: العودة إلى الاستبلشمنت

15 ابريل 2017
قريباً ويُبعد ترامب بانون (جو ريدلي/Getty)
+ الخط -
أثارت الانقلابات الدراماتيكية السريعة في السياسة الخارجية لإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، تساؤلات حول التطورات التي تسببت في هذا التحول الحاد في خطابه. وتساءل مراقبون حول ماهية الأسباب التي فرضت هذا التغيير الجذري والاستراتيجي المفاجئ في نظرة إدارة ترامب إلى العلاقة مع روسيا، أم أن تغييراً ما طرأ على المعادلة السياسية الداخلية في واشنطن، مع تطور ملف تحقيقات وكالات الأمن والاستخبارات الأميركية في التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وفي الشبهات التي أُثيرت حول طبيعة الاتصالات والاجتماعات التي عقدها مساعدون ومستشارون في حملة ترامب الانتخابية مع مسؤولين روس قبل الانتخابات وبعدها.

في هذا السياق، إن ما عزّز وجهة النظر التي تغلب الاعتبارات الداخلية في قراءة الانقلاب في السياسة الخارجية الأميركية، هو ما شهده البيت الأبيض من صراع خفي وعلني على النفوذ بين مستشار ترامب للشؤون الاستراتيجية ستيفن بانون، وبين رمز اليمين الأميركي المتطرف، جاريد كوشنير كبير مستشاري الرئيس وصهره.

وقد بات من شبه المؤكد أن ترامب يعتزم إقالة بانون من منصبه، بعد تحجيم دوره واستبعاده عن مجلس الأمن القومي، الذي اتخذ قرارات عسكرية في الميدان السوري، غيّرت قواعد اللعبة مع الروس وأعادت الأهمية للدور العسكري الأميركي في سورية. مع العلم أن بانون من أبرز المعارضين للتدخل العسكري الأميركي، انسجاماً مع ايديولوجيته الوطنية الأميركية الانعزالية، التي تمخّض عنها شعار حملة ترامب "أميركا أولاً". كما أن بانون عمل على مراعاة العلاقة مع روسيا ودورها في سورية، في انسجام مع رؤيته الوردية لمستقبل العلاقات الأميركية ـ الروسية والحلف بين اليمين الأميركي المسيحي المحافظ والمسيحية الروسية الأرثوذوكسية.

وبانون صاحب نظرية العداء بين الولايات المتحدة والصين، إذ اتهم بكين بالتلاعب بقيمة عملتها الوطنية، والتسبب بخسائر كبيرة لواشنطن، بشكل أخلّ معه بالميزان التجاري بين البلدين وعزّز الغزو التجاري الصيني للولايات المتحدة. بهذا المعنى انسجم استبعاد بانون عن مركز القرار في البيت الأبيض مع التقارب المفاجئ في العلاقات مع الصين، تحديداً إثر استضافة ترامب نظيره الصيني شين جين بينغ ليومين في فلوريدا.



الأرجح أن نفوذ بانون وتأثيره على قرارات البيت الأبيض بدأ مع استقالة المستشار السابق للأمن القومي، مايكل فلين، الذي أُجبر على ترك منصبه بعد الكشف عن اتصالاته بالسفير الروسي في واشنطن سيرغي كسيلاك، واعترافه بأنه ضلّل نائب الرئيس مايك بينس، وكذب بشأن مسألة مناقشته العقوبات الأميركية على موسكو مع السفير الروسي في ديسمبر/كانون الأول الماضي، أي قبل تسلّم منصبه رسمياً.

وكرت السبحة، وتمّ الكشف عن لائحة أخرى بأسماء مساعدين ومستشارين في فريق ترامب الانتخابي، ممن اجتمعوا بالسفير الروسي، وبين هؤلاء وردت أسماء روبرت مانفرت المدير السابق للحملة وبانون المدير الذي حل مكانه. كما كشفت صحيفة "واشنطن بوست" أن "مكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي أي) يشتبه بتورط كارتر كايج المستشار السابق لترامب بالقيام بأعمال تجسس لصالح الروس، في إطار محاولات موسكو التدخل في الانتخابات الرئاسية الأميركية لصالح المرشح الجمهوري".

كما ذهب البعض إلى حدّ اعتبار أن "إدارة ترامب اختارت تصعيد اللهجة مع موسكو، بهدف التغطية على ما تكشفه التحقيقات حول اجتماعات سرية عقدها قريبون من ترامب مع مسؤولين روس، من أجل تنسيق المواقف وتأمين قنوات اتصال سرية بين الكرملين والحملة الانتخابية".

بدورهم، رأى آخرون أن "معركة الصراع على النفوذ داخل فريق ترامب وترابطها مع ملف التحقيقات الروسية وملاحقة المشتبه باجرائهم اتصالات بالمسؤولين، ولدت معادلة جديدة لمراكز القوة دخال الإدارة الأميركية، تميل فيها الدفة لصالح الجمهوريين والمؤسسة الحزبية التقليدية، التي تعتبر جزءاً مما يُعرف بالاستبلشمنت".

ومن المؤشرات على ذلك استبعاد بانون، وكذلك الحضور القوي للأغلبية الجمهورية في الكونغرس ودورها في تشجيع البيت الأبيض والترحيب بقرار توجيه الضربة العسكرية في سورية. ولعلّ المثال الأبلغ على انتصار الاستبلشمنت في المعركة داخل الإدارة، هو تبني ترامب الكامل للخطاب الجمهوري التقليدي في السياسة الخارجية، تحديداً في رؤيته للعلاقة العدائية التقليدية مع روسيا.

كما ذكر القرار المفاجئ لإدارة ترامب بتوجيه الضربة العسكرية الأميركية على مطار الشعيرات في سورية، بعرف شبه راسخ في الثقافة السياسية الأميركية، يستعيد نزعة الجمهوريين التاريخية لشن حروب خارجية والاستعانة بالقوة العسكرية لاستعادة الزعامة الأميركية للعالم.