سياسة "الوفاق" الليبية الخارجية .. النقيض وضده

06 فبراير 2020
+ الخط -
السياسة الخارجية لأي دولة من أهم أدوات الدفاع عنها، خصوصا عندما تمرُّ بتغيرات داخلية مهمة، وحساسة، وتكون جزءا من تَشَكُّل البناء الداخلي للدولة، والتي تؤثر على توجهاتها الخارجية أو حتى الإقليمية الدولية، لتنعكس المحصلة على الشكل السياسي الخارجي للدولة في تحديد توجهاتها السياسية والاقتصادية، وحتى الاجتماعية. ومن هذا المنطلق، يكشف تناول التوجهات السياسية الخارجية للدولة الليبية، متمثلة في حكومة الوفاق الوطني وتوجهاتها في هذا الشأن، أن هذه الحكومة، بداية من تَكَوّنها وصولاً إلى الأزمة الحادة في البلاد، حاولت أن تجمع بين النقيض وضده؛ فقد عملت على أن تكون حكومة "وفاق" بالمعنى الحقيقي من الناحية الداخلية للدولة، وما يترتب عليها من الناحية الخارجية، غير أنها لم تستطع السير في هذا التوجه، وإن حاولت في ذلك مراراً وتكراراً. وبالنظر المتجرد، أيضاً، هذا التوجه لا يستقيم، لعدة أسباب، لعلّ أبرزها اختلاف فكرة قيام الدولة، بين الطرفيْن المتصارعيْن. وبذلك يمكن القول إن الجمع بينهما كالجمع بين النقيض وضده، وهذا مما لا يستقيم. 
وعلى أثر اشتداد الصراع والأزمة، تغيرت السياسة الخارجية لحكومة الوفاق، وبدأت تنهج نهجاً واضحاً في هذا الشأن، تفرضه المرحلة والأزمة، وبدا ذلك جلياً في مواقفها، ابتداءً بالاصطفاف مع الداعمين لها دولياً وإقليمياً، وليس انتهاءً بالتخلى عن كل من يقوم بالعمل ضدها خارجياً وسياسياً، فعملت على إنشاء تحالفٍ داعمٍ لها إقليمياً ودولياً. وهذا من الناحية النظرية، بل وحتى العملية، يعتبر توجها مستقيماً؛ إذ إن التوجه إلى ما يسمى "التحالف" في السياسات الخارجية لدولةٍ ما يؤخذ عادة من مبدأ الدفاع والحماية في أحيانٍ كثيرة، خصوصا عندما لا تستطيع الدولة الدفاع عن مصالحها الداخلية أو الخارجية، أو حتى عندما يتعذّر تحقيق أهدافها بفعل المؤثرات الداخلية المبنية على نهج سلبي للتدخل الخارجي. وذلك كله يجعل "التحالف" ضروريا للدولة المدافعة عن حقها وسياستها في الاعتماد على غيرها من الدول التي تشاركها الأهداف والمصالح نفسها، وذلك كله عن طريق إقامة اتفاقيات وتحالفات مشتركة بينها وبين الدول المتحالفة معها في شتى المجالات، اقتصادية وعسكرية، ولا مبالغة في القول فكرية أيضا.
ومن هذا المنطلق، جاءت الاتفاقية الليبية ــ التركية، بشقيها الاقتصادي والعسكري، حيث لجأت 
حكومة الوفاق الوطني إلى هذا المبدأ في إطار التحالف المرتبط بالاحتياجات والمصالح، أولاً. وأداة لردع الدول التي تثير المشكلات والتدخلات الخارجية التي تدعمها وتساندها في الداخل ثانياً. وذلك كله من أجل تعزيز المواجهة في القضايا العسكرية والاقتصادية بالنسبة للدولة الليبية، والدولة الموقع معها على الاتفاقية التي تجمعهما أهداف ومصالح مشتركة، وهذا ما تفعله دول كثيرة في عدة ظروف وأزمان، والأمثلة كثيرة متعدّدة على مستوى الدول في القريب والبعيد.
وبالتوازي مع ذلك، عملت حكومة الوفاق على مبدأ "المعاملة بالمثل" في سياستها الخارجية مع دول كثيرة مُتدخلة سلباً في الشأن الليبي، غير أن هذا المبدأ اعترته سلبيات كثيرة، بل وحتى الضعف في أحيان كثيرة، حيث نراها، مثلاً، تذكر الدول الداعمة لعسكرة الدولة صراحة تارّة، وتكتفي بالإدانة تارة أخرى، من دون الولوج إلى حيثيات العمل السياسي الملزم لذلك، وهذا خلل يحتاج إلى تصحيح، باتخاذ الإجراءات المناسبة لذلك سياسياً ودبلوماسياً، بالتوجه إلى إعلان "الأزمة الحادة" ضد تلك الدول المتدخلة سلباً في الشأن الليبي، والمعتمد دبلوماسياً على تخفيض التمثيل الدبلوماسي، أو تعليق العلاقات أو حتى تجميدها، لتصل الأزمة في طورها المتقدم إلى قطع العلاقات على سبيل الاستفزاز.
وتحتاج السياسة الخارجية لحكومة الوفاق إلى تفعيل الدور المغاربي إيجاباً في حل الأزمة الليبية، كون الدور المغاربي عنصرا فعالا بالنسبة لليبيا وموقعها الجغرافي المرتبطة به أغلب تلك الدول من جهة، وكونها عنصراً مانعاً لعدة دول متدخلة سلباً في الأزمة الليبية من جهة أخرى.
ومن ذلك كله، يتبين أن السياسة الخارجية لحكومة الوفاق في الأزمة الليبية تحتاج إلى مزيد من التقويم، وكذلك البناء الفعال في هذا الشأن، لتنتقل من مستوى التعبير إلى مستوى الفعل الحقيقى الذي تُبنى عليه سياسات خارجية، يمكن من خلالها صد الدول المتدخلة سلباً في البلاد، وأن تلعب دوراً محورياً من الناحيتين، الدولية والداخلية، بالنسبة لليبيا في حل الأزمة.