07 نوفمبر 2024
سورية والنفوذان الإسرائيلي والإيراني
كان لبنان ملعباً للصراع بين إسرائيل وسورية، ولاحقاً حلّت إيران مكان سورية. شكّل ضعف النظام السوري سبباً لتصبح سورية مكان الصراع بين إسرائيل وإيران. أصبح لبنان بالنسبة إلى إيران "دولة" تابعة، وتحالف ميشال عون وحسن نصر الله سَهّلَ هذا الأمر. لم ينته الأمر في سورية بعد، وحجم التدخل الإقليمي والدولي ومساحة سورية الكبيرة وغياب كتلة "طائفية شيعية" يمنع ذلك حتى لحظته. محاولات إيران إيجاد "حزب طائفي كحال لبنان واليمن والعراق" لم تثمر، لانعدام الممكنات إذاً.
أبعدت الاتفاقية الدولية بعد حرب 2006 على لبنان حزب الله عن حدود "إسرائيل"، لكن غياب التوافقات بين أميركا وروسيا على إبعاد مليشيات إيران عن جنوب سورية وغربها كان سبباً للتأزم الإسرائيلي الإيراني. لم تأخذ الدول العظمى بعد بالاعتبار التّخوّفات الإسرائيلية. تحتج إسرائيل ذاتها، ومنذ سبع سنوات، لدى روسيا، ومع أميركا، من هذا الوجود، عدا أن إيران حاولت مراراً الاقتراب من الجولان، وتشكيل مجموعات متخصّصة "لإزعاج" إسرائيل، وفرض نفوذ ثابت لها في سورية معترف به. وإذا كانت التحركات الإسرائيلية تُلحظ من خلال العمليات الجوية، فإن كثافة المواقع العسكرية الإيرانية في سورية توضح خطورة التدخل الإيراني. إذاً هناك حرب باردة بين الدولتين، وتجري على الأراضي السورية.
ما يسمح بالوجود الإقليمي في سورية غياب التوافق الأميركي الروسي على شكل النفوذ في
سورية، ووجود مصالح متناقضة بينهما. من وجهة نظر الثورة والوطنية السورية، كلّ تدخل على الأرض السورية هو ضدّ مصالح الشعب. وحقيقة الأمر كذلك، فالبلد الذي يُدمر ويُقتل شعبه ويُهجر، ويتراجع دور "النظام والمعارضة" في تقرير مستقبله، هو سورية.
يستند مشروع إيران إلى أذرع طائفية. وعلى الرغم من محاولاتها التنسيق مع النظام اقتصادياً وعلمياً، فإن الفشل سيرافقه، نظراً لمساندتها النظام وضد الثورة الشعبية، وكذلك اعتمادها الخيار الطائفي، والذي ترفضه الأغلبية السورية ومن كل الطوائف. أيضاً هناك رفض أميركي لوجودها، وهو أحد النقاط الذي تكلم عنها وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، "تحجيم إيران في سورية"، عدا عن وجود مصالح متناقضة مع روسيا، ظهرت مراراً، لكن التوافق يستمر بينهما، نظراً للخلاف المستمر بين الدولتين العظميين. وبالتالي، هناك أسباب عديدة تفرض تحجيم إيران، وليس فقط بسبب الشروط الإسرائيلية.
ظهر في السنوات الماضية ما يشبه "التنسيق" بين سوريين وجهات إسرائيلية، وآخر فصولها، ما أوضحه التحقيق الاستقصائي الذي نشرته "العربي الجديد" (7/2/2018) عن غسّان عبود، "تسريبات من داخل شبكة أورينت تكشف خيوط التعاون مع إسرائيل"، وقبله انتشرت تقارير عن علاقة ملهم الدروبي، وهو أحد قادة الإخوان المسلمين، مع إسرائيل، وهناك تقارير عن علاقات أخرى تتم في تركيا، وكذلك ذهاب وفد إعلامي أخيرا، ومعهم إعلامي سوري، ويضاف إلى ذلك كله حاجة الجرحى في المناطق المحاصرة بين إسرائيل والمناطق التي تحت سيطرة النظام. يظهر من ذلك كله وكأنّ هناك "علاقات" تتطوّر بين سوريين من غير النظام وإسرائيل، أو كأن هناك توافقات لصالح الجهتين وضد إيران، أو حتى من أجل علاقات مستقبلية "طبيعية"، وما يمنع ذلك فقط المشروع الإيراني.
بوضوحٍ شديد، لا علاقة للثورة السورية بإسرائيل، ولن تكون هناك أية علاقات ممكنة قبل استعادة كامل الأرض السورية المحتلة، وإيجاد حل للقضية الفلسطينية. وتشكل أجواء "صفقة القرن" وأوهام الرئاسة الأميركية عن أن القدس يجب أن تصبح عاصمة إسرائيل، عوامل إضافية لرفض أية علاقات "جديّة" ومؤثرة بين سورية وإسرائيل. وبالتالي، كل المحاولات التي ذكرتها، أو كما فعل المعارض كمال اللبواني وسواه من قبل، تمثل هؤلاء الأفراد، وهي تعبر عن "عمالة" رخيصة، لصالح تزيين وجه إسرائيل، والتي تتجه إلى أن تصبح دولة دينية بامتياز.
التعقيد الذي يحيط بمستقبل السوريين لا يجد أيَّ حلٍّ له لدى إسرائيل، فهي ليست أكثر من دولة محتلّة لقسم من المنطقة، وليست دولة مؤثرة في الشرطين، الدولي والإقليمي الضاغط على
سورية، والذي حوّل الأخيرة إلى ملعب له، وهو ما سمح لإسرائيل بمحاولة الحضور الإقليمي.
التناقض بين إيران وإسرائيل أمر طبيعي. المشكلة الحقيقية في العالم العربي، وتحديداً في سياسات الأنظمة، والتي تتسارع لإقامة علاقات مع إسرائيل، كما تحاول أخيرا كل من السعودية والبحرين، وكما أشيع عن "تحالف سني إسرائيلي"، عدا عن وجود علاقات سابقة ضمن اتفاقيات السلام، وأخطرها اتفاقية أوسلو ونتائجها الكارثية، ومع دول كالمغرب مثلاً. المشكلة هنا أن كل تلك العلاقات أقيمت من دون حلٍّ لمشكلة الصراع الصهيوني ضد الدول العربية، ورفض إسرائيل تنفيذ القرارات الدولية. وبالتالي، هناك مشكلة تتعدّى سورية، والآن هناك تخوفات فعلية من تحويل سورية إلى أرضٍ لمعارك جديدة بين إسرائيل وإيران، وتؤدي إلى مشكلاتٍ إضافية للسوريين.
دخول طيارة إيرانية بلا طيار، وإسقاط طائرة إسرائيلية، ثم الإغارة مجدداً على أهداف إيرانية سورية كثيرة وعدم الرد، يوضح أن لا تغيير في المخططات الإقليمية، كما أشيع، وستبقى الخلافات بين إسرائيل وإيران ضمن الحدود السابقة "سورية ولبنان وغزة ملعب بينهما". ضعف حزب الله وتورّط إيران في سورية والحصار عليها ليست عوامل إضافية لهجمات إسرائيلية، فهناك عنصر مهم في السياسة الإسرائيلية، ويكمن في الإضعاف المستمر، والحق بقصف كل مركز عسكري إيراني. هذا الإضعاف يُنهك الحزب وإيران، ويمنع تحويل سورية إلى جبهة قوية ضدّها، وكذلك معرفة إسرائيل أن أية توافقات بين روسيا وأميركا ستتضمن بالضرورة تهميشاً للوجود الإيراني في سورية. الرأي الذي يؤكد أن ضعف حزب الله وإيران يشكل مناخاً مثالياً للحرب ليس صحيحاً؛ فإسرائيل تستهدف إضعاف المشار إليهما، وهذا سيدفع العرب إلى التعاون معها، وهي قضية إسرائيل الحقيقية، حيث سيكون لها حصة من ثروات العرب، وإقامة علاقات طبيعية مع هذه الدول.
السوريون، كما بقية العرب، معنيون برفض تحويل بلادهم إلى ساحات حربٍ أهلية، ورفض كل ميل طائفي إلى السياسة، ومعنيون بتغيير أنظمتهم، لأنّها أنظمة حرب "أهلية" طبقية، ولأنّ ذلك يُدمر مستقبلهم. ومعنيون أيضاً برفض تحويل بلادهم إلى ساحاتِ حربٍ للخلافات الإقليمية والعالمية. سورية ولبنان واليمن وليبيا، الآن، هي ساحات لهذه الخلافات، فهل يتنبه السوريون إلى ما صُيّروا إليه؟
أبعدت الاتفاقية الدولية بعد حرب 2006 على لبنان حزب الله عن حدود "إسرائيل"، لكن غياب التوافقات بين أميركا وروسيا على إبعاد مليشيات إيران عن جنوب سورية وغربها كان سبباً للتأزم الإسرائيلي الإيراني. لم تأخذ الدول العظمى بعد بالاعتبار التّخوّفات الإسرائيلية. تحتج إسرائيل ذاتها، ومنذ سبع سنوات، لدى روسيا، ومع أميركا، من هذا الوجود، عدا أن إيران حاولت مراراً الاقتراب من الجولان، وتشكيل مجموعات متخصّصة "لإزعاج" إسرائيل، وفرض نفوذ ثابت لها في سورية معترف به. وإذا كانت التحركات الإسرائيلية تُلحظ من خلال العمليات الجوية، فإن كثافة المواقع العسكرية الإيرانية في سورية توضح خطورة التدخل الإيراني. إذاً هناك حرب باردة بين الدولتين، وتجري على الأراضي السورية.
ما يسمح بالوجود الإقليمي في سورية غياب التوافق الأميركي الروسي على شكل النفوذ في
يستند مشروع إيران إلى أذرع طائفية. وعلى الرغم من محاولاتها التنسيق مع النظام اقتصادياً وعلمياً، فإن الفشل سيرافقه، نظراً لمساندتها النظام وضد الثورة الشعبية، وكذلك اعتمادها الخيار الطائفي، والذي ترفضه الأغلبية السورية ومن كل الطوائف. أيضاً هناك رفض أميركي لوجودها، وهو أحد النقاط الذي تكلم عنها وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، "تحجيم إيران في سورية"، عدا عن وجود مصالح متناقضة مع روسيا، ظهرت مراراً، لكن التوافق يستمر بينهما، نظراً للخلاف المستمر بين الدولتين العظميين. وبالتالي، هناك أسباب عديدة تفرض تحجيم إيران، وليس فقط بسبب الشروط الإسرائيلية.
ظهر في السنوات الماضية ما يشبه "التنسيق" بين سوريين وجهات إسرائيلية، وآخر فصولها، ما أوضحه التحقيق الاستقصائي الذي نشرته "العربي الجديد" (7/2/2018) عن غسّان عبود، "تسريبات من داخل شبكة أورينت تكشف خيوط التعاون مع إسرائيل"، وقبله انتشرت تقارير عن علاقة ملهم الدروبي، وهو أحد قادة الإخوان المسلمين، مع إسرائيل، وهناك تقارير عن علاقات أخرى تتم في تركيا، وكذلك ذهاب وفد إعلامي أخيرا، ومعهم إعلامي سوري، ويضاف إلى ذلك كله حاجة الجرحى في المناطق المحاصرة بين إسرائيل والمناطق التي تحت سيطرة النظام. يظهر من ذلك كله وكأنّ هناك "علاقات" تتطوّر بين سوريين من غير النظام وإسرائيل، أو كأن هناك توافقات لصالح الجهتين وضد إيران، أو حتى من أجل علاقات مستقبلية "طبيعية"، وما يمنع ذلك فقط المشروع الإيراني.
بوضوحٍ شديد، لا علاقة للثورة السورية بإسرائيل، ولن تكون هناك أية علاقات ممكنة قبل استعادة كامل الأرض السورية المحتلة، وإيجاد حل للقضية الفلسطينية. وتشكل أجواء "صفقة القرن" وأوهام الرئاسة الأميركية عن أن القدس يجب أن تصبح عاصمة إسرائيل، عوامل إضافية لرفض أية علاقات "جديّة" ومؤثرة بين سورية وإسرائيل. وبالتالي، كل المحاولات التي ذكرتها، أو كما فعل المعارض كمال اللبواني وسواه من قبل، تمثل هؤلاء الأفراد، وهي تعبر عن "عمالة" رخيصة، لصالح تزيين وجه إسرائيل، والتي تتجه إلى أن تصبح دولة دينية بامتياز.
التعقيد الذي يحيط بمستقبل السوريين لا يجد أيَّ حلٍّ له لدى إسرائيل، فهي ليست أكثر من دولة محتلّة لقسم من المنطقة، وليست دولة مؤثرة في الشرطين، الدولي والإقليمي الضاغط على
التناقض بين إيران وإسرائيل أمر طبيعي. المشكلة الحقيقية في العالم العربي، وتحديداً في سياسات الأنظمة، والتي تتسارع لإقامة علاقات مع إسرائيل، كما تحاول أخيرا كل من السعودية والبحرين، وكما أشيع عن "تحالف سني إسرائيلي"، عدا عن وجود علاقات سابقة ضمن اتفاقيات السلام، وأخطرها اتفاقية أوسلو ونتائجها الكارثية، ومع دول كالمغرب مثلاً. المشكلة هنا أن كل تلك العلاقات أقيمت من دون حلٍّ لمشكلة الصراع الصهيوني ضد الدول العربية، ورفض إسرائيل تنفيذ القرارات الدولية. وبالتالي، هناك مشكلة تتعدّى سورية، والآن هناك تخوفات فعلية من تحويل سورية إلى أرضٍ لمعارك جديدة بين إسرائيل وإيران، وتؤدي إلى مشكلاتٍ إضافية للسوريين.
دخول طيارة إيرانية بلا طيار، وإسقاط طائرة إسرائيلية، ثم الإغارة مجدداً على أهداف إيرانية سورية كثيرة وعدم الرد، يوضح أن لا تغيير في المخططات الإقليمية، كما أشيع، وستبقى الخلافات بين إسرائيل وإيران ضمن الحدود السابقة "سورية ولبنان وغزة ملعب بينهما". ضعف حزب الله وتورّط إيران في سورية والحصار عليها ليست عوامل إضافية لهجمات إسرائيلية، فهناك عنصر مهم في السياسة الإسرائيلية، ويكمن في الإضعاف المستمر، والحق بقصف كل مركز عسكري إيراني. هذا الإضعاف يُنهك الحزب وإيران، ويمنع تحويل سورية إلى جبهة قوية ضدّها، وكذلك معرفة إسرائيل أن أية توافقات بين روسيا وأميركا ستتضمن بالضرورة تهميشاً للوجود الإيراني في سورية. الرأي الذي يؤكد أن ضعف حزب الله وإيران يشكل مناخاً مثالياً للحرب ليس صحيحاً؛ فإسرائيل تستهدف إضعاف المشار إليهما، وهذا سيدفع العرب إلى التعاون معها، وهي قضية إسرائيل الحقيقية، حيث سيكون لها حصة من ثروات العرب، وإقامة علاقات طبيعية مع هذه الدول.
السوريون، كما بقية العرب، معنيون برفض تحويل بلادهم إلى ساحات حربٍ أهلية، ورفض كل ميل طائفي إلى السياسة، ومعنيون بتغيير أنظمتهم، لأنّها أنظمة حرب "أهلية" طبقية، ولأنّ ذلك يُدمر مستقبلهم. ومعنيون أيضاً برفض تحويل بلادهم إلى ساحاتِ حربٍ للخلافات الإقليمية والعالمية. سورية ولبنان واليمن وليبيا، الآن، هي ساحات لهذه الخلافات، فهل يتنبه السوريون إلى ما صُيّروا إليه؟