09 نوفمبر 2024
سورية.. نحو وطن آمن لا مجرّد مناطق آمنة
يبدو التوجه نحو إقامة مناطق آمنة في سورية متأخراً. ومن مظاهر تأخره تدفق ملايين النازحين السوريين إلى الخارج، وأعداد كبيرة إلى الداخل ممن فقدوا بيوتهم ومصادر رزقهم. والأسوأ من ذلك أن غياب وجود مناطق آمنة للسوريين في وطنهم قد أدى إلى إزهاق أرواح نصف مليون ضحية، مع أعداد هائلة من المصابين والجرحى، ومئات الآلاف من المعتقلين، وقد قضى الآلاف منهم تحت التعذيب، في ما بات يُعرف بأكبر كارثة إنسانية في عالمنا منذ الحرب العالمية الثانية، هذا من دون إغفال نكبة فلسطين في العام 1948 وتشريد شعبها.
التوجه الذي أعلن عنه الرئيس دونالد ترامب، في الأيام الأولى لحلوله في البيت الأبيض، سبق أن تعرّض للرفض من الرئيس السابق، باراك أوباما، بحجة أن إقامة تلك المناطق تستلزم تهيئة تجهيزاتٍ عسكرية وإقامة حظر جوي، وكان أوباما يعتبر أن أية خطوةٍ لتقييد حركة النظام ضد شعبه، وضمان حدٍّ أدنى من الأمن للمدنيين على أنها سوف تزيد الوضع سوءاً (!)، وهو ما تذاكى فيه مسؤولون روس، عقّبوا على هذا التوجه، بالقول إن أيّة مناطق آمنة سوف تشكل خطراً على النازحين (!). علماً أن الطائرات الروسية، بالمشاركة مع طائرات النظام، سبق أن قصفت مراراً وتكراراً مخيمات وأماكن إيواء للنازحين، في ريف حلب، وفي إدلب، خلال العام 2016، وبسلوك وحشي لا مثيل له في تاريخ الحروب. بعد أن أعيتهم الحجة، لرفض هذا التوجه، طلب الروس موافقة النظام على إقامة تلك المناطق، علماً أن الهدف الأساسي منه هو حماية المدنيين من بطش النظام، لكن الأخير، على لسان وزير الخارجية وليد المعلم، سارع إلى رفض هذا التوجه (لانتهاكه السيادة .. المصونة)، من دون أن يثير هذا الرفض أصداءً تُذكر. ومن المثير للانتباه أن قوى المعارضة السورية تريثت في إبداء موقفٍ حيال هذا التوجه، علماً أن إقامة مناطق آمنة شكّل، على الدوام، مطلباً لهذه القوى، مقترناً بمطلب فرض حظر جوي.
والآن، بات هذا التوجه بين أيدي مؤسسات أمنية أميركية، إلى أن يُصار إلى تشريعه. وفي هذه الأثناء، سرّبت مصادر إعلامية أن اتصالاتٍ تجريها واشنطن مع أطراف تركية وأردنية
وسعودية لهذا الغرض، علاوة على الطرف الروسي الذي يتمتع بوجود قوي على الأرض، والذي تراجع عن رفض الفكرة التي من شأن تنفيذها إحداث تغييراتٍ هي الأولى من نوعها، لجهة تقييد حركة النظام، والحؤول بينه وبين مواصلة هوايته اليومية المفضلة، وهي الفتك بشعبه، كما من شأن تنفيذ الخطوة كبح حركة "داعش" في التنكيل بالمدنيين، وصولاً إلى المنظمات الطائفية اللبنانية والعراقية، ذات الولاء الإيراني التي استمرأت التطهير العرقي والطائفي على مدى سنواتٍ، من دون أن تتعرّض هذه المليشيات للإدانة والمساءلة. ومعلوم أن الهدف الأميركي من إعلان هذا التوجه هو الحدّ من نزوح اللاجئين إلى الخارج. وفي ذلك، فإن هذا التوجه يحقق غايته، وذلك بـ "حرمان" النظام وحلفائه من قذف ملايين المدنيين إلى الخارج، من أجل تحقيق "الصفاء الطائفي" الذي سبق لرأس النظام أن تحدث عنه مُعرباً عن ارتياحه لهذه التغييرات.
على أن الخطوة، بقدر ما تثير ارتياحاً، وتفتح أفقاً لوقف معاناة السوريين، فإنها تنطوي على محاذير، يتمثل الأول منها في عدم وضوح الأهداف حتى الآن، فهل المقصود مثلاً مجرد تثبيت المقيمين على أرضهم، أم إن الهدف يشمل ضمان عودة اللاجئين إلى وطنهم في ظروف آمنة؟ بالعودة إلى مجريات الوضع قبل أربع سنوات على الأقل، استقبلت كل من تركيا والأردن ما لا يقل عن ثلاثة ملايين لاجئ سوري. وكان واضحاً، منذ البداية، أن النظام يريد التخلص من هؤلاء، وإلقاء العبء على دول الجوار. وفي ضوء ذلك، كان منطق الأمور يقضي بأن توفّر كل من تركيا والأردن بالتعاون مع الأمم المتحدة ملاذات آمنة لهؤلاء داخل وطنهم. وهو ما استنكفت عنه هاتان الدولتان، احتراماً لأحكام القانون الدولي، وبأمل أن يُصار إلى وضع حلول لمحنة اللجوء. استقبلت دول أخرى، مثل لبنان، ما لا يقل عن مليون لاجىء، وقد تعرّض هؤلاء، وما زالوا، إلى عسف شديد على الأراضي اللبنانية من أجهزة رسمية، ومن حزب الله، ووُجّهوا بتعامل طائفي وعنصري، لا نظير له في تاريخ صراعات المنطقة. ولن تكون خطوة المناطق الآمنة ذات معنى، إذا لم تضمن عودة نازحي تركيا والأردن ولبنان ومصر والعراق، بضماناتٍ أميركيةٍ وروسيةٍ وتركيةٍ وأردنيةٍ، على الأرض وفي الأجواء.
يتمثل محذور ثانٍ، كما يقول الناشط السوري فوزي غزلان، في الخشية من أن يتم تجميع
نازحين عائدين أو نازحين قادمين من مناطق أخرى، في ما يشبه كانتونات بعيداً عن مناطق إقامتهم الأصلية. وبذلك، يتحوّل النازحون لاجئين بصفة دائمة في وطنهم، والفرق أن الأمم المتحدة وبعض الدول سوف ترعى وضعية لجوء هؤلاء، فيما الحل الموضوعي والحق الثابت هو في عودة الجميع إلى ديارهم. وهو أمرٌ يقف دونه حال الدمار لمساكن هؤلاء في مناطق، مثل حماة وحمص ودرعا وريف دمشق وحلب وريفها. ومغزى ذلك أنه لا يمكن للمناطق الآمنة أن تحقق الغاية المنشودة منها، بمعزلٍ عن حل سياسي شامل، وفق المرجعيات الدولية، يكون مقدمة لإعادة الإعمار، وعودة النازحين وإخلاء سبيل عشرات آلاف المعتقلين. ومن شأن حل شامل كهذا ليس فقط وقف المحنة المتطاولة، بل كذلك رفع الأعباء عن دول الجوار والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والأمم المتحدة.
كان الواجب يقضي، منذ خمس سنوات، بالضغط على النظام، لوقف حربه الدموية، والتوقف عن قذف ملايين السوريين إلى خارج الحدود، وتحميل المسؤولية عنهم لدول العالم والمنظمات الدولية. وكان الواجب يقضي بتقييد حركة النظام ومنعه من قذف البراميل المتفجرة واستخدام الأسلحة الثقيلة والأسلحة المحرّمة ضد شعبه، لكن السيد أوباما آثر الوقوف موقف المتفرّج، فيما كانت روسيا وإيران تعدّان العدة لخوض الحرب بصورة مباشرة إلى جانب النظام، لضمان أن يحقق انتصاره على شعبه بمجازر بلا عدد، وبدمار يعزّ على الحصر.
بوضع خيار المناطق الآمنة موضع التنفيذ، وبضمانات إقليمية ودولية على الأرض، لحماية هذه المناطق وقاطنيها وجعلها آمنة بالفعل، والتقدّم، بموازاة ذلك، نحو حل سياسي جدي، وفقاً لمرجعية جنيف1 وقرارات مجلس الأمن ذات العلاقة، فإنه يمكن اعتبار أن الأسرة الدولية بدأت تتحمل مسؤوليتها في تقييد حركتي النظام وإيران، وفي إعادة البناء الشامل، وفي جعل سورية وطناً آمناً ومزدهراً لشعبها، لا مجرد مناطق آمنة.
التوجه الذي أعلن عنه الرئيس دونالد ترامب، في الأيام الأولى لحلوله في البيت الأبيض، سبق أن تعرّض للرفض من الرئيس السابق، باراك أوباما، بحجة أن إقامة تلك المناطق تستلزم تهيئة تجهيزاتٍ عسكرية وإقامة حظر جوي، وكان أوباما يعتبر أن أية خطوةٍ لتقييد حركة النظام ضد شعبه، وضمان حدٍّ أدنى من الأمن للمدنيين على أنها سوف تزيد الوضع سوءاً (!)، وهو ما تذاكى فيه مسؤولون روس، عقّبوا على هذا التوجه، بالقول إن أيّة مناطق آمنة سوف تشكل خطراً على النازحين (!). علماً أن الطائرات الروسية، بالمشاركة مع طائرات النظام، سبق أن قصفت مراراً وتكراراً مخيمات وأماكن إيواء للنازحين، في ريف حلب، وفي إدلب، خلال العام 2016، وبسلوك وحشي لا مثيل له في تاريخ الحروب. بعد أن أعيتهم الحجة، لرفض هذا التوجه، طلب الروس موافقة النظام على إقامة تلك المناطق، علماً أن الهدف الأساسي منه هو حماية المدنيين من بطش النظام، لكن الأخير، على لسان وزير الخارجية وليد المعلم، سارع إلى رفض هذا التوجه (لانتهاكه السيادة .. المصونة)، من دون أن يثير هذا الرفض أصداءً تُذكر. ومن المثير للانتباه أن قوى المعارضة السورية تريثت في إبداء موقفٍ حيال هذا التوجه، علماً أن إقامة مناطق آمنة شكّل، على الدوام، مطلباً لهذه القوى، مقترناً بمطلب فرض حظر جوي.
والآن، بات هذا التوجه بين أيدي مؤسسات أمنية أميركية، إلى أن يُصار إلى تشريعه. وفي هذه الأثناء، سرّبت مصادر إعلامية أن اتصالاتٍ تجريها واشنطن مع أطراف تركية وأردنية
على أن الخطوة، بقدر ما تثير ارتياحاً، وتفتح أفقاً لوقف معاناة السوريين، فإنها تنطوي على محاذير، يتمثل الأول منها في عدم وضوح الأهداف حتى الآن، فهل المقصود مثلاً مجرد تثبيت المقيمين على أرضهم، أم إن الهدف يشمل ضمان عودة اللاجئين إلى وطنهم في ظروف آمنة؟ بالعودة إلى مجريات الوضع قبل أربع سنوات على الأقل، استقبلت كل من تركيا والأردن ما لا يقل عن ثلاثة ملايين لاجئ سوري. وكان واضحاً، منذ البداية، أن النظام يريد التخلص من هؤلاء، وإلقاء العبء على دول الجوار. وفي ضوء ذلك، كان منطق الأمور يقضي بأن توفّر كل من تركيا والأردن بالتعاون مع الأمم المتحدة ملاذات آمنة لهؤلاء داخل وطنهم. وهو ما استنكفت عنه هاتان الدولتان، احتراماً لأحكام القانون الدولي، وبأمل أن يُصار إلى وضع حلول لمحنة اللجوء. استقبلت دول أخرى، مثل لبنان، ما لا يقل عن مليون لاجىء، وقد تعرّض هؤلاء، وما زالوا، إلى عسف شديد على الأراضي اللبنانية من أجهزة رسمية، ومن حزب الله، ووُجّهوا بتعامل طائفي وعنصري، لا نظير له في تاريخ صراعات المنطقة. ولن تكون خطوة المناطق الآمنة ذات معنى، إذا لم تضمن عودة نازحي تركيا والأردن ولبنان ومصر والعراق، بضماناتٍ أميركيةٍ وروسيةٍ وتركيةٍ وأردنيةٍ، على الأرض وفي الأجواء.
يتمثل محذور ثانٍ، كما يقول الناشط السوري فوزي غزلان، في الخشية من أن يتم تجميع
كان الواجب يقضي، منذ خمس سنوات، بالضغط على النظام، لوقف حربه الدموية، والتوقف عن قذف ملايين السوريين إلى خارج الحدود، وتحميل المسؤولية عنهم لدول العالم والمنظمات الدولية. وكان الواجب يقضي بتقييد حركة النظام ومنعه من قذف البراميل المتفجرة واستخدام الأسلحة الثقيلة والأسلحة المحرّمة ضد شعبه، لكن السيد أوباما آثر الوقوف موقف المتفرّج، فيما كانت روسيا وإيران تعدّان العدة لخوض الحرب بصورة مباشرة إلى جانب النظام، لضمان أن يحقق انتصاره على شعبه بمجازر بلا عدد، وبدمار يعزّ على الحصر.
بوضع خيار المناطق الآمنة موضع التنفيذ، وبضمانات إقليمية ودولية على الأرض، لحماية هذه المناطق وقاطنيها وجعلها آمنة بالفعل، والتقدّم، بموازاة ذلك، نحو حل سياسي جدي، وفقاً لمرجعية جنيف1 وقرارات مجلس الأمن ذات العلاقة، فإنه يمكن اعتبار أن الأسرة الدولية بدأت تتحمل مسؤوليتها في تقييد حركتي النظام وإيران، وفي إعادة البناء الشامل، وفي جعل سورية وطناً آمناً ومزدهراً لشعبها، لا مجرد مناطق آمنة.