من غير المعروف بعد ما إذا كان التهويل الروسي المستمر منذ أيام، مما يقول مسؤولون روس إنه نوايا أميركية بالقيام بتحرك عسكري ضد النظام في سورية، نابعاً من معلومات أمنية واستخبارية جدية وصلت إلى موسكو، أم أنه مجرد مواصلة للسياسة الروسية القائمة على تبرير المجازر المتواصلة بخرافة المشروع العسكري الأميركي. سياسة تدعمها وسائل إعلام محور موسكو ــ طهران ــ دمشق ــ بيروت، ولا يزال مسؤولو الإدارة الأميركية صامتين إزاءها، لا بل ساعين إلى اعتبار هذا الكلام من باب الاتهام المرفوض لواشنطن، بما أن إدارة باراك أوباما قررت الانسحاب من الملف السوري، وأداء الدور الأكثر سلبية ربما منذ بداية الثورة السورية، من خلال منع دول إقليمية داعمة للثورة، من تسليح الفصائل السورية بأسلحة قد تخفف من وطأة المجازر الروسية والسورية.
وبينما ساد الصمت في العواصم الغربية بعد الفيتو الروسي على مشروع القرار الفرنسي الإسباني، ادعت وزارة الخارجية الروسية أن المشروع المذكور "كان سيساعد المتشددين في حلب بحمايتهم من القصف الجوي". وأضافت الوزارة في بيان أن النص الفرنسي كان "مسيساً وأحادي الجانب وكانت هناك محاولة صريحة -بحظر الطلعات الجوية في منطقة حلب- لتوفير غطاء لإرهابيي جبهة النصرة والمتشددين المرتبطين بها". ورأت قوى في المعارضة السورية أن الفيتو الروسي إذ يجعل موسكو ونظام دمشق في خندق واحد ضد معظم الشعب السوري، ومعظم المجتمع الدولي، يؤكد إصرارهما على فرض إرادتهما بالقوة، من دون اكتراث بالمجتمع الدولي الذي لم يصدر عنه حتى الآن سوى كلمات التنديد والمواساة. وترجم ذلك ميدانياً، بمواصلة قوات النظام المدعومة بالآلة الحربية الروسية محاولاتها التقدّم داخل الجزء الشرقي المحاصر من مدينة حلب، من محاور عدة خاصة جهة حي الشيخ سعيد جنوبي المدينة. لكن فصائل المعارضة أكدت انها استعادت صباح أمس الأحد النقاط التي كانت تقدمت إليها مليشيا النجباء العراقية، في حين شنت مقاتلات حربية روسية غارات بالصواريخ الارتجاجية على حييّ الفردوس وبستان القصر داخل مدينة حلب، ما أدى إلى دمار في الممتلكات. كما توالى سقوط قذائف المدفعية على المدينة بكثافة عالية، في حين ارتكب طيران التحالف مجزرة في ريف حلب الشمالي في قرية دويبق الخاضعة لسيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية"، أسفرت عن مقتل 12 مدنياً بينهم نساء وأطفال.
وفي ريف حماة، تمكّنت قوات النظام من استعادة بعض القرى التي خسرتها في الآونة الأخيرة أمام قوات المعارضة مستغلة حالة الاقتتال بين حركة أحرار الشام وجند الأقصى، الفصيلين الرئيسيين المشاركين في معارك حماة ضد قوات النظام السوري. وفي ريف دمشق تواصل قوات النظام الضغط على مقاتلي المعارضة في بلدة الهامة المحاصرة بهدف ترحيلهم إلى الشمال السوري على غرار ما جرى في درايا والمعضمية والوعر. وقد سيطرت تلك القوات على أجزاء واسعة من البلدة خلال اليومين الماضيين، وكلفت وسطاء بالتفاوض مع المقاتلين الراغبين بالخروج، بينما ينخرط من يرغب في البقاء في "لجان شعبية" محلية تضبط الأمن في البلدة بالتنسيق مع قوات النظام وفق ما صرح لـ"العربي الجديد" محمد الشامي عضو المجلس المحلي في البلدة، الذي أوضح أن إخراج الأهالي من البلدة سيبدأ يومي الأربعاء والخميس المقبلين، إن تم تأمين المتطلبات اللوجستية، على أن تدخل قوات من الحرس الجمهوري، لتمشيط المنطقة بعد ذلك، ثم يتم تشكيل لجان شعبية من أهل المنطقة لحفظ أمن المدينة، تكون تحت إشراف الحرس الجمهوري.
وقال عضو الهيئة السياسية في الائتلاف السوري فايز سارة، لـ"العربي الجديد"، إن الفيتو الروسي هو تثبيت لموقف الصلف والمشاركة الروسية في المذبحة السورية، وهو يشير إلى أن "الروس مستعدون لمستوى معين من التحدي مع الولايات المتحدة، واذا لم تقبل أميركا بهذا التحدي فلن يغيروا موقفهم". وأعرب عن اعتقاده بأن النظام وروسيا اليوم وخلال المرحلة المقبلة، هما في حالة صعود، بينما المعارضة في حالة تراجع سياسياً وعسكرياً، يسهم فيه انقسام الحلف الغربي الداعم، وعدم جديته. لكن سارة رأى أن التطورات الأخيرة جعلت الأوروبيين يشعرون بالتحدي إزاء روسيا التي تستطيع تعطيل أية مشاريع ضد رغبتها في مجلس الأمن، ولا حل تالياً، بحسب سارة، إلا إنشاء تحالف دولي جديد على غرار "اتحاد من أجل السلام" الذي نشأ في خمسينيات القرن الماضي بشأن القضية الكورية، بحيث يتم طرح المسألة السورية أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة التي ليس لأحد فيها حق الفيتو، والحصول هناك على ثلثي الأصوات كقاعدة قانونية للتحرك السياسي ضد روسيا، عبر فرض مزيد من العقوبات الدولية عليها، وتحريك دعاوى قضائية ضدها أمام المحاكم الدولية، لارتكابها جرائم حرب في سورية.
كما توقع رئيس المكتب السياسي في فصيل "لواء المعتصم"، مصطفى سيجري، المشارك في عملية "درع الفرات" بريف حلب، أن تشهد المرحلة المقبلة تصعيداً ميدانياً من جانب النظام وروسيا. فيما رأى الكاتب السوري غسان مفلح "أننا أمام أشهر سوداء ودموية قبيل نهاية حكم أوباما، وعليه فإن الفيتو الروسي عبارة عن حالة استباقية لما بعد أوباما". وأضاف مفلح في حديث لـ"العربي الجديد" أن سياسة أوباما وطاقمه، وزير الخارجية جون كيري وكبير المستشارين روبرت مالي، تعطي مزيداً من الوقت للرئيس الروسي فلاديمير بوتين ليمارس إجرامه بحق الشعب السوري. ولفت إلى أن بوتين سوف يواصل القتل حتى يرى سياسة أميركية مختلفة. لكن "طريق موسكو مسدود من زاوية أن القتل البوتيني غير مثمر سياسياً، ما لم توافق أميركا على تحويله إلى حل سياسي، ذلك أن بوتين عاجز عن فرض حل سياسي في سورية، مهما جرب من أنواع أسلحته الفتاكة" على حد تعبير مفلح. ورأى أن ما يقلق بوتين هو الإدارة الأميركية المقبلة التي قد تقلب الطاولة عليه في سورية، رغم ما حققه حتى الآن، معتبرا أن الفيتو سيضعف روسيا أكثر لأنه بحد ذاته يعكس رفضاً لوقف قتل المدنيين، وتكراراً لسيناريو غروزني الذي تتمناه إدارة أوباما في حلب، وتبقى هي طاهرة الذيل.