غابت الأحداث عن سهل الغاب، الواقع في ريف حماه الغربي، منذ انطلاق الثورة السورية في 15 مارس/آذار 2011، غير أنه يشهد في الفترة الأخيرة معارك عدة، على خلفية إمساك المعارضة بمدينة إدلب. ومن المتوقع أن تتطوّر المعارك في السهل، على الرغم من تركيز فصائل المعارضة وقوات النظام على معركة الأطراف، خصوصاً في ظلّ مسعى القوات النظامية إلى فكّ الحصار عن مستشفى جسر الشغور في القسم الجنوبي الغربي.
وبات السهل في قلب المعارك، مع دخول "جيش الفتح" مدينة إدلب، واعتماده توجّهاً لفصلها عن محافظة اللاذقية، خصوصاً بعد السيطرة على مدينة جسر الشغور، وتحصّن أبرز قادة النظام في مستشفى المدينة، الذي لا يبعد عن السهل سوى كيلومترات قليلة.
تحوّل السهل إلى هدف استراتيجي لكل من الطرفين، لكونه يقع في المنطقة الوسطى من سورية بين جبال اللاذقية غرباً وجبل الزاوية شرقاً وجسر الشغور شمالاً ومصياف جنوباً، ويُشكّل سهلاً منبسطاً خصباً، يمرّ فيه نهر العاصي. كما أن وجود محطة زيزون الحرارية، التي تغذي السهل وجسر الشغور بالطاقة الكهربائية، على أطراف السهل الشرقية، يزيد من أهميته.
وشهدت المحطة معارك شرسة بين فصائل المعارضة وقوات النظام، تبادل فيها الطرفان السيطرة عليها. ولم تدم سيطرة قوات المعارضة على المحطة سوى بضع ساعات، لتكون الغارات الجوية المكثفة لسلاح الطيران بالتزامن مع القصف بالبراميل المتفجرة من المروحيات على أطراف المحطة، كفيلة بانسحابهم منها. وتقع المحطة على الطريق الواصل للنظام من سهل الغاب إلى جسر الشغور، كما تطلّ على مساحة واسعة من الأراضي، وتُعدّ مركز قصفٍ لقرى وبلدات ريف حماه المحررة.
يبلغ طول السهل نحو 80 كيلومتراً، وعرضه بين 10 و13 كيلومتراً، وهو محاط بجبال عالية، خصوصاً من الجهة الغربية. وأهم بلداته وقراه من الشمال إلى الجنوب، قرقور والسرمانية والزيارة وجورين وقلعة المضيق والسقيلبية وسلحب. بلغ عدد سكانه في العام 2010 نحو 325 ألف نسمة، ويشكل تنوّعاً طائفياً يسكنه السنة والعلويون والإسماعيليون والمرشديون. ويعتمد سكانه بشكل خاص على الزراعة، تحديداً القطن والشمندر السكري وعباد الشمس والقمح (التبغ).
اقرأ أيضاً مستشفى جسر الشغور: الصيد الثمين للمعارضة السورية المسلحة
وبعد نجاح "جيش الفتح" في السيطرة على إدلب، فتحت معركة قرى سهل الغاب في 23 أبريل/نيسان الماضي، وتمكنت فصائل المعارضة، وأبرزها حركة "أحرار الشام" الإسلامية و"جبهة صمود"، وألوية وكتائب "صقور الغاب"، و"صقور الجبل" والفرقة الساحلية الأولى، بعد ثلاثة أيام من المعارك من السيطرة على معظم حواجز النظام في سهل الغاب، أبرزها حاجز القاهرة، وتل واسط، وتل عترم، والصوامع، واغتنام دبابة من نوع 55، وأربع عربات "بي إم بي"، بالإضافة لعتاد ثقيل وذخائر، وقتل أكثر من 30 عنصراً للنظام ضمن تلك الحواجز.
وبات السهل يشكّل حداً فاصلاً لسيطرة قوات المعارضة بين إدلب واللاذقية، ولذا كان لا بد من اقتحامه، ففي القسم الشرقي المُطلّ على السهل، من جهة ريف إدلب الجنوبي، يقع جبل الزاوية، الخاضع لسيطرة "جبهة النصرة" وبعض مكونات "الجيش السوري الحر".
أما في القسم الغربي لجهة ريف اللاذقية الشمالي، فتُسيطر الفرقة الساحلية الأولى التابعة لـ"الجيش السوري الحر" وبعض الفصائل الإسلامية الأخرى على جبلي التركمان والأكراد. كما تسيطر المعارضة على مدينة خان شيخون، بينما تسيطر قوات النظام على ريف حماه الشمالي، وعلى مناطق قريبة من القرداحة، معقل الرئيس بشار الأسد.
ويشير المستشار القانوني في "الجيش السوري الحر"، أسامة أبو زيد، في تصريحاتٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أن "قضية معركة سهل الغاب، اتخذ فيها القرار مع البدء بمعركة النصر في مدينة جسر الشغور، وتأتي في إطار العملية العسكرية التي وضعتها غرفة عمليات جيش الفتح، بالإضافة إلى جيش الإسلام والجيش السوري الحر".
ورأى أن "معركة سهل الغاب لم تبدأ من قبل، لأنه ليس سهلاً دخول المنطقة جغرافياً، ولا يمكن دخول معركة من هذا النوع في منطقة بهذه المساحة، من دون وجود عمل عسكري على الجبهات المقابلة، في جسر الشغور وجبل الأربعين وجبل أريحا".
ونبّه أبو أزيد إلى أن "الجزء الذي تم تحريره من سهل الغاب لم نصل فيه للجزء الصعب، والذي سيمثل التحدي الأكبر، فسهل الغاب منطقة سهلية مكشوفة، تقع في مقابلها تلال وجبال تتموضع عليها قوات النظام". وكشف أن "المرحلة الأصعب من معركة سهل الغاب، سنشهدها خلال الأيام الآتية".
اقرأ أيضاً: تبدلات المشهد السوري الميداني