أجرى العشريني الإيراني هادي (اسم مستعار بناء على طلبه) عملية زراعة كلية قبل عامين بعد فترة انتظار لعامين آخرين، فشل خلالهما في البحث عن متبرع، ما أجبره على اللجوء إلى سماسرة اشترى عبر أحدهم كلية في مقابل ثلاثين مليون تومان إيراني (8571 دولاراً بحسب سعر التومان وقتها)، وهو مبلغ مرتفع مقارنة بما دفعه آخرون، إذ يصل السعر المتعارف عليه للحالات غير الطارئة إلى نصف ذلك المبلغ، لكن وضعه الصحي لم يكن يسمح بالانتظار كما يقول.
وتعد زراعة الكلى في إيران الأكثر طلبا من بين عمليات نقل الأعضاء في ظل ارتفاع سنوي في عدد المصابين بالقصور الكلوي بنسبة 7%، وزيادة عدد محتاجي غسل الكلى بمعدل 7.5%، وهو ما يقتضي إجراء 2700 عملية لزراعة الكلى سنويا وفق ما أعلنته رئيسة الدائرة المشرفة على زراعة الأعضاء التابعة لوزارة الصحة كتايون نجفي زاده في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2015.
إعلانات بيع الكلى
من أجل رصد إعلانات بيع الكلى أجرت معدة التحقيق بحثا على المواقع الإلكترونية، ووثقت نشر ثلاثة مواقع وهي "اهداي كلية وأوميد وان وكي.فهدان" إعلانات لراغبي بيع الكلية وتسهيل حصول المشترين على المعلومات في مقابل نسبة للموقع دون تدخل من السماسرة، بالإضافة إلى قناة "شوب كلية" التابعة لموقع البنك الجامع فهدان على تطبيق "تليغرام" الأكثر استخداما في إيران، والتي أجرت استطلاعا حول غرض الاشتراك في القناة بين أعضائها وتبين من خلاله أن 81 % من المستطلعة آراؤهم البالغ عددهم 1247 يسعون لبيع إحدى كليتهم من بين 1250 شخصا مشتركين في القناة، بينما أفاد 12% أنهم مشتركون لغرض الشراء، و4 % سماسرة و4% لأغراض أخرى.
أسعار بيع الكلى
تبدو الأسباب الاقتصادية عاملا رئيسيا لبيع بعضهم كليتهم وفق ما وثقته معدة التحقيق عبر تعليقات يكتبها البائعون أسفل إعلانات المواقع، ومن بينها موقع فهدان والذي علق أحد الراغبين في بيع كليته واسم حسابه أميد (الأمل) قائلا في مارس/آذار الماضي إنه رياضي ويرغب في بيع كليته لأسباب مالية، لكن السماسرة العاملين في تلك المهنة أكثر خطورة من البائعين، إذ يقودون العملية في الخفاء ويستغلون حاجة المريض والمتبرع وفق ما أكدته لـ"العربي الجديد" مصادر التحقيق من باعة ومشترين ومسؤولين في جمعية دعم مرضى الكلى الحكومية.
وتتراوح الأسعار اليوم بين 15 مليون تومان (3200 دولار) و50 مليون تومان (10638 دولاراً) (الدولار يساوي 4700 تومان) بحسب شهادات الباعة والمشترين الذين التقتهم معدة التحقيق، وما جاء في تعليقات المواقع الإلكترونية التي تسمح بنشر إعلانات بيع الكلى، ومن بينهم العشريني محمد والذي أعلن عن أن زمرة دمه بي موجب ووصف نفسه بأنه لاعب كرة قدم وطلب 60 مليون تومان في مقابل كليته (13 ألفاً و900 دولار).
على حافة الموت
تلعب المسافة التي تفصل المريض عن الموت دورا رئيسيا في تحديد السعر، فكلما كانت حالته أخطر كلما كان السعر أعلى، وهو ما حول الأمر لسوق لكسب المال عبر آلام المرضى واحتياجات الباعة الاقتصادية، والتي يستغلها السمسار إذ يحصل على نسبة من كلا الطرفين، وفق ما تؤكده شهادات المشترين، من بينهم أمير بلوري الذي خاض مع والده تجربة الحصول على كلية من شخص متوف بعد اضطراره لغسل كليتيه لثلاث سنوات متتالية بانتظار دوره في الجمعية التي ترتب الحالات بحسب الأولوية الصحية وتوفر المتبرع، قائلا "هناك من يحالفهم الحظ، وآخرون يبقون بانتظار دورهم إذا لم يكونوا قادرين على شراء كلية لسنوات عديدة".
وعن التكلفة التي تدفع للجمعية وتعطيها بدورها للمتبرع أو لعائلته، قال بلوري إنها تتراوح بين 10 مليون تومان وتصل حتى 12 مليون تومان، أي ما يتراوح بين 2000 و2500 دولار، مؤكدا أنه في حال كان المتبرع متوفياً فالمبلغ لا يتجاوز 3 ملايين تومان، (600 دولار)، لكنه اضطر لدفع 10 ملايين تومان ليحصل على الكلية لوالده متخلصا من لائحة الانتظار.
ويكلف الحصول على كلية من شخص حي أكثر من هذا، إذ يطلب السماسرة وبائع الكلية الكثير كما يقول بلوري وهو ما يتفق معه رحيمي والذي رفض كشف هويته لتواصله مع سمسار باع بواسطته كليته قبل ستة أشهر بسبب ظروفه الصعبة كما قال، مؤكدا أنه لا يعرف هوية الشخص الذي اشترى الكلية، ولم يتواصل معه ولا مع الجمعية وإنما كانت الأمور برمتها بيد سمسار، وكل ما فعله كان الذهاب إلى المشفى لإجراء العملية في اليوم المحدد، قائلا "بعت كليتي بأربعين مليون تومان، أي ما يوازي 8500 دولار (وفقا لسعر صرف يقدر بـ 4700 تومان)"، معتبرا أنه سعر أقل من المعتاد، فالقيمة الحقيقية مضاعفة للمضطرين.
شارع الكلية
تقع جمعية دعم مرضى الكلى الحكومية في شارع حسيني بالقرب من مركز العاصمة، وهو ما يعرف بين الإيرانيين باسم شارع الكلية، نظرا لشهرته بكثرة إعلانات وملصقات بيع الكلى على جدرانه، وتشرف الجمعية قانونا على عمليات زراعة الكلى إذ توكل وزارة الصحة الملف لها منعا للاتجار والسمسرة، عبر اشتراطها حصول عمليات نقل الكلى على ترخيص من مكاتب الجمعية سواء في طهران أو في المحافظات الأخرى وفق للائحة عمل الجمعية.
ورصدت معدة التحقيق أثناء زيارة العربي الجديد للجمعية، غياب إعلانات بيع الكلى من شارع حسيني والتي لم تعد واضحة ومنتشرة كما السابق، وهو ما يمكن فهمه ضمن سياق رواج الإعلانات الإلكترونية، مع أن بعضهم ما زال يكتب أرقام بطاقات هويتهم وزمرة الدم مبدين رغبتهم في بيع كلاهم على جدران بالقرب من بعض المشافي الحكومية.
وعلى الموقع الرسمي للجمعية وضعت استمارات يملأها الراغبون بالتبرع مرفقة بشروط، أهمها موافقة ولي أمر المتبرع، وتدفع الجمعية المال لهذا الأخير إذا ما كان مطابقا للمواصفات، لكن الإشكال الحقيقي يكمن في السماسرة الذين يجدون المتبرعين ويعرفوهم على المرضى، ويأخذون منهم مبالغ أعلى من تلك التي يدفعها المريض للجمعية التي أبدى مديرها إسماعيل أذري تحفظا وتشددا في حديثه عن التعامل مع هذا الملف خلال لقائه "العربي الجديد"، مؤكدا أن الجمعية مهمتها تسهيل الخدمات لمرضى الكلى، من دون الخروج عن الشروط التي وضعت لكبح المساعي الاستغلالية، قائلا "يخضع المريض والمتبرع لفحوصات محددة، ويجب التأكد من السلامة الذهنية ومن رضا المتبرع عما يفعله، ومع الانتشار التدريجي لظاهرة بيع الكلى لأسباب اقتصادية أوقفت الجمعية عمليات الزراعة في المشافي الخاصة في عام 2014، وجعلتها محصورة في الحكومية"، وهو ما يؤكده جراح الكلى والمجاري البولية ومدير قناة طبية متخصصة على تليغرام علي محمد فخر ياسري والذي أجرى عدد من عمليات زراعة الكلى في مستشفيات حكومية، قائلا "تجري عمليات زراعة الكلى في عشرين مركزا مختصا"، مؤكدا عدم إمكانية إجرائها في المشافي الخاصة بالفعل، وضرورة الحصول على موافقة الجمعية للدخول لغرف عمليات المراكز، وأضاف أن الكلى تؤخذ في ثلثي العمليات من متبرعين أحياء، والثلث المتبقي من متوفين تُهدى أعضاؤهم إثر إصابتهم بموت دماغي وفقا لمشاهداته.
أضاف ياسري أن المريض يأخذ أوراقه للجمعية ويجري سلسلة إجراءات روتينية، وأشار لوجود كثيرين يبحثون عن المتبرعين بأنفسهم، قائلا "هؤلاء لا يطول وقوفهم في الطابور، لكن عليهم إتمام المراحل القانونية"، مشيرا إلى أن من يفضلون أخذ الكلية من المتوفين وهو أمر قد يعود للمقابل الزهيد أو المجاني، ينتظرون دورهم ويصنفون بحسب الوضع الصحي.
لكن أذري يؤكد أن المريض مضطر لانتظار دوره بحسب حالته، وأضاف أن بعض المتبرعين يهدون كلاهم دون مقابل، وهي حالات نادرة لكنها حصلت، إذ يتبرع أحد الوالدين بكليته لابنهما، أما في حالات أخرى فقد حددت الجمعية مبلغا يعطى للمتبرع سواء كان حيا أو ميتا، إذ يمكن الحصول على الأعضاء من مرضى الموت الدماغي.
ورفض آذري الإفصاح عن قيمة المبلغ الممنوح للمتبرع وما إذا كان يختلف من حالة لأخرى قائلا "الجمعية تأخذ المال من المريض وتعطيه للمتبرع كمقابل، ويمنع تواصل الطرفين أو تعرفهما على بعضهما وفق ميثاقها القانوني"، مؤكدا عدم قدرته على تحديد مبلغ الجمعية، لكنه وصفه بالمناسب والمنخفض، ودعا للحذر من السماسرة، دون أن ينفي وجود عوامل اقتصادية لدى من يقررون بيع كلاهم، لكن الجمعية غير معنية بالأرقام التي يدور الحديث عنها في الشارع، بحسب تعبيره.
ويؤكد أذري إنه سمع بوجود حالات يدفع خلالها المرضى المبالغ المحددة للجمعية ومن ثم يكملون ما تبقى للسماسرة خارجها، فهم من عثروا لهم على المتبرعين قائلا إنه "بحال تأكدت الجمعية من حصول أمر من هذا القبيل تعلق العملية ويتوجب على الجمعية وضعه على لائحة الانتظار مرة أخرى إلى حين قدوم متبرع آخر" ، وعن الحالات التي يؤكد فيها المريض للجمعية أنه عثر على متبرعه بنفسه، أفاد أذري أنه في كل الحالات على المريض أن يبقى في دوره، نافيا خروج أي أحد من لائحة الانتظار حتى بدفع المال، وذكر أن أغلب الحالات التي تحصل على متبرعها وتدفع المال يكون دورها قد حان أو أن حالتها الصحية تتطلب الاستعجال في الزراعة
مستشفيات طهران
أجرت مستشفيات طهران 300 عملية زراعة كلى خلال العام الإيراني الذي بدأ في 21 مارس/ آذار 2017 وحتى 21 مارس/آذار 2018، وخلال وقت إجراء المقابلة مع أذري رئيس الجمعية في نهاية فبراير/شباط كان هناك 366 شخصاً ينتظرون دورهم في طهران، كما يسجل 500 مريض أسماءهم ويدخلون في طابور الانتظار كل عام في المركز الرئيسي للجمعية في العاصمة الإيرانية، وفق ما أكده القائمون على الجمعية لـ"العربي الجديد".
ورغم أن إهداء أعضاء من يتعرضون للموت السريري بات رائجاً في إيران، لكن بيع أعضاء من الجسد الحي ما زال يصنّف عملاً غير أخلاقي، إلا أن القانون لا يمنعه بالكامل إن جرى وفقاً لأطر محددة، فهناك مشروعية تعطى لبعض الحالات بحسب المحامية ألميرا قمي التي ذكرت لـ"العربي الجديد" أن "بيع الكلى يصنّف باعتباره "هبة" فالمتبرع بكليته يحصل على هدية مالية بالمقابل وفقاً للمادة الثامنة من القانون الخاص بوزارة الصحة المرتبط بزراعة الأعضاء، وهو ذاته ما يتوافق مع المادة 795 من القانون المدني.
لهذه المادة وفق قمي مؤيدون يشترطون عدم تعريض حياة أفراد سليمين للخطر، ويعتبر معارضوها أنها تفتح المجال للتجارة بالأعضاء والبشر، لكنها ترى أنه ما دام الأمر يجري بضوابط وزارة الصحة والجمعية فلا ضير منه، مؤكدة أن تضرر المتبرع يسمح له ولعائلته برفع شكوى قضائية ضد المريض أيضاً.