وحول مجالات التعاون الناجح بين موسكو والرياض في الوقت الحالي، يشير باكلانوف إلى تنسيق المواقف في سوق النفط. ويقول "كوننا أكبر بلدين مصدرين للنفط، فإننا معنيون بتمديد اتفاق خفض الإنتاج بين الدول المنتجة داخل أوبك وخارجها، الذي أسفر عن تعافي أسعار النفط. وأتوقع أن يتم خلال الزيارة تثبيت محور السياسات في سوق النفط". وبحسب وكالة "رويترز"، فإن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، كان له دور أساسي في تسوية الخلافات بين السعودية وإيران نهاية العام الماضي، ما أتاح التوصل إلى اتفاق خفض الإنتاج بين كبار المصدرين وأدى إلى ارتفاع أسعار النفط إلى مستويات عالية نسبياً.
وأعلن المتحدث باسم الرئاسة الروسية، ديمتري بيسكوف، أن من المتوقع أن يكون موضوع التعاون العسكري التقني واردا في أجندة لقاء بوتين وسلمان. وقال، رداً على سؤال حول ما إذا كان التعاون العسكري التقني سيبحث خلال اللقاء، "يمكن توقع وروده أيضا في أجندة العمل".
الأزمة السورية
على مدى السنوات الأخيرة، خيّمت الخلافات في الملف السوري على العلاقات بين روسيا والسعودية وغيرها من دول الخليج. ومنذ قرابة عامين تردد أكثر من موعد لزيارة الملك سلمان، ثم كان يتم تأجيلها. ويستبعد الخبير في شؤون الشرق الأوسط، ديمتري فرولوفسكي، أن تسفر الزيارة عن تغيير رؤى أي من موسكو الرياض حيال الأزمة السورية، مرجحاً في الوقت ذاته أن تخفف السعودية من مواقفها في بعض الملفات. ويقول فرولوفسكي، لـ"العربي الجديد"، إنه "على ضوء النجاحات الروسية في سورية، ستتحدث السعودية هذه المرة من موقف الضعف، وقد تتخذ موقفاً محايداً من بعض الملفات، طالما تضمن مراعاة مصالحها في سورية ما بعد الحرب، وحتى قد تقبل ضمنياً ببقاء الرئيس بشار الأسد في منصبه، لكن دون إعلان ذلك بالطبع". وبحسب صحيفة "فزغلياد" الروسية، فإن زيارة الملك سلمان إلى موسكو تعني "اعترافاً فعلياً بانتهاء الحرب في سورية"، واكتمالاً لتعزيز مواقف روسيا في المنطقة بعد أن استضافت جميع القادة العرب تقريباً خلال آخر عامين.
يذكر أن وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، أشار، خلال زيارة نظيره الروسي، سيرغي لافروف، إلى الرياض في 10 سبتمبر/أيلول الماضي، إلى أن مواقف المملكة تتطابق ومواقف روسيا، ليس فقط في سورية، بل وفي العراق واليمن وليبيا، وأيضاً في محاربة الإرهاب عموماً. وحينها أعلن لافروف عن عدم وجود "خلافات لا يمكن حلها" بين البلدين. وأكد لافروف على دعم جهود السعودية بشأن توحيد المعارضة السورية، قائلاً "يجري التنسيق بين مجموعات المعارضة السورية لتشكيل وفد موحد للمفاوضات، وندعم هذا التوجه من قبل السعودية". وكانت مصادر قالت إن الجبير أعطى توجيهات لوفد من الهيئة العليا للمفاوضات المعارض، في الرياض، على شكل "نصائح"، منبهاً إلى أن الموقف الدولي قد تغيّر تجاه القضية السورية، وأن الأولوية قد تحولت إلى محاربة الإرهاب، وأن مصير بشار الأسد لم يعد أولوية لدى الدول الفاعلة في القضية السورية. وأبدى دعمه لمساعي الهيئة إلى عقد اجتماع في الرياض من أجل إعادة هيكلتها، بما يتوافق مع التوجهات الدولية الجديدة، ومساندته مساعي الهيئة بضم منصتي موسكو والقاهرة إلى الهيئة العليا الجديدة. وأبلغ الجبير الوفد أن الروس قد نجحوا في منع إسقاط الأسد، وباتت روسيا الآن العنصر الأقوى في سورية، وبأن الدول الإقليمية الفاعلة في القضية السورية ستضطرّ إلى الموافقة على ما يريده الروس، والذين يميلون إلى بقاء الأسد في السلطة خلال المرحلة الانتقالية.
في سياق آخر، يقلل فرولوفسكي من احتمال مناقشة أزمة قطع الدول الأربع (السعودية والإمارات والبحرين ومصر) علاقاتها الدبلوماسية مع قطر أثناء زيارة الملك. ويقول "لقد جرى بحث هذه القضية أثناء زيارة وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إلى السعودية، في سبتمبر/أيلول الماضي. تتعامل روسيا مع الأزمة الخليجية على أنها أزمة عائلية ستنتهي بالمصالحة، طال الزمن أو قصر، مدركة أن دعمها لأي طرف سيؤدي إلى إفساد العلاقة مع الطرف الآخر".
مسيرة علاقات حافلة بالتوترات
رغم أن الاتحاد السوفييتي كان أول بلد غير عربي اعترف بالدولة السعودية وأقام علاقات دبلوماسية معها في عام 1926، إلا أن العلاقات بدأت تتسم بالبرود بعد حصول شركات نفط أميركية على امتيازات التنقيب عن النفط في السعودية في عام 1933، وصولاً إلى قطع العلاقات الدبلوماسية، التي لم تُستأنف إلا قبيل عام 1991. لكن حتى بعد استعادة العلاقات الدبلوماسية، لم تخل العلاقات بين البلدين من التوترات في ظل توجيه موسكو اتهامات إلى السعوديين بدعم المسلحين في الشيشان، قبل أن تبدأ العلاقات في التحسن، ثم تتدهور من جديد وصولاً إلى الأزمة السورية. وفي عام 2007 قام الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بزيارته الأولى والوحيدة إلى الرياض والتي لم تردّها السعودية، حتى الزيارة الحالية.