على الرغم من إنفاق السعودية أكثر من 60 مليار دولار خلال السنوات العشر الأخيرة على برنامج الملك عبدالله للابتعاث، والذي دخل عامه العاشر مؤخراً، فإن معوقات كثيرة تحول دون تحقيق أكثر من 171 ألف مبتعث يدرسون في 32 دولة حول العالم، أحلامهم. وأخيراً، بدأت وزارة التعليم عقد جلسات عمل مع وزارات المالية والخدمة المدنية والعمل، بهدف تأمين وظائف مناسبة لهؤلاء الخريجين، علماً أن المرحلة الأولى من البرنامج التي بدأت عام 2005، لم تؤد إلى احداث تغيير حقيقي.
وسعت الدولة من خلال إقرار هذا البرنامج الطموح إلى تحسين فرص حصول هؤلاء على عمل أفضل، والإسهام في انفتاح السعودية على العالم، وتطويرها من الداخل. ويهدف البرنامج عمليا إلى تهيئة مواطنين سعوديين ليكونوا قادرين على الحلول محل العاملين الوافدين إلى البلاد في مختلف القطاعات. في المقابل، يلفت آخرون إلى هدف ثالث، وهو زيادة الانفتاح بين الشباب من خلال التعرف على ثقافات مختلفة.
ويحصل المقبولون في البرنامج على راتب شهري يتجاوز 1600 دولار، علماً أن الحكومة تتكفل بنفقات سفرهم ودراستهم بالكامل. وهناك نحو 120 طالباً يدرسون في هارفارد، علماً أن كلفة الفصل الدراسي الواحد تصل إلى أكثر من 40 ألف دولار.
وليس هناك شروط صعبة، على أن الشرط الأهم هو حصول الطالب على معدل 90 في المائة في الثانوية العامة، واجتياز اختبار القدرات الذي يخضع له بعد التخرج من الثانوية، والحصول على نسبة لا تقل عن 80%، وأيضاً الاختبار التحصيلي (في المرحلة الثانوية). وهناك شروط أخرى، وهي ألا يكون قد مر ثلاث سنوات على التخرج من الثانوية، وألا يزيد عمر الطالب عن 22 عاماً، بالإضافة إلى الحصول على شهادة في اللغة الإنجليزية أو لغة بلد الابتعاث قبل بدء الدراسة الجامعية.
ويدرس الطلاب السعوديون في دول عدة، من بينها كوريا الجنوبية واليابان والسودان والهند وماليزيا وإيطاليا. إلا أنهم عادة ما يفضلون الولايات المتحدة، ويدرس فيها 97592 طالباً، تليها بريطانيا التي يدرس فيها 17248 طالباً، ثم كندا (15055 طالباً)، وأستراليا (9345 طالباً)، وألمانيا (2406 طالباً). ويتواجد في كوريا الجنوبية 602 طالب.
ويتوجه آخرون للدراسة في دول عربية. ويوجد في الأردن 4642 طالباً، وفي الكويت 4052 طالباً، بالإضافة إلى 1778طالباً في الإمارات العربية المتحدة.
وأخيراً، علقت وزارة التعليم ابتعاث الطلاب إلى الدول العربية وتركيا وماليزيا وعدد من دول شرق آسيا بسبب ضعف التأهيل وخطورة الأوضاع الأمنية، مفصلة التركيز على الولايات المتحدة وأوروبا وأستراليا. ويمكن القول إن السعوديين يتواجدون بكثافة في الجامعات الأميركية، ويشكلون ثالث أكبر مجموعة من الطلاب الأجانب بعد الصينيين والهنود، وخصوصاً في جامعتي كانساس ستيت ومارشال في وست فرجينيا. لذلك، بدأت وزارة التعليم حصر الابتعاث في نحو 28 جامعة حول العالم، منها 12 جامعة أميركية و10 بريطانية. وتجدر الإشارة إلى أن السعودية تحتل المركز الأول عالمياً في عدد المبتعثين مقارنة بعدد السكان.
حضور نسائي
مع بدء المرحلة العاشرة من البرنامج، لم تعد الدراسة في الخارج حكراً على الرجال، علماً أن هناك 44089 طالبة سعودية في الخارج. في السياق، تقول مها عبدالله إن البرنامج فتح مجالات كثيرة أمام الفتيات الطموحات، لكن المشكلة الكبرى التي تواجههن هي شرط المُحرم. وتقول لـ "العربي الجديد": "في الوقت الحالي، تسافر كثير من الفتيات إلى الخارج للدراسة، ما يؤدي إلى تغيير كثير من مفاهيمهن". وترى أنهن "أمل التغيير في الداخل".
أمرٌ يجعل رجال دين كثر يعارضون البرنامج علناً، وعلى سبيل المثال، قال الداعية ناصر العمر: "إذا أدت المنح الدراسية إلى غربنة أبناء السعودية، فتخيلوا كيف ستغربن بناتها". إلا أن كثيراً من المعارضين للبرنامج علناً لا يترددون في دعم مشاركة أبنائهم. في المقابل، عارضت نورة الصاعدي الابتعاث، واعتبرته تغريباً. لكن بعد أشهر، سافر ابنها على نفقة الدولة لإكمال دراسته. كذلك فعلت ابنة الداعية عوض القرني التي تدرس في جامعة فلوريدا للتكنولوجيا. أيضاً، شنت الدكتورة نورة السعد حملة ضد الابتعاث على الرغم من أنها نفسها كانت ضمن المبتعثات، ودرست في جامعة منيوستا الأميركية.
وتحاول كثير من الفتيات السعوديات التحايل على شرط المحرم الإلزامي من خلال الزواج. في السياق، يقول الباحث أحمد الغامدي إن هذا الشرط لا يجب أن يكون إلزامياً، لعدم وجود ما يسوغه شرعاً. يضيف لـ "العربي الجديد" أن هذا اجتهاد من وزارة التعليم لإرضاء رجال الدين، لأن الأصل في سفر المرأة من دون محرم جائز، موضحاً أنه لا يوجد دليل شرعي يلزم المرأة البقاء مع محرم بصفة دائمة في أي مكان تقيم فيه.
بطالة
مشكلة أخرى يواجهها الطلاب المبتعثون بعد عودتهم إلى بلادهم، وهي عدم توفر وظائف لهم. ويقدر مسؤول في وزارة العمل عدد المبتعثين غير القادرين على الحصول على عمل مناسب بنحو 25 ألفاً من الجنسين. وقد حاولت وزارة التعليم وضع حلول لهذه المشكلة من خلال تغيير سياسة الابتعاث إلى برنامج "وظيفتك بعثتك"، والتنسيق مع المؤسسات لتأمين حصولهم على عمل قبل إرسالهم إلى الخارج. إلا أنه لن يبدأ العمل بالبرنامج قبل العام المقبل، ما يعني أن المبتعثين الـ 171 ألفاً الذين التحقوا بالدراسة قبل بدء البرنامج، سيعانون لإيجاد وظيفة مناسبة.
ويؤكد المتخصص في التوظيف زياد النحيت أن الابتعاث لن يحقق الهدف المرجو منه طالما لا توجد وظائف كافية. ويقول لـ "العربي الجدد": "علينا تعديل القوانين من أجل المبتعثين الراغبين في تسويق مؤهلاتهم وفق آليات حديثة ومقاييس عالمية لكي نضع الشخص المناسب في المكان المناسب".
اقرأ أيضاً: التعليم السعودية تمدد فترة تقديم طلبات "وظيفتك بعثتك"
ويعاني نحو 4 آلاف سعودي من حملة الشهادات العليا من البطالة. لهذا، يفضل كثير من المبتعثين البقاء في دولة الابتعاث والعمل فيها بدلا من العودة إلى السعودية. أيضاً، يتقدم كثير من الطلاب للحصول على الجنسية الأميركية، ما دفع وزارة التعليم إلى إيقاف بعثتهم فوراً. ويقول الملحق التعليمي للسفارة السعودية في الولايات المتحدة محمد العيسي: "من أراد الاحتفاظ بجنسيته الأميركية فليصرف على نفسه. لا نريد استثمار أبنائنا وبناتنا بهدف البقاء في تلك الدول عقب دراستهم، بل نريدهم أن يعودوا إلى الوطن".
وتجدر الإشارة إلى أنه لا يدرس الجميع على نفقة الدولة التي تمنح كل طالب 1600 دولار. فنحو 31045 منهم ما زالوا يدرسون على نفقتهم الخاصة على أمل الالتحاق بالبعثة والحصول على المميزات نفسها التي يحظى بها الطلاب الآخرون.
نماذج ناجحة
حقق عدد كبير من المبتعثين السعوديين نجاحات كبيرة في الخارج، على الرغم من عدم قدرتهم على تحقيق النجاح عينه في بلادهم. منهم الباحث وطالب الدكتوراه حسام زواوي الذي يدرس في أستراليا، وقد نجح في اكتشاف طريقة لتحديد البكتيريا الخارقة خلال ثلاث ساعات، بدلاً من أربعة أيام. ووصفت مجلة "التايم" الأميركية هذا الاكتشاف بأنه "سيغير العالم وينقذ البشرية".
أيضاً، نجحت غادة المطيري، المتخصصة في الهندسة الكيميائية، في اكتشاف معدن يسمح بدخول الضوء إلى جسم الإنسان، ما يسهل الدخول إلى الخلايا من دون الحاجة إلى عمليات جراحية. في الوقت الحالي، تشغل منصب رئيسة مركز أبحاث جامعة كاليفورنيا في سان دييغو في الولايات المتحدة. فيما اكتشفت المبتعثة السعودية في بريطانيا داليا بخاري تقنيات جديدة لإحياء الخلايا الجذعية.
تطول القائمة. لكن أحد أهم الإنجازات في العام 2014، حصول المبتعث السعودي يوسف هوساوي على جائزة أفضل باحث على مستوى أوروبا من الجمعية البريطانية لأبحاث السرطان، خلال المؤتمر الوطني البريطاني لأبحاث السرطان والمنعقد في ليفربول.
اقرأ أيضاً: "التعليم السعودية" تؤمّن وظائف لـ41 ألف مبتعث جديد