في الأيام الأخيرة، تصاعدت وتيرة الإصابات بفيروس كورونا المستجدّ في ولاية سطيف، شرقي الجزائر؛ حيثُ قفزت الحالات المؤكّدة فيها إلى قرابة ألف حالة، لتحتلّ بذلك المرتبة الثالثة بعدَ كلّ من البُليدة والجزائر العاصمة. وهذا الوضعُ لم ترافقه إجراءاتٌ استثنائية ملموسة للحدّ من تفشّي الوباء في الولاية التي تُعدّ الثانية في الجزائر من حيث عدد السكّان بعد العاصمة، رغم تنصيب "خلية أزمة" على مستوى الولاية، بينما اكتفت وزارة الصحّة بالإعلان عن تشكيل لجنة تحقيقٍ في الوضعية الوبائية في المدينة.
ثقافياً، لم تكُن سطيف بحاجةٍ إلى ظهور فيروس كورونا لتُغلق فضاءاتها الثقافية القليلة أصلاً، والتي نادراً ما تنشط خلال أيام السنة؛ إذ تكاد التظاهرات والأنشطة الثقافية تغيب تماماً عن المدينة، باستثناء بعض الفعاليات التي تُنظَّم بمبادرات فردية، وباستثناء "مهرجان جميلة العربي" الذي يُعدُّ التظاهرة الثقافية الأبرز فيها، وإن اقتصرت على الجانب الموسيقي.
لا حديث حتى الآن عن دورة هذا العام من المهرجان الذي يُقام في تمّوز/ يوليو من كلّ عام. لكنَّ استمرار الوباء وعدم ظهور مؤشّراتٍ تُفيد بانحصاره في وقتٍ قريب يؤكّدان أنَّ التظاهرة ستُلغى هذه السنة، شأنها في ذلك شان بقية المهرجانات التي أُلغيت تماماً أو عُمد إلى تنظيم نسخٍ افتراضية منها. أمّا موقع "كويكول" الأثري في مدينة جميلة (على بعد خمسين كيلومتراً شرق سطيف) والذي يحتضن مسرحُه الروماني فعاليات التظاهرة، فقد استمرّ في استقبال زوّاره بشكل عادي، قبل أن يُغلَق في منتصف آذار/ مارس الماضي شكلٍ مؤقّت.
بُنيت مدينة جميلة (أو كويكول حسب اسمها الروماني)، التي صُنّفت ضمن قائمة التراث العالمي عام 1982، في عهد الإمبراطور الروماني نيرفا (30 - 98 م)، وهي تتوزّع على مساحة 42 هكتاراً، وتضمّ قرابة 42 معلماً أثرياً؛ من بينها الحمّامات الرومانية وقوس النصر الذي يعود بناؤه إلى سنة 216 ميلادية، إضافة إلى المسرح الروماني الذي يتّسع لثلاثة آلاف متفرّج. وبحسب المتخصّصين، فإنّ قرابة 33 هكتاراً من المدينة الأثرية لا تزال مطمورةً تحت الأرض.
وقال مدير الثقافة في سطيف، سمير الثعالبي، في تصريحاتٍ صحافية حينها، إنّ غلق الموقع والمتحف التابع له يأتي ضمن الإجراءات الاحترازية المتّخَذة لمواجهة الوضع الاستثنائي المتعلّق بخطر تفشّي فيروس كوفيد-19، رابطاً القرار بتسجيل الموقع توافداً قياسياً للزوّار. وبذلك انضمّ الموقع الأثري إلى العديد من الفضاءات الثقافية في الولاية، والتي أغلقت أبوبها منذ تفشّي الوباء؛ مثل المكتبات والمتحف والمسرح وصالات العروض وقاعات المحاضرات.
وليس واضحاً بعد مرور ثلاثة أشهر ما إذا كانت الفضاءات الثقافية في سطيف، وفي الجزائر بشكلٍ عام، ستفتح أبوابها في القريب العاجل، أمّ أنّ ذلك سيتأخّر إلى إشعار آخر، خصوصاً أنَّ احتمالية تمديد الحجر الصحّي - المقرَّر حتى الخامس والعشرين من الشهر الجاري - تبقى قائمةً في ظلّ الأرقام الحالية.
وكانت وزيرة الثقافة الجزائرية، مليكة بن دودة، قالت في تصريحاتٍ صحافية قبل أيام إنّ رفع القيود المفروضة على زيارة المتاحف وإعادةَ فتح المؤسّسات الثقافية سيتمّان بطريقة تدريجية، مضيفةً: "لا يمكنني أن اتّخذ بمفردي قرار إعادة فتح المؤسسات الثقافية المغلقة منذ آذار/ مارس الماضي في اطار الاجراءات الوقائية المتخذة من طرف الدولة منذ ظهور فيروس كورونا".