تشير ملابسات سحب المشروع المصري من مجلس الأمن بخصوص المستوطنات الإسرائيلية، إلى أن الخطوة جاءت نتيجة ضغوط إسرائيلية و"ترامبية" رضخ لها الرئيسان الأميركي باراك أوباما والمصري عبد الفتاح السيسي.
الأول كشف عن تراجع ملتوٍ، جرياً على عادته، في اللحظة الأخيرة. والثاني تذرع على ما يبدو بضبابية ورخاوة الموقف الأميركي، ليطلب تأجيل التصويت على مشروع القرار وربما ضمناً صرف النظر عنه كلياً. كلاهما هرب وتسبب بنسف المبادرة التي طال انتظارها. لكن ليس من الواضح من كان منهما الأسبق.
مشروع القرار هذا جرى طبخه في الآونة الأخيرة، بين واشنطن والقاهرة. وكان مسؤول رفيع المستوى في الخارجية الأميركية قد لمح إليه بصورة مبطّنة قبل أقل من أسبوعين. حيث أوحى وبثقة بأن خطوة ما قادمة قريباً، على الصعيد الفلسطيني الإسرائيلي.
ولمّا كان هناك تردد في الأشهر الأخيرة بأن الرئيس أوباما ينوي اختتام عهده باختراق فلسطيني نوعي، فقد جاء التلميح لينعش التكهنات بأن إدارة أوباما قد تقدم على خطوة من نوع الاعتراف بالدولة أو طرح مشروع قرار بهذا الاعتراف في مجلس الأمن، أو على الأقل بإدانة المستوطنات وتصنيفها في خانة لا قانونية. ما جعل الدوائر الأميركية التي تلعب دور الناطور الإسرائيلي في واشنطن، تشن آنذاك شبه حملة لتحذير أوباما من المضي في هذا التوجه.
مع ذلك وبالرغم من ضبابية الصيغة الخجولة واقتصارها على نقاط ينعقد حولها إجماع عام في هذا الخصوص، اهتز موقف الإدارة المهتز أصلاً وتلكأت في حسم موقفها الذي قاد إلى سحب مصر للمشروع ووقف التصويت عليه، بزعم "إجراء المزيد من المشاورات" التي ليس أمامها سوى احتمالين: إما إعادة صياغة المشروع لتجويفه من أي مضمون له طابع الإدانة وجعله أقرب إلى التمني على إسرائيل لوقف الاستيطان، وإما دفنه في مهده.
الواضح أن التراجع الأميركي المصري، حصل بنتيجة ضغوط متعددة، شاركت فيها إسرائيل ومفاتيحها الأميركية، فضلاً عن الرئيس المنتخب ترامب الذي لم يتردد في إملاء موقفه على الإدارة وبصورة علنية عبر تويتر. وخاطب الرئيس أوباما بالمعزوفة نفسها التي تلطّت إدارته خلفها والتي تزعم بأن "السلام يأتي عبر المفاوضات وليس عن طريق الإرغام عبر الأمم المتحدة".
ذريعة واهية طالما استخدمتها واشنطن لتعفي نفسها من النهوض بالدور المطلوب لترجمة حل الدولتين. وكأن قدر الرئيس كما أسلافه، النزول عند مشيئة إسرائيل ونواطيرها في واشنطن. واليوم يستخدم ترامب هذه المقولة المخادعة ضد أوباما لحمله على إحباط محاولة استصدار قرار إدانة للمستوطنات من مجلس الأمن. ويبدو أن الرئيس المنتخب، الذي لا يستبعد أن يكون قد مارس ضغوطه على الرئيس المصري في موضوع القرار، كان له ما أراد.
في المقابل، بدا الرئيس الفعلي وكأنه يبرهن مرة أخرى على أنه أستاذ التراجع والمواقف الباهتة. خاصة عندما يتعلق الأمر بالملف الفلسطيني، ولو أنه كان صادقاً في رغبته بتحقيق إنجاز الدولة الفلسطينية.
كان المطلوب والمأمول أن يكلل الرئيس أوباما رئاسته قبل المغادرة، بموقف كبير يشكل نقطة تحول في تاريخ القضية الفلسطينية ويعوّض بعض الشيء عن ذنب الدعم الأميركي المطلق لإسرائيل، والذي ساهم هو الآخر فيه وبقسط وافر. لكن شروط مثل هذه القفزة غير متوفرة لديه. النية وحدها عملة لا تُصرف.