31 أكتوبر 2024
ستيف جوبز وعيلان الكردي
قبل حوالى شهر، ظهر على أحد جدران مخيم كاليه شمال فرنسا، الذي يضم بضعة آلاف من اللاجئين، رسم غرافيتي لفنان بريطاني، يوقع باسم بانكسي، وهو رسام شهير بقدر ما هو غامض، حصل في العام 2007 على جائزة أهم فنان يعيش في بريطانيا. يمثل الرسم بالحجم الطبيعي ستيف جوبز، مؤسس شركة آبل، على هيئة لاجئ يحمل بيد جهاز آبل قديم، وبالأخرى حقيبة لأغراضه الشخصية، وقد كتب إلى جوار الرسم: ابن مهاجر من سورية. أراد الفنان لفت الانتباه إلى معاناة اللاجئين هناك، وإثارة التعاطف معهم، مستفيداً من أن العبقري جوبز ابن مهاجر من سورية.
في سعيه إلى إثارة التعاطف مع اللاجئين، يخاطب الرسام الحس النفعي في المجتمع الغربي، لكي يكسب تعاطفه: من يدري، قد يكون بين هؤلاء اللاجئين من أمثال ستيف جوبز الذي أسس إحدى أكبر الشركات الأميركية، والتي تبلغ قيمة ضرائبها السنوية حوالى 7 مليارات دولار. وسبق لكاتب غربي آخر أن قال لو أن أميركا وقفت في وجه المهاجرين لما كان لدينا اليوم شركة غوغل، في إشارة إلى سيرجي برين، أحد مؤسسي "غوغل"، وهو ابن عائلة روسية مهاجرة.
في الحالتين، يستند المسعى التعاطفي مع اللاجئين إلى المبدأ النفعي الذي يفتقر، في بعده العميق، إلى الحس الإنساني الفعلي. تماماً كما اعتدنا أن نسمع، أو نقرأ، من يتأسف على وفيات الأطفال، فيقول كان يمكن أن يكون بينهم الطبيب والمهندس والعالم ..إلخ، وكأن مبرر الحرص على حياة الطفل تنبع من وظيفته وفائدته المستقبلية بالدرجة الأولى. ولكن، ماذا بشأن "الناس العاديين"؟ هل يحتاج الإنسان إلى أن يكون مبدعاً لتصبح مساعدته واجبة؟ هل من الإنسانية أن نرهن مساعدتنا أحداً، ولو بشكل مضمر، باحتمال نفع ما أو مكافأة ما لاحقة؟ ألا يكفي أن يكون إنساناً؟ ثمة خيط واضح من اللاإنسانية في هذه الدعوة الإنسانية.
وقد نشرت مجلة شارلي إيبدو الفرنسية، أخيراً، رسماً استعملت فيه صورة الطفل السوري الغريق عيلان الكردي، بتوقيع رئيس التحرير، لوران سوريسو (يوقع باسم Riss) في مسار معاكس لموجة إثارة التعاطف، بمخاطبة الجانب النفعي في المجتمع وتحريضه. يتناول الرسم موضوع تحرّش لاجئين في محطة القطار في كولونيا في ألمانيا جنسياً بنساء، ليلة رأس السنة الميلادية. في رسمه الساخر، يسأل ريس، وقد وضع رسم صغير للطفل السوري عيلان في الزاوية، فوق رسم يمثل لاجئين يطاردون النساء: لو كبر الصغير عيلان ماذا كان سيصبح؟
في السؤال إجابة مضمرة، تعني إنه كان سيصبح متحرشاً بالنساء مثل الذين يظهرهم الرسم. تطعن "شارلي إيبدو"، في هذا الرسم، الإنسانية مراراً في لحظة واحدة، طعنةً حين يريد الرسم أن يقول إن في جينات الطفل الغريق ما سيجعله متحرشاً بالنساء، بصرف النظر عن الثقافة والمحيط الاجتماعي والحضاري الذي سوف ينشأ فيه. وطعنة حين يريد أن يجعل اللاجئين أمة واحدة على غرار أسوأ الأفراد بينهم. وطعنة حين يريد أن يقيم حدوداً عازلة بين المجتمعات المتحضرة (التي لا تتحرّش بالنساء بتاتاً) والمجتمعات الهمجية (التي يشكل التحرّش بالنساء ديدناً لها). كما يطعن الرسم الشعار الذي سار تحته المتضامنون مع "شارلي إيبدو"، بعد تعرّضها للاعتداء قبل حوالى السنة: "الحب أقوى من الكراهية".
الطبيعي أن الغالبية العظمى من اللاجئين ليسوا مبدعين، وأن الغالبية العظمى منهم ليسوا متحرّشين بالنساء. وكما أن دغدغة الحس النفعي لدى المجتمع الغربي، لإقناعه بقبول اللاجئين لا تتماشى مع الحس الإنساني الجامع، كذلك إثارة رفض المجتمع الغربي اللاجئين بتصويرهم جماعة يوحدّها الشذوذ، لا تتماشى مع المعايير الإنسانية، ولا أيضاً مع معايير حرية التعبير، وتنضوي فقط في خانة العنصرية وإثارة الكراهية.
في سعيه إلى إثارة التعاطف مع اللاجئين، يخاطب الرسام الحس النفعي في المجتمع الغربي، لكي يكسب تعاطفه: من يدري، قد يكون بين هؤلاء اللاجئين من أمثال ستيف جوبز الذي أسس إحدى أكبر الشركات الأميركية، والتي تبلغ قيمة ضرائبها السنوية حوالى 7 مليارات دولار. وسبق لكاتب غربي آخر أن قال لو أن أميركا وقفت في وجه المهاجرين لما كان لدينا اليوم شركة غوغل، في إشارة إلى سيرجي برين، أحد مؤسسي "غوغل"، وهو ابن عائلة روسية مهاجرة.
في الحالتين، يستند المسعى التعاطفي مع اللاجئين إلى المبدأ النفعي الذي يفتقر، في بعده العميق، إلى الحس الإنساني الفعلي. تماماً كما اعتدنا أن نسمع، أو نقرأ، من يتأسف على وفيات الأطفال، فيقول كان يمكن أن يكون بينهم الطبيب والمهندس والعالم ..إلخ، وكأن مبرر الحرص على حياة الطفل تنبع من وظيفته وفائدته المستقبلية بالدرجة الأولى. ولكن، ماذا بشأن "الناس العاديين"؟ هل يحتاج الإنسان إلى أن يكون مبدعاً لتصبح مساعدته واجبة؟ هل من الإنسانية أن نرهن مساعدتنا أحداً، ولو بشكل مضمر، باحتمال نفع ما أو مكافأة ما لاحقة؟ ألا يكفي أن يكون إنساناً؟ ثمة خيط واضح من اللاإنسانية في هذه الدعوة الإنسانية.
وقد نشرت مجلة شارلي إيبدو الفرنسية، أخيراً، رسماً استعملت فيه صورة الطفل السوري الغريق عيلان الكردي، بتوقيع رئيس التحرير، لوران سوريسو (يوقع باسم Riss) في مسار معاكس لموجة إثارة التعاطف، بمخاطبة الجانب النفعي في المجتمع وتحريضه. يتناول الرسم موضوع تحرّش لاجئين في محطة القطار في كولونيا في ألمانيا جنسياً بنساء، ليلة رأس السنة الميلادية. في رسمه الساخر، يسأل ريس، وقد وضع رسم صغير للطفل السوري عيلان في الزاوية، فوق رسم يمثل لاجئين يطاردون النساء: لو كبر الصغير عيلان ماذا كان سيصبح؟
في السؤال إجابة مضمرة، تعني إنه كان سيصبح متحرشاً بالنساء مثل الذين يظهرهم الرسم. تطعن "شارلي إيبدو"، في هذا الرسم، الإنسانية مراراً في لحظة واحدة، طعنةً حين يريد الرسم أن يقول إن في جينات الطفل الغريق ما سيجعله متحرشاً بالنساء، بصرف النظر عن الثقافة والمحيط الاجتماعي والحضاري الذي سوف ينشأ فيه. وطعنة حين يريد أن يجعل اللاجئين أمة واحدة على غرار أسوأ الأفراد بينهم. وطعنة حين يريد أن يقيم حدوداً عازلة بين المجتمعات المتحضرة (التي لا تتحرّش بالنساء بتاتاً) والمجتمعات الهمجية (التي يشكل التحرّش بالنساء ديدناً لها). كما يطعن الرسم الشعار الذي سار تحته المتضامنون مع "شارلي إيبدو"، بعد تعرّضها للاعتداء قبل حوالى السنة: "الحب أقوى من الكراهية".
الطبيعي أن الغالبية العظمى من اللاجئين ليسوا مبدعين، وأن الغالبية العظمى منهم ليسوا متحرّشين بالنساء. وكما أن دغدغة الحس النفعي لدى المجتمع الغربي، لإقناعه بقبول اللاجئين لا تتماشى مع الحس الإنساني الجامع، كذلك إثارة رفض المجتمع الغربي اللاجئين بتصويرهم جماعة يوحدّها الشذوذ، لا تتماشى مع المعايير الإنسانية، ولا أيضاً مع معايير حرية التعبير، وتنضوي فقط في خانة العنصرية وإثارة الكراهية.