من أكبر علامات ترنح ولاية أي رئيس أميركي، بداية خسارة المرشحين الذين يدعمهم في انتخابات الكونغرس التمهيدية. وهذا الاتجاه بدأ مع الرئيس دونالد ترامب، ما يعكس بوادر تحول في المزاج العام داخل الحزب الجمهوري، أو على الأقل استعداداً غير مسبوق لتحدي سيطرة ترامب المطلقة على الحزب منذ أربع سنوات. لكن هذا التحول يظهر تشدد القاعدة المحافظة على يمين ترامب، وليس صعود تيار معتدل داخل الحزب. كما تعكس المؤشرات الأولى لانتخابات الكونغرس، في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، نكسات متتالية للقيادة التقليدية في الحزب الديمقراطي أمام موجة من الجيل الجديد للمرشحين التقدميين.
كان ترامب يتباهى بأن لديه سجلاً لا تشوبه شائبة في دعم مرشحين، وضمان فوزهم تلقائياً، لكن هذا الأمر تغير في يونيو/حزيران الماضي، مع هزيمة ثلاثة مرشحين أعلن الرئيس تأييده لهم في انتخابات الكونغرس التمهيدية للحزب الجمهوري. الناشطة المحافظة على حق امتلاك الأسلحة لورن بوبرت هزمت النائب الجمهوري الذي نال دعم ترامب، سكوت تيبتون، في انتخابات الحزب التمهيدية عن الدائرة الثالثة في ولاية كولورادو. بوبرت كسبت شهرة لامتلاكها مطعماً يسمح لموظفيه بحمل الأسلحة النارية أثناء عملهم، كما هي من مؤيدي مجموعة "كيو أنون" التي تروج لنظرية المؤامرة في عداء "الدولة العميقة" لترامب. هذه الدائرة الانتخابية التي تميل إلى الجمهوريين تقع في ريف كولورادو، وآخر مرة انتخبت فيها نائباً ديمقراطياً يمثلها كانت في العام 2008 عندما فاز الرئيس السابق باراك أوباما في أول انتخابات رئاسية.
هزم ثلاثة مرشحين أعلن ترامب تأييده لهم في انتخابات الكونغرس التمهيدية للحزب الجمهوري
النائب الجمهوري الثاني الذي سقط هو الضابط الاستخباراتي السابق في القوات الجوية دينفر ريغلمان، الذي لم يساعده دعم ترامب على تجاوز غضب نشطاء الحزب منه بعدما قام بإدارة حفل زواج مثلي، وخسر أمام الرياضي السابق في الدائرة الخامسة لولاية فيرجينيا، الذي يصف نفسه بأنه "محافظ توراتي". اللافت في هذه الانتخابات التمهيدية أنها تمت في مؤتمر حزبي عبر تصويت 2400 مندوب فقط، بدل أن تكون عبر اقتراع تقليدي مفتوح للناخبين الجمهوريين. لكن قانون الولاية يسمح لقيادة الحزب باتباع هذا المسار، الذي أثار انتقادات كثيرة. المرشحة الجمهورية الثالثة التي خسرت، بالرغم من أن ترامب وكبير موظفي البيت الأبيض مارك ميدوز قدّما الدعم لها، كانت ليندا بينيت في الدائرة الحادية عشرة من ولاية كارولينا الشمالية أمام الشاب ماديسون كاوثورن (24 سنة).
وإذا كان هذا لا يكفي، فإن المرشحين الذين تحدوا ترامب، تمكنوا من الفوز بالانتخابات، مثل النائب توماس ماسي عن الدائرة الرابعة لولاية كنتاكي الذي تهجم عليه ترامب شخصياً قبل أشهر، بعدما قام بعرقلة حزمة المساعدات في الكونغرس لتخفيف التداعيات الاقتصادية لفيروس كورونا.
ترامب اضطر لأن يتأقلم ويدعم المرشحين الفائزين، لكن قد يبدأ بعض النواب الجمهوريين الحاليين بالشعور بأنه عبء انتخابي عليهم، وقد يتجرأ آخرون على تحديه من دون الخشية من التبعات، وهذا اتجاه غير مسبوق بعدما تمكن ترامب في السنوات الأخيرة من إقصاء كل من يعارضه. كما سيؤدي توسع نفوذ القوى المحافظة في هذه الانتخابات التمهيدية إلى اتجاه لدى ترامب لأخذ مواقف أكثر تشدداً في نهاية ولايته الأولى، وهو بدأ فعلاً، عبر وقف دعمه لمشروع إصلاح العدالة الجنائية، حيث وضع اللوم على صهره وكبير مستشاريه جاريد كوشنر لإقناعه بالسير بهذا المشروع الذي ترفضه القاعدة المحافظة، لأنه يقوض مهام سلطات فرض القانون. ويبدو أن ترامب يفضل إرضاء القاعدة، بدل المغامرة في مشروع إصلاحي قد لا يؤمن له الكثير من أصوات الأفارقة الأميركيين في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
توسع نفوذ القوى المحافظة في الانتخابات التمهيدية قد يؤدي إلى اتجاه لدى ترامب لأخذ مواقف أكثر تشدداً في نهاية ولايته الأولى
هناك اتجاه لخسارة مدوية للجمهوريين في انتخابات الكونغرس في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، إذ ذكر استطلاع لـ"سوفولك" أن الناخبين الأميركيين يفضلون، بفارق 14 نقطة، سيطرة ديمقراطية على الكونغرس، ما يعكس تحولاً بالنسبة لتوقعات العام الماضي التي كانت تحسم تمسك الجمهوريين بأكثرية مجلس الشيوخ، لا سيما في ولايات محورية مثل أريزونا وميشيغن وكارولينا الشمالية. هذا يعني أن معركة مجلس الشيوخ أصبحت محتدمة، وحتى لو فاز ترامب بالانتخابات الرئاسية فإن هناك احتمالاً بأن يدخل في مواجهة مع كونغرس تحت سيطرة ديمقراطية كاملة، ما يؤدي إلى صراع مستمر بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، مع قدرة محدودة على إنجاز أي شيء تشريعياً.
وبعدما كان الوباء منتشراً في ولايات تميل إلى الديمقراطيين في مرحلته الأولى، انتقلت الإصابات الكبيرة إلى ولايات تميل إلى الجمهوريين، أو محورية، مثل فلوريدا وأريزونا وتكساس، ما زاد الضغوط الشعبية على الرئيس وتعامله مع هذه الأزمة الصحية العامة. وفيما امتنعت القيادات الجمهورية عن انتقاد إدارة ترامب لمرحلة الوباء، فإنها لم تشِد بجهوده أيضاً. كما انتقدت أبرز القيادات الجمهورية في مجلس الشيوخ ترامب ضمنياً لعدم تشجيعه الإجراءات الوقائية ضد كورونا، ما اضطر بنائب الرئيس مايك بنس إلى معاودة اجتماعات لجنة عمل البيت الأبيض حول الفيروس، بعدما كان هناك اتجاه لتفكيكها أو تحويلها إلى خلية لإعادة فتح الاقتصاد. كما تزداد الضغوط الجمهورية في مجلس الشيوخ على البيت الأبيض لإيضاح التسريبات حول علم الرئيس بالمكافآت الروسية لحركة "طالبان" لاستهداف القوات الأميركية في أفغانستان.
أما على الضفة الديمقراطية، فإن هناك صراعاً بين القيادة التقليدية والقوى اليسارية والتقدمية في الانتخابات التمهيدية، بحيث خسر النائب عن الدائرة الثالثة في ولاية إيلينوي دان ليبنسكي أمام المرشحة التقدمية ماري نيومان. كما أن هناك اتجاهاً لإعلان هزيمة النائب المخضرم (32 سنة في الكونغرس) عن الدائرة السادسة عشرة في ولاية نيويورك إليوت أنغل، اليهودي الأميركي النافذ في لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، حيث يتوقع أن يخسر أمام جمال بومان، وهو مدير مدرسة متوسطة في الدائرة نفسها، بعد الانتهاء من تعداد الأصوات عبر البريد.
هناك مجموعة من المرشحين المعارضين الشباب، ولا سيما من النساء والأقليات، تفوز في الانتخابات التمهيدية على القيادات التقليدية، وتمثل تحدياً للحزب الديمقراطي في إدارة صراعاته الداخلية في الكونغرس. تداعيات فيروس كورونا التي كشفت عورات النظام الصحي الأميركي والاحتجاجات الشعبية المنددة بعدم المساواة العرقية واستخدام الشرطة للعنف المفرط ضد الأفارقة الأميركيين، كلها عوامل أدت إلى الإسراع في مسار تحدي القيادات التقليدية في الانتخابات التمهيدية، ولا سيما من الجيل الجديد من الليبراليين، الذين يعتبرون أن القيادة الحالية لا تقوم بما يكفي لتقدم الأجندة الليبرالية في الكونغرس.