ساعدوا جزر القمر

13 ديسمبر 2016
+ الخط -
عندما كنت طفلا، قرأت تحقيقاً مصوراً في مجلة العربي الكويتية التي كانت توفر لقرائها العرب مادة معرفية مهمةً ومتنوعة، ما جعلها مصدراً مهماً من مصادر الثقافة العربية لأجيال متتالية. قرأت تحقيقاً عن بلد عربي اسمه جزر القمر.
وجدت نفسي أتجول بين شوارع وجزر هذا البلد الذي يجمع بين جمال الطبيعة والفقر الواسع. هذا البلد الذي لا يتجاوز عدد سكانه المليون نسمة، والمتمسّك بإسلامه وعروبته لم يحظ حتى الآن بالتفاتة جدية من العرب، حكومات ومستثمرين، لمساعدته على الخروج من المطب الذي يتخبط فيه، في حين أن بلداً مجاورا له، هو جزيرة موريس، نجحت في إنجاز قفزة نوعية في فترة وجيزة، عندما وجدت السند والنخبة الطموحة والقادرة.
لا يزال بعض مثقفي جزر القمر يحمّلون الاستعمار الفرنسي جزءاً مهماً من مسؤولية تردّي أوضاعهم، إذ خلافاً للاستعمار البريطاني، لم يسع الفرنسيون إلى وضع بعض الأسس التي من شأنها أن تساعد مستعمراتهم القديمة على الارتقاء، بعد حصولهم على الاستقلال، ويعتبر هؤلاء المثقفون أن القارة الإفريقية يمكن أن تشكل مثالاً للمقارنة بين الدول الفرنكفونية والدول التي كانت خاضعةً للأنجلوسكسون. وقد يساعد هذا العامل على فهم جانبٍ من العوائق البنيوية، لكنه لا يفسر كل شيء. فالظاهرة تبقى أكثر تعقيداً.
مما لاحظته في زيارتي وجود خوفٍ بدأ ينتاب جزءاً واسعا من نخبة هذا البلد. خوف من أن ينتقل ما يسمونه الصراع الإيراني السعودي إلى بلدهم. إذ على الرغم من أن جزر القمر لا توجد فيها ظاهرة التطرّف العنيف التي أصابت معظم الدول العربية والإسلامية، بحكم أن الشعب هناك مسلم سني، ومتمسك بالمذهب الشافعي، وهو ما تم التنصيص عليه عمداً في الدستور، لكن بعض المؤشرات بدأت تطل برأسها، ويخشى أن تدخل المجتمع والدولة في دوامةٍ مكلفة.
هناك حديث بين الناس عن وجود حركة تشيّع متسارعة، تقف وراءها أطرافٌ يقال إنها إيرانية، وهو ما تنفيه طهران. وفي المقابل، هناك جزء من النخبة التي تعلمت وتخرجت من الجامعات السعودية، وعادت إلى البلد متأثرةً بما يعرف بالفكر الوهابي، حتى أن بعضهم اتخذوا لأنفسهم مسجداً خاصاً بهم، أطلقوا عليه اسم مسجد أهل السنة والجماعة، في إشارة واضحة إلى إقصاء كل من ليس على منهجهم من دائرة "السنة والجماعة".
ولا يقتصر الأمر فقط عند اعتبار الشيعة خارج هذه الدائرة التي تعني، عند أصحابها، الإسلام الصحيح، بل تشمل عملية الإقصاء أيضاً الصوفيين الذين يشكلون تياراً واسعاً وقديماً في بلاد جزر القمر.
السؤال اليوم الذي يثير قلق كثيرين، ما الجدوى من زرع (ونقل) هذه الخلافات الفرعية التي يمكن أن تتطور، وتتحول إلى فتنةٍ لا يعرف أحد حجم أضرارها. إذ لا يكفي أن البلد لم يتلق الدعم المالي المطلوب من العرب والمسلمين، بل ها هو أيضاً مهدّد بأن تنقل إليه صراعات هامشية، ولكنها خطيرة قد تجهز على حالة الاستقرار التي ينعم بها على الأقل.
من تداعيات هذا الصراع على النفوذ في منطقة الشرق الأوسط، والتخفي وراء التنافس الديني والأيديولوجي المحموم، أن بلداً مثل فرنسا التي لا تزال متمسكة بفرض انتدابها على ثالث أكبر جزيرة من جزر القمر، على الرغم من صدور قرارات عديدة عن الأمم المتحدة، تدعوها إلى إنهاء هذا الشكل من الاستعمار المباشر، فإن المستفيد الأكبر من احتمال نشوب صراع طائفي، أو بروز مؤشرات تطرّف قد يصبح عنيفا، هي بالتأكيد فرنسا التي ستبرّر استمرار انتدابها، وستقدم نفسها مدافعاً عن الأمن والسلام في جزر القمر التي تقع في منطقة استراتيجية مفتوحة على قارتي أفريقيا وآسيا.
أليس كثيراً على سكان هذه البلد، الهادئ والمتجانس والفقير، أن يقع دفعهم بقوة نحو اللجوء إلى مستعمرهم القديم، ليحميهم ممن يفترض فيهم أن يكونوا شركاء لهم في التاريخ والعقيدة والمصير.
266D5D6F-83D2-4CAD-BB85-E2BADDBC78E9
صلاح الدين الجورشي

مدير مكتب "العربي الجديد" في تونس