في مدينة مدنين، جنوبي تونس، سوق تاريخي مُخصّص لأعمال الحدادة، وغيرها من الورش، معروف باسم "زقاق الحدادين". الجدران المتسخة التي فقدت ألوانها الأساسية منذ زمن طويل، دفعت مجموعة من الشباب إلى تنظيفها وتزيينها بإمكاناتهم البسيطة وبدعم من بلدية المنطقة.
"كانت البداية بتقديم مقترح إلى البلدية لتوفير المواد اللازمة. وقد مكنتهم موافقة البلدية من توفير كلّ ما يلزم لتزيين جدران بعض الأزقة القديمة هناك وواجهات المحلات وحتى البيوت"، بحسب مراد عتيق، أحد مؤسسي المبادرة. أطلقوا عليها عنوان "بلمتنا نزينو حومتنا"، ليساهم فيها عشرات الفنانين والخطاطين والشباب الذين تولوا الأعمال، بالإضافة إلى مواطنين ساهموا في توفير الطلاء والأوعية من مختلف الأشكال والأحجام، وزرع النباتات والورود في الشارع.
يقول عتيق إنّ تلك الأزقة كانت مهجورة من المارة في أغلب الأحيان، بسبب الخوف منها. لكن باتت اليوم تتميز بنشاط كبير للسكان الذين يدفعهم الفضول إلى رؤية كيف تغيّر شكلها، بل شهدت حتى زيارة عدد من السائحين.
بينما تتجوّل في المكان، تلحظ تلك اللوحات الفنية التي رسمتها أنامل أبناء المنطقة. اختاروا رسم ما يعبّر عن الجهة وخصوصيتها. ولأنّها منطقة تشتهر بأعمال الحدادة التي صبغت المكان باللون الداكن على مدى سنوات، فقد اختار بعض الشباب رسم صور أكبر حرفيي أعمال الحدادة هناك وأقدمهم.
لم تكن تلك المبادرة الأولى من نوعها التي يطلقها الشباب لتزيين إحدى المناطق أو الشوارع في تونس، ولم تكن خاصة بجهة مدنين وحدها، فقد تكررت تلك المبادرات في عدّة محافظات، واختار فيها الشباب تزيين الشوارع الرئيسة فقط. لكنّ أبناء مدنين اختاروا تزيين شوارع فرعية وأزقة ضيقة بالقرب من محلات الحرفيين، وفي أكثر الشوارع التي تنتشر فيها الفضلات ولا يجري تنظيفها بصفة مستمرة كما لم يرمم أغلب جدرانها منذ عشرات السنين.
تمتاز المنطقة بزيارة سكان المدينة لها، خصوصاً خلال الأيام التي تسبق عيد الأضحى، بهدف سنّ (تجليخ) السكاكين، وكلّ المواد اللازمة للعيد. لذلك، اختار الشباب إطلاق مبادرتهم قبل أيام فقط من العيد، لتوعية أغلب سكان المنطقة والحرفيين بضرورة الحفاظ على نظافة هذا المكان الذي تتحوّل أغلب أركانه إلى مكبات نفايات خلال أيام العيد، إلى جانب إثبات أنّ تجميل المكان لا يحتاج إلى وقت طويل أو إمكانات كبيرة حتى يصبح مزاراً للسائحين بالرغم من بساطته.
يوضح عبد الكريم جامعي، وهو أحد المبادرين، بثقة كبيرة "أهمّية مساهمة أبناء الحي وسكان المنطقة في تلك المبادرة لتغيير واجهة الجدران الباهتة إلى رسومات مختلفة، وتغيير الأبواب من اللون الداكن الموحد إلى ألوان عديدة. ولم تكن التغييرات البسيطة للشباب هي الغاية الأخيرة من المشروع البيئي، بقدر ما كانت غايتهم تحفيز الحرفيين وأصحاب المحلات هناك على تحسين الواجهات وجعلها أكثر جاذبية للسائحين، بالإضافة إلى توعية أبناء المنطقة حول قدرتهم على تغيير منطقتهم بأنفسهم من دون انتظار جهود عمال النظافة أو البلديات".
وعن مبادرة "بلمتنا نزينو حومتنا"، يقول إنّ "فكرة الحملة أو المبادرة كانت بسيطة جداً، وهي طلب توفير بعض الألوان، لكن سرعان ما لاحظنا انخراط العشرات من سكان المنطقة في الحملة، من خلال المساهمة في تنظيف المكان وتوفير صناديق للقمامة، وتلوين الجدران بألوان مختلفة حجبت قبح الحيطان التي يكاد بعضها ينهار من دون أن تتدخل البلدية سواء لهدمها أو ترمميها". وتحوّلت المنطقة في وقت وجيز إلى مكان مختلف، باتت فيه حيوية ونشاط وإحساس كبير بواجب الحفاظ على النظافة، كما يضيف.
اقــرأ أيضاً
تقول رفيقة، وهي من المشاركين في الحملة، إنّ "الفكرة كانت عفوية جداً، جعلت مبدعي الفنون التشكيلية يبادرون بأنفسهم إلى رسم صور مميزة، كشخصيات شيوخ وكبار المنطقة بزيهم التقليدي التونسي، أو رسم لوحات فنّية لا تقل جمالاً عن أيّ لوحة قد تعرض في مركز ثقافي، فيما ساهم من لا يتقن الرسم في تلوين الجدران بألوان مختلفة، حتى أنّ أغلب سكان الأحياء المجاورة طلبوا تعميم الفكرة على كامل المناطق وبادروا إلى توفير جميع المستلزمات الخاصة بتغيير المكان".
تضيف أنّ مثل تلك المبادرات من شأنها أن تزيد الوعي لدى السكان بأنّ النظافة ليست بالشيء المكلف والصعب الذي يُرمى فقط على عاتق الدولة. وتلفت إلى أنّ "المشاركين في المبادرة يحتاجون إلى إمكانات كبيرة غير متوافرة، لترميم بعض الجدران، مع ذلك اختار الشباب تزيين حتى الجدران المتصدّعة التي قد تنهار في أيّ لحظة".
"كانت البداية بتقديم مقترح إلى البلدية لتوفير المواد اللازمة. وقد مكنتهم موافقة البلدية من توفير كلّ ما يلزم لتزيين جدران بعض الأزقة القديمة هناك وواجهات المحلات وحتى البيوت"، بحسب مراد عتيق، أحد مؤسسي المبادرة. أطلقوا عليها عنوان "بلمتنا نزينو حومتنا"، ليساهم فيها عشرات الفنانين والخطاطين والشباب الذين تولوا الأعمال، بالإضافة إلى مواطنين ساهموا في توفير الطلاء والأوعية من مختلف الأشكال والأحجام، وزرع النباتات والورود في الشارع.
يقول عتيق إنّ تلك الأزقة كانت مهجورة من المارة في أغلب الأحيان، بسبب الخوف منها. لكن باتت اليوم تتميز بنشاط كبير للسكان الذين يدفعهم الفضول إلى رؤية كيف تغيّر شكلها، بل شهدت حتى زيارة عدد من السائحين.
بينما تتجوّل في المكان، تلحظ تلك اللوحات الفنية التي رسمتها أنامل أبناء المنطقة. اختاروا رسم ما يعبّر عن الجهة وخصوصيتها. ولأنّها منطقة تشتهر بأعمال الحدادة التي صبغت المكان باللون الداكن على مدى سنوات، فقد اختار بعض الشباب رسم صور أكبر حرفيي أعمال الحدادة هناك وأقدمهم.
لم تكن تلك المبادرة الأولى من نوعها التي يطلقها الشباب لتزيين إحدى المناطق أو الشوارع في تونس، ولم تكن خاصة بجهة مدنين وحدها، فقد تكررت تلك المبادرات في عدّة محافظات، واختار فيها الشباب تزيين الشوارع الرئيسة فقط. لكنّ أبناء مدنين اختاروا تزيين شوارع فرعية وأزقة ضيقة بالقرب من محلات الحرفيين، وفي أكثر الشوارع التي تنتشر فيها الفضلات ولا يجري تنظيفها بصفة مستمرة كما لم يرمم أغلب جدرانها منذ عشرات السنين.
تمتاز المنطقة بزيارة سكان المدينة لها، خصوصاً خلال الأيام التي تسبق عيد الأضحى، بهدف سنّ (تجليخ) السكاكين، وكلّ المواد اللازمة للعيد. لذلك، اختار الشباب إطلاق مبادرتهم قبل أيام فقط من العيد، لتوعية أغلب سكان المنطقة والحرفيين بضرورة الحفاظ على نظافة هذا المكان الذي تتحوّل أغلب أركانه إلى مكبات نفايات خلال أيام العيد، إلى جانب إثبات أنّ تجميل المكان لا يحتاج إلى وقت طويل أو إمكانات كبيرة حتى يصبح مزاراً للسائحين بالرغم من بساطته.
يوضح عبد الكريم جامعي، وهو أحد المبادرين، بثقة كبيرة "أهمّية مساهمة أبناء الحي وسكان المنطقة في تلك المبادرة لتغيير واجهة الجدران الباهتة إلى رسومات مختلفة، وتغيير الأبواب من اللون الداكن الموحد إلى ألوان عديدة. ولم تكن التغييرات البسيطة للشباب هي الغاية الأخيرة من المشروع البيئي، بقدر ما كانت غايتهم تحفيز الحرفيين وأصحاب المحلات هناك على تحسين الواجهات وجعلها أكثر جاذبية للسائحين، بالإضافة إلى توعية أبناء المنطقة حول قدرتهم على تغيير منطقتهم بأنفسهم من دون انتظار جهود عمال النظافة أو البلديات".
وعن مبادرة "بلمتنا نزينو حومتنا"، يقول إنّ "فكرة الحملة أو المبادرة كانت بسيطة جداً، وهي طلب توفير بعض الألوان، لكن سرعان ما لاحظنا انخراط العشرات من سكان المنطقة في الحملة، من خلال المساهمة في تنظيف المكان وتوفير صناديق للقمامة، وتلوين الجدران بألوان مختلفة حجبت قبح الحيطان التي يكاد بعضها ينهار من دون أن تتدخل البلدية سواء لهدمها أو ترمميها". وتحوّلت المنطقة في وقت وجيز إلى مكان مختلف، باتت فيه حيوية ونشاط وإحساس كبير بواجب الحفاظ على النظافة، كما يضيف.
تقول رفيقة، وهي من المشاركين في الحملة، إنّ "الفكرة كانت عفوية جداً، جعلت مبدعي الفنون التشكيلية يبادرون بأنفسهم إلى رسم صور مميزة، كشخصيات شيوخ وكبار المنطقة بزيهم التقليدي التونسي، أو رسم لوحات فنّية لا تقل جمالاً عن أيّ لوحة قد تعرض في مركز ثقافي، فيما ساهم من لا يتقن الرسم في تلوين الجدران بألوان مختلفة، حتى أنّ أغلب سكان الأحياء المجاورة طلبوا تعميم الفكرة على كامل المناطق وبادروا إلى توفير جميع المستلزمات الخاصة بتغيير المكان".
تضيف أنّ مثل تلك المبادرات من شأنها أن تزيد الوعي لدى السكان بأنّ النظافة ليست بالشيء المكلف والصعب الذي يُرمى فقط على عاتق الدولة. وتلفت إلى أنّ "المشاركين في المبادرة يحتاجون إلى إمكانات كبيرة غير متوافرة، لترميم بعض الجدران، مع ذلك اختار الشباب تزيين حتى الجدران المتصدّعة التي قد تنهار في أيّ لحظة".