لو كلف مسؤولو صندوق النقد الدولي أنفسهم، ولو لدقائق، وبحثوا عن أسباب الأزمة المالية العنيفة التي تعاني منها السلطة الفلسطينية ومن قبلها الفلسطينيين، لأدركوا على الفور أن جزءاً كبيراً منها يرجع إلي سياسات الاحتلال الإسرائيلي الذي يرفض تحويل إيرادات الضرائب الفلسطينية التي يقوم بجمعها في المعابر نيابة عن السلطة، ولا يلتزم بتنفيذ البنود الواردة في اتفاق باريس الاقتصادي الموقع يوم 29 أبريل/نيسان 1994، ويحدد شكل العلاقات الاقتصادية بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.
ولو كلف خبراء الصندوق أنفسهم وبحثوا عن الأسباب الحقيقية وراء أزمة الاقتصاد الفلسطيني، لعلموا
أنها لا تكمن في زيادة استهلاك الفلسطينيين للطاقة والغذاء كما قال أمس الأربعاء، وإنما تكمن في ممارسات الاحتلال الإسرائيلي ضدهم، والحروب المستمرة على قطاع غزة، وهدم المصانع، وإتلاف الزراعات، وعرقلة الصادرات الفلسطينية للخارج، ومصادرة الأراضي وإقامة مستوطنات عليها، ومنع الفلسطينيين من إقامة موانئ ومطارات تسهل حركة التجارة والاستثمار مع الخارج، إضافة إلى القيود المفروضة على العمال الفلسطينيين في التنقل وعرقلة عمليات إعادة الإعمار بغزة.
اقرأ أيضاً: صندوق النقد يطالب فلسطين برفع الدعم ويرفض دعمها مالياً
وبالإضافة إلى هذه الممارسات التي ألحقت أضراراً بالغة بالاقتصاد الفلسطيني وزادت من معاناة الفلسطينيين اليومية، لعب الاحتلال دورا في إرهاق السلطة الفلسطينية مادياً، عبر إقناع العديد من الدول المانحة بتقليص المعونات المقدمة لها أو الضغط علي دول أخري بعدم الوفاء بما تعهدت به تجاه الشعب الفلسطيني واعمار ما هدمته الألة العسكرية الإسرائيلية.
كما لعب الاحتلال دوراً مهماً في تحميل السلطة الفلسطينية أعباء مالية جديدة تمثلت في تحمل تكلفة الدعاوى القضائية المرفوعة ضدها أمام المحاكم الأميركية والتي انتهى بعضها إلي صدور احكام بإلزام السلطة بدفع تعويضات ضخمة لضحايا أميركيين في هجمات منفصلة وقعت في إسرائيل خاصة بين عامي 2002 و2004.
وأدت الممارسات الإسرائيلية إلى مواجهة السلطة الفلسطينية أزمات مالية خانقة ومتلاحقة أدت إلى عجزها حتي عن سداد رواتب الموظفين بالجهاز الاداري.
وبدلاً من أن يطالب صندوق النقد الدولي إسرائيل بتخفيف الحصار الاقتصادي المفروض علي الفلسطينيين وسداد ما عليها من أموال لهم ورفع الخناق عن الصادرات والعمالة والاستثمارات الخارجية وحركة البضائع، راح يطالب السلطة الفلسطينية، أمس، برفع الدعم عن الوقود من بنزين وسولار وغاز وكهرباء بهدف تجاوز الفجوة التمويلية التي تعاني منها.
لا أتعجب من مطالبة صندوق النقد السلطة الفلسطينية بزيادة أسعار الوقود، عبر إلغاء الدعم المقدم له، فلديه روشتة مكررة وأجندة ثابتة اعتاد أن يقدمها لدول العالم الثالث، سواء الناشئة أو المتخلفة، لعلاج أزماتها الاقتصادية، وهذه الروشتة باتت محفوظة ومكررة وتتضمن إلغاء الدعم المقدم للفقراء، خاصة للطاقة والمشتقات النفطية من بنزين وسولار وغاز، وزيادة الضرائب على السلع الرئيسية، وخفض قيمة العملة الوطنية مقابل الدولار.
وقبل أيام، دعا صندوق النقد، البلدان المستوردة للنفط في الشرق الأوسط، ومنها مصر والأردن وتونس، إلى اتخاذ تدابير لرفع الإيرادات، من خلال زيادة ضرائب العقارات، والضرائب على الدخل، وإلغاء بعض الإعفاءات الضريبية الأخرى.
كما دعا عربية دولاً، مثل السودان والمغرب والأردن وليبيا والعراق، في أوقات سابقة، لرفع الدعم المقدم للفقراء لعلاج مشكلة عجز الموازنات المالية بهذه الدول.
صندوق النقد لا يهمه أن تكتوي الشعوب بنيران الأسعار أو أن يعجز رب أسرة عن شراء رغيف خبز أو توفير أنبوبة بوتاجاز لطهي الطعام، وإنما كل ما يهمه هو أن تطبق الدولة التي تعاني مشاكل وأزمات اقتصادية روشتته السامة حتي يضمن سداد الدول القروض التي تحصل عليها منه، وكأن الفقراء مطالبين بسداد البذخ الحكومي وزيادة الانفاق على الأمن وحماية الأنظمة من ثورات شعوبها.
اقرأ أيضاً: عباس: اتفقنا مع إسرائيل على تحويل الضرائب كاملة