طرحت قمة "منظمة شنغهاي للتعاون"، التي عقدت في مدينة دوشنبه، عاصمة طاجيكستان، يومي 11 و12 سبتمبر/ أيلول الجاري، أسئلة عن تأثير دول ضعيفة مثل قرغيزيا وكازاخستان وطاجيكستان، لا تملك أكثر من القدرة على التعطيل، الذي تسمح به آليات اتخاذ القرار في هذه المنظمة، فضلاً عن أسئلة حول تأجيل قبول أعضاء جدد، مثل الهند وباكستان وإيران، ونوايا روسيا حيال منظمة تسيطر عليها الصين من الناحية الاقتصادية.
تعداد سكان الدول الأعضاء في "شنغهاي"، الذي يصل حالياً إلى حوالي مليار ونصف مليار شخص، بانتظار بلوغه ثلاثة مليارات مع انضمام الهند وباكستان، يتعدى خطورة الرقم، نحو أهمية الأفواه الجائعة، وإن يكن للاستهلاك، كما يقول الاقتصاديون، أم أن هذه الشعوب يمكن أن تزج في معارك كبرى، وقودها اللحم والدم البشريان، فيما لا يبدو أن أحدا ينوي القتال من أجل أحد؟
ما هو واضح من البيان الختامي لأعمال القمة، أن التوافق على توسيع المنظمة لم يتحقق. تعود أسباب ذلك إلى الخشية من ضم أعضاء مختلفين، بل متحاربين (الهند وباكستان)، وكلاهما أكثر ارتباطاً بأميركا من ارتباطه بروسيا أو الصين، أو أعضاء معاقبين محاصرين (إيران)، إلى منظمة غير متجانسة، ويصعب جمع أعضائها على أهداف مشتركة.
ينحصر المشترك بين أعضاء المنظمة، التي عجزت عن لعب دور فاعل إلى الآن، بالمصالح الاقتصادية، التي يصعب توازنها في معادلة أحد أطرافها الصين، باقتصادها العملاق، وطرفها الآخر روسيا، المهيمنة في قطاع الطاقة والنفوذ السياسي الدولي. مقابل هذين العملاقين، يعيش اقتصاد دولة مثل طاجيكستان على عمالة أبنائها في روسيا، وغالبيتهم غير شرعيين. وينسحب ذلك على دول أخرى في المنظمة.
منفعة روسيا من المنظمة، تتمثل في الحصول على دعم لمواقفها السياسية، وصراعها المتصاعد مع الغرب على خلفية الأزمة الأوكرانية، فضلاً عن المنفعة الاقتصادية الناجمة عن مد "طريق الحرير" الصيني نحو أوروبا، عبر أراضيها، ونقل مواد الطاقة، وبيعها في الاتجاه المعاكس.
ولا يخفى أن اقتصاد روسيا لا يزال يقوم على تصدير مواد الطاقة وغيرها من المواد الخام. وقد جرى توقيع اتفاق حول النقل الدولي البري بين دول أعضاء المنظمة التي تأسست سنة 2001، من 6 أعضاء: كازخستان والصين وقيرغيزيا وروسيا وطاجيكستان وأوزبكستان. ثم انضم إليها كأعضاء مراقبين: أفغانستان والهند وإيران ومنغوليا وباكستان. وأما بيلاروسيا وسيريلانكا، فلهما وضعية شركاء في الحوار.
وفي هذا السياق، قال الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إن "فكرة تشكيل منظومة نقل عامة ضمن (مجموعة) شنغهاي تملك آفاقاً كبيرة، من وجهة نظرنا، بما في ذلك الإفادة من إمكانيات النقل بالترانزيت عبر سكة الحديد العابرة لسيبيريا، وخطوط بايكال – آمور، المتزامنة مع خطط جمهورية الصين الشعبية لتطوير طريق الحرير". وأضاف "أنا على ثقة من أن مشاريع بهذا الحجم ستخدم مصالح أعضاء المنظمة والدول الأخرى في أوراسيا"، وفقاً لوكالة "ريا نوفوستي".
أوكرانيا وسورية
شغلت الأزمة الأوكرانية حصة الأسد في القمة، إضافة إلى الأزمة السورية. احتاجت موسكو إلى دعم مواقفها في كل من البلدين، وخصوصاً أنها تكاد تقف وحيدة في مواجهة الغرب. وتمكنت فعلاً من انتزاع تأييد أعضاء "شنغهاي" لرؤية الكرملين حول حل الأزمة في كل من أوكرانيا وسورية، وحصره بالوسائل الدبلوماسية.
ولم يتردد الرئيس الروسي إلى القول "ناقشنا بعض القضايا الدولية الراهنة، بما في ذلك الوضع في أوكرانيا، ونحن سعداء جداً بأن مواقفنا في المجالات الرئيسة للتعاون كانت متطابقة أو متقاربة"، بحسب وكالة "ريا نوفوستي".
كما جاء في بيان، القمة الختامي أن "الدول الأعضاء، تدعم سيادة ووحدة وسلامة أراضي الجمهورية العربية السورية، ومع تسوية الأزمة السورية، حصراً بالوسائل السياسية والدبلوماسية، من خلال مواصلة الحوار المباشر الشامل بين السوريين".
ويبدو أن دولة "شنغهاي"، مستعدة لدعم مواقف موسكو أكثر، حيال أوكرانيا، على الرغم من أهمية التنسيق الأمني بينها، بما يخص مكافحة الإرهاب.
بعيداً عن واشنطن
تقرر في القمة، تحويل التعاون الإقليمي لمكافحة "الإرهاب"، إلى هيكلية مشتركة، مع التنويه إلى الدور الأميركي المعطل لمثل هذه المشاريع، من خلال احتكار واشنطن لشبكة الإنترنت، وضرورة تغيير قواعد استثمار الشبكة العنكبوتية.
وجاء في بيان القمة الختامي: "تقف الدول الأعضاء مع الحقوق المتساوية لجميع الدول في إدارة شبكة الإنترنت والحق السيادي للدول بإدارته في القطاع الخاضع لها، بما في ذلك ضمان الأمن".
ويوحي ذلك بأن منظمة "شنغهاي" يراد لها أن تكون حلفاً في مواجهة الولايات المتحدة الأميركية، رغم عدم واقعية تحولها إلى حلف تجمع أعضائه مصالح مشتركة.
فالصين لن تكون حليفة أحد، وتتنازع دول أخرى أهواء سياسية، تارة نحو موسكو وطوراً نحو واشنطن، علماً أنه جرى التشاور في إمكانية تخفيف الاعتماد على الدولار، وتحرير اقتصادات البلدان الأعضاء، من ارتباطها به.
إلى ذلك، فقد دعت قمة دوشنبه إلى إنشاء "بنك تطوير منظمة "شنغهاي". ومع تثمين الجهد المبذول سابقاً لدراسة الأسئلة المتعلقة بإنشاء "صندوق" و"بنك تطوير" شنغهاي، تم التكليف بمتابعة العمل لإنجاز المطلوب في أسرع وقت.
وفي انتظار رئاسة روسيا للمنظمة، نقلت "ريا نوفوستي" عن الرئيس بوتين، رؤيته أن "أولويات الرئاسة الروسية تتمثل في الحفاظ على الأمن الإقليمي، وإطلاق مشاريع اقتصادية متعددة الأطراف وتطوير موقف مشترك من القضايا الإقليمية والعالمية، ووضع استراتيجية للمنظمة حتى العام 2025".
فهل سيتمكن الكرملين من توظيف "شنغهاي" لخدمة مشروع استعادة القطبية في العالم، وتربعه على عرش القطب المستعاد، أم سيكتفي بعدم تصنيف أعضاء "منظمة شنغهاي للتعاون" في صف أعدائه، لأجل ذلك يلعب على المصالح الإقليمية المشتركة والتناقضات الاستراتيجية مع الغرب؟