روسيا تستثمر التوتر التركي الغربي لفرض رؤيتها للتسوية السورية

18 أكتوبر 2019
سيلتقي بوتين وأردوغان في 22 أكتوبر (ميخائيل ميتزل/Getty)
+ الخط -

مع مواصلة تركيا عمليتها العسكرية ضد الأكراد في شمال سورية، وفرض الولايات المتحدة عقوبات على عدد من المسؤولين الأتراك، تبحث روسيا عن ترجمة هذه التطورات إلى مكاسب جيوسياسية ملموسة، مُتمثلة بتوسيع نطاق الأراضي الخاضعة لسيطرة النظام السوري شمال البلاد، وتعزيز علاقاتها مع أنقرة وجرها إلى قبول رؤيتها لتسوية الأزمة السورية. ويزور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بناء على دعوة نظيره الروسي فلاديمير بوتين، منتجع سوتشي في 22 أكتوبر/تشرين الأول الحالي، لمناقشة الوضع في سورية.

وفي هذا الإطار، يشير أستاذ العلوم السياسية في معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية كيريل كوكتيش إلى أن روسيا تجري حوار الثقة مع كل من إيران وتركيا، بينما باتت علاقة هذه الأخيرة مع الغرب تتسم بالفتور، منذ محاولة الانقلاب الفاشلة منتصف العام 2016، رغم استمرار تحالفها مع واشنطن بشكل عام. ويقول كوكتيش، لـ"العربي الجديد"، إن "الخلافات بين الولايات المتحدة وتركيا ليست وليدة اللحظة، بل تعود إلى تخلي الغرب عن أنقرة أثناء محاولة الانقلاب في العام 2016 ورفض واشنطن تسليم الداعية المعارض فتح الله غولن. ودفع ذلك بأنقرة إلى التعاقد مع روسيا على شراء صواريخ إس-400 (تريومف) للدفاع الجوي لحماية نفسها عند الضرورة".

وحول الهدف من العقوبات الأميركية بحق تركيا والتي وقّع عليها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يوضح كوكتيش أن "هذه العقوبات رمزية، وتهدف إلى حفظ ماء الوجه، وإظهار نشاط مع الحفاظ على الحليف المتمثل بتركيا. كما أن أردوغان يثق بترامب شخصياً لا بمؤسسة السلطة الأميركية". كما يستبعد كوكتيش احتمال أن تكون قوات النظام السوري قد تقدمت في شمال سورية من دون التنسيق المسبق بين جميع اللاعبين، على مستوى العسكريين على الأقل.

من جهتها، اعتبرت صحيفة "نيزافيسيمايا غازيتا" الروسية أن أهم إشارة تسعى روسيا لإصدارها على خلفية العملية التركية، هي أن "الشرق الأوسط بات مضطراً للتفاعل مع الحكومة السورية" بقيادة حليفها بشار الأسد. وفي مقال بعنوان "أردوغان يحل محل الأسد"، نُشر في عددها أمس الخميس، رأت الصحيفة أن أنقرة بالغت في تقدير ولاء شركائها، بما فيها روسيا التي تسعى لاعتماد القاعدة القانونية للعملية التركية (أي اتفاقيات أضنة المؤرخة بعام 1998 والتي تسمح لتركيا بالتوغل داخل سورية بعمق 5 كيلومترات في حال وجود تهديد أمني) لمد الجسور بين أنقرة والنظام السوري.


ومع ذلك، قلل الخبير في المجلس الروسي للشؤون الدولية تيمور أحمدوف من واقعية تحول "المصالحة" بين تركيا والنظام إلى الحوار المتكامل على المدى المتوسط. وقال أحمدوف، لـ"نيزافيسيمايا غازيتا"، "ستنتظر أنقرة تقدماً فيما يتعلق بالإصلاحات السياسية في البلاد. وفيما يتعلق بقضايا ضمان الأمن، يبدو أن تركيا ستكتفي بأعمال أحادية الجانب، وهو ما أظهرته العملية الحالية، أو ستنسق ذلك مع روسيا. إلا أن استعادة العلاقات بين سورية والعالم العربي، ومحاولات عدد من الدول العربية تعزيز التضامن الإقليمي بواسطة أمزجة معاداة تركيا، قد تصبح عاملاً هاماً في هذه المسألة". ووصف الخبير الروسي العملية التركية بأنها "خطوة استباقية" تهدف إلى "حرمان الأكراد من المبادرة الاستراتيجية عن طريق تفتيت الأراضي الخاضعة لسيطرتهم"، حتى لا يشاركوا في المساومات من أجل النفوذ السياسي في مستقبل سورية.

بدوره، يعتبر الباحث في جامعة أوكسفورد صاموئيل راماني أن العملية العسكرية التركية عززت موقع روسيا، قائلاً، لـ"نيزافيسيمايا غازيتا"، إن "صفقة قوات سورية الديمقراطية (قسد) مع دمشق تمنح الأسد قاعدة لبسط هيمنته في شمال سورية، عند تعثر أو توقف التقدم التركي. تقف تركيا أمام خيارين كلاهما مر، إما القتال ضد الحكومة السورية، لكنها لن تُقدم على ذلك بسبب خطر الصدام مع روسيا، وإما وقف التقدم، مما سيخلق لدى جمهور أردوغان الداخلي انطباعاً بأنه يتراجع تحت ضغوط دولية". وحول احتمال تغيير موقف الدول العربية من النظام السوري، يقول راماني "أعتقد أن السعودية قد تُعيد النظر في موقفها الراسخ من الأسد. التضامن بوجه بلد معتدٍ غير عربي، مثل تركيا، أكثر لطفاً من الاعتراف بالهزيمة من إيران. ومع ذلك، فإن آفاق العضوية في جامعة الدول العربية قد لا تتحسن بسبب الدعم القطري لتركيا، ولكن هذا انتصار دبلوماسي لموسكو في نهاية الأمر".

ومنذ بدء العملية التركية، في 9 أكتوبر/تشرين الأول الحالي، تباين تفاعل موسكو مع التحرك التركي بين منع تمرير الدعوة إلى وقف العملية في مجلس الأمن الدولي والاعتراف بمصالح أنقرة، مقابل التشديد على لسان مبعوث الرئيس الروسي الخاص للتسوية السورية ألكسندر لافرينتييف، ووزير الخارجية سيرغي لافروف، على ضرورة التعاون بين أنقرة والنظام السوري بموجب أحكام اتفاق أضنة، واستعداد روسيا لدعم مثل هذا الحوار.

المساهمون