ودعنا ثالثاً من قرار منع السياح الروس من التوجه إلى تركيا، وتلويح رئيس الوزراء الروسي، ديميتري مدفيديف، باستعداد حكومته لتوسيع عقوباتها الاقتصادية ضد تركيا عند الضرورة كما قال أمس.
دعنا من كل ذلك، ومن كل مظاهر التصعيد الروسي الشكلي ضد تركيا، فالجزء المخفي من مشهد الخلافات العنيفة بين البلدين يقول إن موسكو مترددة في اتخاذ إجراءات اقتصادية عقابية قاسية ضد أنقرة.
والدليل على ذلك أن مرسوم بوتين الخاص بالإجراءات الاقتصادية لم يتضمن قرارات عنيفة مثل حظر تصدير الغاز لتركيا، أو إلغاء مشروعات استراتيجية مشتركة، منها إقامة محطة نووية لتوليد الكهرباء باستثمارات تفوق الـ12 مليار دولار، أو مشروع السيل التركي الضخم الذي سيتم من خلاله تصدير الغاز الروسي للخارج خاصة أوروبا، أو فرض بوتين حظرا شاملا على النقل الجوي التركي المتجه لروسيا.
كل ما فعله القيصر بوتين ورئيس وزرائه مدفيديف ما هو إلا خطوات رمزية شكلية لإرضاء الرأي العام الروسي وحفظ ماء وجه النظام لا غير، ومن بين هذه الخطوات مثلاً، منع استقدام الأيدي العاملة التركية، واستئناف العمل بنظام الفيزا (تأشيرة الدخول) بالنسبة للأتراك الراغبين في زيارة موسكو، وغيرها من الأمور غير الجوهرية في العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين.
موسكو مترددة تجاه معاقبة تركيا اقتصادياً لأسباب عدة، منها الصعوبات الشديدة التي يمر بها الاقتصاد الروسي جراء تهاوى أسعار النفط والتراجع الحاد في صادرات الأسلحة وفرض العقوبات الغربية، كما أن فرض موسكو إجراءات اقتصادية عنيفة ضد أنقرة قد يكلفها الكثير اقتصادياً، فعلى سبيل المثال سيرفع أسعار السلع داخل الأسواق الروسية وسيزيد الخناق على الاقتصاد الروسي خاصة مع استمرار الغرب في فرض عقوباته الاقتصادية والعسكرية.
التردد الروسي يمكن أن نلمسه في تصريحات عدة لكبار المسؤولين الروس، وأحدث تصريح جاء على لسان أركادي دفوركوفيتش، نائب رئيس الوزراء الروسي، الذي أكد أمس أن موسكو قد تؤجل فرض قيود على الواردات الغذائية التركية، مثل المنتجات الزراعية والخضروات والفواكه، وذلك لعدة أسابيع لتخفيف الضغوط التضخمية التي قد يعاني منها السوق الروسي جراء اختفاء السلع التركية من الأسواق.
وسار في هذا الخط أيضا إيغور شوفالوف، النائب الأول لرئيس الوزراء الروسي، الذي قال إن بلاده ستحجم حالياً عن حظر واردات السلع الصناعية التركية.
وهناك تصريح ثالث صادر عن نائب وزير الطاقة الروسي، أناتولي يانوفسكي، الذي أكد مواصلة تزويد تركيا بالغاز الروسي، بحسب الالتزامات التعاقدية بين الطرفين، علما أن تركيا تستورد 50 مليار متر مكعب من الغاز السائل سنويًا، 55% منها من روسيا والباقي من دول أخرى.
العلاقات بين تركيا وروسيا متجهة للاستقرار والتهدئة وليس التصعيد، حتى لو رفضت أنقرة الاعتذار لروسيا عن إسقاط المقاتلة، كما قال رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو، أمس، وكل ما تفعله روسيا حالياً هو حلاوة روح ليس أكثر، والأيام بيننا.
اقرأ أيضا: روسيا وتركيا تصعّدان الحرب الاقتصادية