الخبر لم ينشر في موقع التواصل الاجتماعي أو في صحف صفراء، بل جاء في صحف قومية ووسائل إعلام رسمية، على لسان مسؤول في الحكومة المصرية، هو وزير التجارة والصناعة، طارق قابيل، الذي قال إن مصر تقدمت بالفعل بعرض لسد احتياجات روسيا من المنتجات، التي كانت تستوردها من تركيا عقب قرار موسكو بوقف الاستيراد من أنقرة.
قلت لنفسي: مصر تصدر لحوما ومنتجات غذائية لروسيا؟ إنه كلام سياسة يصدر عن وزير في الحكومة للاستهلاك المحلي ليس الا، وإنه قد يأتي في إطار استمرار سياسة الحكومة الضحك على بسطاء الناس وخداعهم، أو قد يأتي في إطار مناكفة مصر المستمرة لتركيا وأردوغان.
لكن المفاجأة بالنسبة إلي جاءت أمس، الأربعاء، حينما قرأت تصريحا مماثلاً لرئيس المجلس التصديري للحاصلات الزراعية، علي عيسى، قال فيه إن المجلس يدرس حاليا إمكانية سد احتياجات السوق الروسية من المنتجات الزراعية كبديل للمنتجات التركية، التي تم منع استيرادها، وما أدهشني في الأمر أن المجلس التصديري هو تجمع للشركات المصرية الخاصة العاملة في مجال تصدير المنتجات الزراعية، أي أنه اتحاد غير حكومي.
فركت عينيّ مرة أخرى، وذهبت بسرعة إلى مواقع الصحف المصرية لأتعرف على تعليقاتها على تصريحات قابيل وعيسى، والخاصة بقدرة مصر على سد احتياجات روسيا من الأغذية، فوجدت كلاما أغرب وأعجب من ذلك حيث أكدت المواقع، نقلا عن خبراء، أن مصر قادرة على تلبية احتياجات المستوردين الروس، وأن تصدير مصر سلعاً إلى روسيا بدلا من تركيا يعد فرصة ذهبية لزيادة صادرات البلاد بقيمة 4 مليارات دولار، أي 32 مليار جنيه، وأن المصدرين المصريين لديهم القدرة على سد أي عجز في سوق روسيا التي تستورد 20% من احتياجاتها من الخضروات من تركيا.
رحت إلى بعض المواقع الإخبارية الروسية لأرصد ردها على التصريحات الصادرة من مصر، فوجدت أن المسؤولين الروس لا يذكرون المنتجات المصرية في جملة مفيدة ولا يعولون عليها من الأصل، لأنهم يعرفون "البير وغطاه".
كما يعرف الروس أن الحكومة المصرية فشلت في خفض الأسعار نهاية شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي كما وعدت، وأن السوق المصرية تعاني شحاً في السلع والمنتجات الغذائية وارتفاعا غير مسبوق في أسعارها، وبالتالي فإن مصر أولى بمنتجات مصدريها، وأنها بدلاً من أن تتفاخر بقدرتها على تصدير منتجاتها إلى روسيا، عليها أولاً أن تسد احتياجات السوق المحلية، وتكبح موجة الارتفاعات القياسية والمستمرة في الأسعار، والتي لا تلسع المواطن الفقير فقط بل تلسع حتى المنتمين إلى الطبقة المتوسطة.
خذ مثلاً تصريح وزير الزراعة الروسي، ألكسندر تكشوف، الذي قال فيه إن موسكو لن تجد أية صعوبة في استبدال المنتجات التركية، التي تم فرض حظر عليها من أذربيجان وأوزبكستان والمغرب وإسرائيل، لاحظ هنا أن الرجل لم يذكر المنتجات المصرية.
إذن، تحولت مصر فجأة من أكبر دولة مستوردة للقمح والذرة الصفراء في العالم إلى سلة غذاء لروسيا، تلبي لها احتياجاتها من السلع الغذائية، ومصر، التي تستورد 70% من احتياجاتها السلعية والاستهلاكية من الخارج و35% من منتجاتها الغذائية، لا يمكن بالطبع أن تحل منتجاتها بدلا من السلع التركية في الأسواق الروسية، لأن جحا أولى بلحم طوره.
اقرأ أيضاً: أردوغان: نملك إثباتات على شراء روسيا نفط "داعش"