رمضان في فرنسا ..الأسواق تتأقلم، والجالية المغاربية تخلق الأجواء

08 يونيو 2017
(في حي بارباس/ باريس 2017، تصوير: بنجامين كريمل)
+ الخط -
يحلّ شهر رمضان كل سنة على الجالية المغاربية بفرنسا. ورغم افتقاد المغتربين الكثير من الأجواء الرمضانية في الجزائر والمغرب وتونس، فإنهم يسعون دائمًا لخلق أجواء مماثلة في أحيائهم. ومع كل الصعوبات التي ينطوي عليها الصيام في بلاد غير إسلامية، حيث أن مواقيت العمل الاعتيادية تصعّب منه، فإن شهر الصيام للمفارقة، يمثّل فرصة لأبناء الجالية لتوطيد الروابط بينهم. ففي هذا الشهر، تزدهر موائد الإفطار الجماعية، ويلتقي الأهل والأحباب الذين لم تسمح لهم ظروف العمل والدراسة بالالتقاء طوال السنة.


الأسواق تتأقلم
تسعى كبريات فضاءات التسوّق في فرنسا من قبيل "كارفور" و"كازينو" و"ليدل" وغيرها لتنويع عروضها في شهر رمضان؛ حيث يتمّ تخصيص أقسام بذاتها للمنتجات التي تخصّ المائدة المغاربية ومختلف أنواع الحلويات. وتزدهر تخفيضات أسعار المنتجات الرائجة خلال هذا الشهر، فالتجارة والربح أهم شيء هنا.


أجواء رمضانية خاصّة
في الأحياء التي تشهد تمركزًا مكثفًا للجالية المغاربية، ينخفض النشاط بشكل ملحوظ لدى اقتراب وقت الإفطار بعد الساعة التاسعة مساءً. وبعد الإفطار ينقسم الصائمون إلى أصناف، هناك من يخلد مباشرة للنوم بعد يوم شاق، في انتظار يوم مرهق في الغد، وهناك من يتوجّه لأداء صلاة التراويح في أقرب مسجد، ثم يأتي القسم الذي يسهر في الحوانيت أو الأحياء في أجواء تشابه الأجواء الرمضانية إلى حد كبير، وهكذا لدى التجول في حي "بارباس" في باريس، أو الأحياء الشمالية لمرسيليا، أو "لا غيوتيار" في ليون أو "لو ميراي" في تولوز أو "لاباياد" في مونبولييه، فإنك تحس بأجواء رمضانية حقيقية لا تختلف تمامًا عن أجواء البلدان الإسلامية. وتنتشر الحلويات والمرطّبات المشرقية والأكلات التي تشتهر بها البلدان المغاربية، وحلقات الشباب والكهول الذين يتجاذبون أطراف الحديث.

كيلومترات قليلة عن قلب العاصمة الفرنسية، يكفي مثلًا أن تدخل حي بارباس عند محطة الميترو، حتى تجد طاولات عشوائية تعرض كل أنواع المأكولات والحلويات التقليدية أمام أعين السلطات الفرنسية، حيث يمكن لك الحصول حتى على التبغ وزجاجات العصائر التي تباع في الدول المغاربية، فإن كنت جزائريًا مثلًا؛ يمكنك الحصول من هذا الحي على بعض الحلويات التقليدية مثل" الزلابية" و"قلب اللوز"، والخبز التقليدي "المطلوع" وبعض المأكولات مثل أصابع "البوراك".

سعينا في بعض حواراتنا للتواصل مع أبناء الجالية لطرح أسئلة عليهم حول كيفية قضاء أيامهم وسهراتهم. الشاب ياسين، يعمل في قطاع الفندقة في مونبولييه (الجنوب الغربي لفرنسا) حيث تواقيت العمل متغيّرة وتتراوح بين الليل والنهار، مما يزيد من صعوبة عمله في شهر رمضان. بخصوص الصعوبات، فقد أكد أن الأمر يتوقّف على محيط العمل، لأن العمل في محيط غير متسامح قد يؤدي إلى صعوبات في المسار المهني للصائم. لذا يسعى البعض لعدم إظهار صيامهم.

من جانبها تؤكد الشابة ياسمين أن ما تفتقده هو غياب الأجواء الجماعية، ولذا تحاول رفقة معارفها الالتقاء في عطل نهاية الأسبوع من أجل السهر معاً حول أكواب شاي. مع ذلك رأت أن الصيام في حدّ ذاته لا يختلف في فرنسا، بل أكثر من ذلك – بشيء من المزاح - ذكرت ميزة أن الناس في الشوارع لا يغضبون بسرعة على غرار ما تعرفه مدن البلدان المغاربية.

وتبقى الميزة الأكثر حضورًا في الأحياء المغاربية هي اختفاء الحركة بشكل شبه تام في أثناء الإفطار، في مشهد يذهل من لا يعرف أن الأمر يتعلق بشهر رمضان.


إفطار جماعي
رضا، شاب يعمل في باريس، تحدث عن خصوصية صيامه لأنه يقضي ولأوّل مرّة شهر رمضان في هذه المدينة، عبّر عن ارتياحه لأنه لا يشعر بأي اغتراب بالعاصمة الفرنسية، خاصة في أحياء الضواحي، بسبب تواجد أبناء الجالية بكثرة. أكد أنه ليس لديه معارف ولا أهل في باريس ولذا اختار المشاركة في موائد الإفطار الجماعية، التي تنظّمها بعض الجمعيات عندما يسمح له برنامجه بذلك، حيث يمكنه الإفطار وتبادل أطراف الحديث مع أشخاص كثيرين، في موائد تسودها الكثير من الأخوة.

كثيرون من أبناء الجالية لا تسمح لهم ظروفهم بالالتقاء خلال أيّام الأسبوع حيث أن السهرات الرمضانية، خلافًا للبلدان العربية، لا تستمر إلى غاية ساعات الفجر الأولى، بل تتوقف في منتصف الليل على أقصى تقدير من أجل التمكّن من النهوض لعمل اليوم الموالي. الاستثناء الوحيد تمثله سهرة عطلة نهاية الأسبوع، حيث يمكنهم السهر في ليلة السبت لأن الأحد يمثل بالنسبة لكثيرين يوم راحة ونوم إلى غاية وقت متأخّر من النهار.

الطالب الجامعي فاتح، من تولوز (الجنوب الغربي لفرنسا)، تحدّث عن التقائه رفقة بعض أبناء الجالية في موائد يشترك الجميع في تحضيرها خلال عطل نهاية الأسبوع، حيث يتمّ التنظيم عن طريق مجموعات فيسبوكية. كما أخبرنا أنه يقضي يومه بين الدراسة والعمل في الصباح الباكر، ثم القيلولة وقراءة القرآن، معبرًا عن اشتياقه لصوت الأذان.

وبالنسبة للصعوبات التي تواجهه فإنه، على غرار أغلب المستجوبين، تحدّث عن مواقيت العمل لأن الإفطار في وقت متأخّر والتسحر يؤدّي إلى اختلال النوم، وبالتالي فإن النهوض يكون شاقا في الصباح. كما أنه أشار إلى أن صلاة التراويح تنقضي في وقت متأخر جدًا، الواحدة صباحا تقريبًا، ولذا يصعب على العاملين أو الطلبة أداؤها.


وللبرامج التلفزيونية حصّتها
تزداد خلال هذا الشهر كذلك نسب مشاهدة الجالية لمختلف البرامج التلفزيونية الرمضانية، لا سيما في القنوات المغربية والتونسية والجزائرية. علاوة على ذلك، تتمّ متابعة بعض البرامج العربية التي تحقق نسب مشاهدة عالية، على غرار برنامج الكاميرا الخفية "رامز تحت الأرض" أو المسلسلات العربية والتركية المدبلجة. وتتمّ المشاهدة مباشرة على القنوات، التي يمكن التقاطها حين يكون ذلك ممكنًا، وإلا فإن ذلك يتم عن طريق الإنترنت في الأيّام الموالية حيث يجتمع الأهل حول الكمبيوتر لمشاهدة ما فاتهم.

من جانبها، تقوم بعض القنوات التلفزيونية الفرنسية ببث تقارير تعليمية تشرح ماهية شهر رمضان لغير المسلمين، على غرار قناة "آل.سي.إي". كما أنها لا تتوانى عن استضافة بعض الصائمين في برامج حوارية من أجل التحدّث عن معنى الصيام، وعن الصعوبات التي يمكن أن يواجهوها.

في النهاية، يمكن القول إن أبناء الجالية قد أكدوا أن شهر رمضان يمثّل في الواقع فرصة فعلية لإحياء الروابط التي تجمعهم، وإن الصيام في فرنسا مميّز ولكنه لا يختلف كثيرًا، وإن بعض الصعوبات التي يواجهونها لم تمنعهم من أداء هذه الفريضة على أتمّ وجه مثلما اعتادوا عليه منذ سنوات.