رفع العقوبات الأميركية عن السودان: قرار قديم بلا نتائج

06 مارس 2020
يعاني السودانيون من ضائقة معيشية (أشرف الشاذلي/فرانس برس)
+ الخط -


أثار إعلان بنك السودان، أول من أمس الأربعاء، انتهاء كافة أشكال العقوبات الاقتصادية الأميركية المفروضة على السودان، لغطاً واسعاً في الساحة السياسية والأوساط الاقتصادية، وأوجد أملاً لدى السودانيين بإخراج بلادهم من القائمة الأميركية للدول الراعية للإرهاب.

وذكر محافظ بنك السودان، بدر الدين عبد الرحيم إبراهيم، في منشورٍ عُمّم على وسائل الإعلام، أن البنك المركزي تلقى خطاباً من مدير مكتب العقوبات في وزارة الخارجية الأميركية عبر الخارجية السودانية، يؤكد انتهاء كافة أشكال العقوبات الاقتصادية المفروضة على البلاد بموجب الأمرين التنفيذيين 13067 و13412. ومنح الخطاب لحظات من التفاؤل للسودانيين، المتعطشين لسماع أنباء إيجابية، في ظلّ الخناق الاقتصادي والتوتر السياسي السائد. لكن بعد التدقيق في فحوى الخطاب، تبيّن أن مكتب العقوبات الأميركي أعاد فقط فحوى أمرين تنفيذيين سابقين صدرا عن الرئيس دونالد ترامب في أكتوبر/تشرين الأول 2017، وقضيا برفع العقوبات الاقتصادية عن السودان حينها، وصدرا قبل سقوط حكم الرئيس المعزول عمر البشير، بل نتيجةً لحوار واسع جرى بين النظام السابق والجانب الأميركي.

وكل ما في الأمر أن الحكومة الجديدة في السودان، اكتشفت بقاء أثرٍ للعقوبات الاقتصادية الأميركية، لا سيما ما يتعلق بالتعاملات المالية بين الخرطوم وبقية الدول ومنظمات التمويل الدولية، كما يوجد أثرٌ أفدح في تعامل البنوك الخارجية مع نظيرتها السودانية.

وبرز حجم الكارثة أكثر خلال الأسابيع الماضية، حينما فكرت الخرطوم في استئجار طائرة صينية لإجلاء طلابٍ سودانيين من مدينة ووهان الصينية التي ينتشر فيها فيروس كورونا، فاصطدمت بصعوبة بالغة، فبادر وزير الدولة في وزارة الخارجية، عمر قمر الدين، إلى إرسال خطاب إلى مكتب العقوبات الأميركي، يشتكي فيه من استمرار أثر العقوبات الاقتصادية الأميركية. وجاء الرد سريعاً بأن الولايات المتحدة ألغت العقوبات الاقتصادية الواردة في المرسومين التنفيذيين، منذ 12 أكتوبر 2017، وذلك اعترافاً بإجراءات حكومة السودان الإيجابية المستمرة للحفاظ على وقف الأعمال القتالية في مناطق النزاع في السودان، وتحسين وصول المساعدات الإنسانية في جميع أنحاء البلاد، والحفاظ على التعاون مع الولايات المتحدة في معالجة النزاعات الإقليمية وخطر الإرهاب. وأوضح الرد الأميركي أنه تمّت إزالة 157 كياناً ومؤسسة سودانية من قائمة العقوبات، وكذلك إزالة العقوبات المفروضة على أفراد، باستثناء المرتبطين بالعنف في إقليم دارفور.

ومنذ سيطرة البشير على الحكم في العام 1989، بدأت سلسلة من العقوبات الأميركية ضد السودان، أهمها حرمانه من القروض والمنح (عام 1989) ووضعه في قائمة الدول الراعية للإرهاب (1993) وفرض عقوبات اقتصادية عليه في العام 1997، هذا غير قرارات أخرى صدرت عن مجلس الأمن الدولي، تحمل أبعاداً اقتصادية، مثل فرض حظر على شركة الخطوط الجوية السودانية، ما أثّر في مجمله على الاقتصاد السوداني الهش أصلاً، وأحاط البلاد بعزلةٍ سياسية دولية.

وعلى الرغم من رفع العقوبات الاقتصادية قبل عامين، فإن البنك المركزي، وعلى لسان محافظه، بدر الدين عبد الرحيم إبراهيم، رأى في منشوره أول من أمس أنه وبموجب إلغاء الأمرين، وتأكيدات واشطن، فقد تمّ رفع العقوبات عن 157 مؤسسة سودانية، ولم يتبق ضمن العقوبات سوى بعض الأفراد والمؤسسات المرتبطين بالأحداث في دارفور. وأكد البنك أنه خاطب المصارف السودانية والمراسلين بذلك، كما قام بمخاطبة بعض المصارف المركزية في الدول العربية لتنشيط علاقات المراسلة المصرفية تعظيماً للمنفعة المشتركة.

وعلى الرغم من الاحتفاء الذي قوبل به الخطاب الأميركي من البعض، إلا أن أحزاباً سياسية رأت أنه بلا قيمة سياسية أو اقتصادية. وقال الأمين السياسي لحزب "المؤتمر الشعبي" المعارض، إدريس سليمان، إن الخطاب وما أثير حوله مجرد ضجّة سياسية ومحاولة من الحكومة لتزييف الحقائق وخداع الشعب السوداني، الذي يعيش صعوبات معيشية بالغة، مشيراً إلى أن الخطاب تكرار لما أعلنته الولايات المتحدة في 2017، وأن تعامل السودان مع المصارف العالمية مرتبطٌ بالاقتصاد السوداني وطريقة إدارته، وليس مرتبطاً بالجانب الأميركي.

وأوضح سليمان لـ"العربي الجديد"، أن الرد الأميركي خلا من أي مؤشرات عن نيّة واشنطن شطب اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، معتبراً أن الإدارة الأميركية عموماً في إدارتها للملف تتلاعب بالسودان، وتريد الحصول على المزيد من المكاسب، مستفيدة في ذلك من ضعف الحكومة الحالية (حكومة عبد الله حمدوك) التي ورّطت البلاد حينما أقرت ووافقت والتزمت بدفع أموال لأسر المتضررين من الهجوم على المدمرة "كول" في خليج عدن عام 2000، على الرغم من أن السودان ليس له أدنى صلة بالهجوم، وفق قوله. وأضاف أن الإدارة الأميركية اشترطت دفع تلك التعويضات التي تصل لمليارات حتى تشطب اسم السودان من القائمة، مرجحاً أنها لن تفعل ذلك، وسيؤدي الالتزام السوداني الحكومي في الوقت ذاته إلى مطالبات أخرى من السودان تقوم بها أسرٌ أخرى تدعي تضررها من أعمال إرهابية وتتهم السودان بوجود صلة له بها. 

كما استبعد سليمان أي أثرٍ إيجابي للتقارب السوداني مع الاحتلال الإسرائيلي الذي بادر إليه رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان الشهر الماضي في مدينة عنتبي الأوغندية، حينما التقى فجأة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وأشار الأمين السياسي لحزب "المؤتمر الشعبي" إلى أن "استراتيجية إسرائيل الحقيقية هي تقسيم السودان ومحوه من الوجود، كما فعلت في جنوب السودان، ولا يمكن أن تساعده في استعادة قوته ووحدته"، لافتاً إلى أن "رئيس وزراء الكيان الصهيوني أراد من اللقاء بالبرهان فقط تحقيق مكاسب انتخابية، وقد حصل عليها، وأراد للطائرات الاسرائيلية عبور الأجواء السودانية وقد حصل على ذلك، ويعمل على إرجاع اللاجئين السودانيين لبلدهم وسيحصل على ذلك، بينما لم يقابل ذلك بتقديم أي شيء لصالح السودان، ولم تبادر واشنطن بتحفيز الخرطوم على خطوتها".

من جهته، وافق المحلل السياسي، الحاج حمد، على كثير مما ذهب إليه سليمان، مشيراً إلى أن العقوبات الأميركية ضد السودان نوعان، الأولى بموجب أوامر تنفيذية، والثانية بموجب القانون، مشيرا إلى أن الأخيرة لم ترفع بعد صدورها عن الكونغرس، مثلها مثل تصنيف السودان كدولة راعية للإرهاب.

وأوضح حمد لـ"العربي الجديد"، أنه من الثابت تماماً أن الإدارة الأميركية، لا تريد التعاطي الإيجابي مع التغيير السياسي الذي حدث في السودان والذي وصل إلى حدّ إزالة النظام السابق المتهم بالإرهاب والزجّ برموزه في السجون، مشيراً إلى وجود حالة تململ في السودان نتيجة لهذا التباطؤ الأميركي.

ورأى المحلل السوداني أن الطريق الوحيد للحصول على مكاسب من جانب واشنطن، والذي يجب أن تسلكه الحكومة الحالية، هو استعمال أوراق الضغط، خصوصاً في ما يتعلق بالتعاون الاستخباري، والوجود الكثيف لاستخباراتها، والذي لم يجنِ منه السودان أي فائدة، أقلها كتلك التي تجنيها جيبوتي. وطالب حمد الحكومة بـ"رفع شأن السيادة والتفكير في التعامل بالمثل، وغيرها من أوراق الضغط التي لا تعرف الولايات المتحدة غير لغتها"، على حدّ قوله.

 

المساهمون