منذ اللحظة الأولى للإعلان رسمياً عن التحالف الإماراتي الإسرائيلي، جاءت المواقف الشعبية في الدول الخليجية، في الجزء الغالب منها، حاسمة في رفضها ليس فقط الخطوة الإماراتية فحسب، بل فكرة التطبيع عموماً مع دولة الاحتلال، انطلاقاً من قناعة راسخة بأن هذا المسار الذي بدأته أكثر من دولة خليجية قبل سنوات لا يصب لا في مصلحة الشعوب الخليجية ولا فلسطين. وفيما كانت مواقع التواصل الاجتماعي وتحديداً "تويتر"، ملاذاً لبعض المغردين للتعبير عن مواقفهم، لا سيما تحت وسوم مثل "خليجيون ضد التطبيع" و"التطبيع خيانة" ، كان هناك حراك من نوع آخر يقوده نشطاء في جميع دول الخليج، سواء من خلال الكتابات الواضحة في تصويبها على خطورة التطبيع أو في البيانات أو الندوات، لتفكك واقع التطبيع الرسمي في الخليج مقابل الرفض الشعبي وحدود القدرة في التعبير عن هذا الرفض، وحتى شرح كيفية محاولة اصطناع رأي عام شعبي مؤيد للتطبيع.
وترافق ذلك مع حراك سياسي، برز على نحو خاص في الكويت لتأكيد رفض التطبيع، فيما جاءت تصريحات مستشار الرئيس الأميركي وصهره جاريد كوشنر، لتُظهر بشكل واضح ممارسة الإدارة الأميركية ضغوطاً على دول خليجية للانخراط في مسار التطبيع مع إسرائيل وتكرار السيناريو الإماراتي. وقال كوشنر، في مؤتمر صحافي عبر الهاتف الإثنين، إن الكويت "تتبنى حتى الآن وجهة نظر منحازة بشدة للفلسطينيين فيما يتعلق بالصراع، ومن الواضح أن ذلك لم يكن بنّاء للغاية". وأضاف أن "الكويت لديها تاريخ مع الفلسطينيين عندما تم غزوها من قبل العراق، أعتقد أن ياسر عرفات اتخذ جانب صدام حسين، وطردت الكويت 400 ألف فلسطيني". وإذ ادعى أن واشنطن لا تضغط على دول الخليج الأخرى للاعتراف بإسرائيل، قال إن تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل "سيكون أمراً مفيداً جداً للأعمال السعودية، ولقطاع الدفاع السعودي".
مقابل ذلك، كان 37 برلمانيا كويتياً يدعون أمس الثلاثاء حكومة بلادهم إلى تأكيد موقف الكويت الثابت ضد التطبيع مع إسرائيل. وأكد البرلمانيون في بيان "تضامنهم مع الشعب الفلسطيني الصامد والثابت"، وقالوا إن "الشعب الكويتي بجميع أطيافه، لن يقبل أي تراجع عن التزام حكومة بلاده بقضية العرب، والمسلمين الأولى". وكانت 31 جمعية ورابطة كويتية، أعلنت الأحد، أن التطبيع مع إسرائيل "طعنة في ظهر الشعب الفلسطيني والعربي".
دعا 37 برلمانيا كويتياً حكومة بلادهم إلى تأكيد موقف الكويت الثابت ضد التطبيع مع إسرائيل
في سياق متصل، دعا "شباب قطر ضد التطبيع" في بيان، أمس، لتوحيد جهود مقاومة ورفض التطبيع، والنأي بالقضية الفلسطينية عن القضايا الفردية والمصالح الضيقة. وأكدوا الرهان على "وعي الشعوب العربية والإسلامية بعدم الانجراف خلف الدعاوى الواهية لزمرة تسعى لتسيير مصالحها على حساب مصالح وقيم شعوب المنطقة"، داعين "لعدم الزج بقضية فلسطين في المهاترات وتصفية الحسابات فهذا ديدن خونة القضية".
كذلك، أعلن ناشطون إماراتيون رفضهم اتفاقية تطبيع العلاقات بين أبوظبي وتل أبيب، وشددوا على أنها لا تمثل الشعب الإماراتي وتخالف دستور الإمارات. جاء ذلك في بيان أصدره 20 ناشطا إماراتيا، شددوا فيه على أن "سكوت الشعب الإماراتي لا يعني قبوله بهذه الاتفاقية وإقراره بها، فكما هو معلوم للجميع لا يوجد في الإمارات أي هامش لحرية التعبير عن الرأي".
ويأتي هذا الحراك مكملاً لما تشهده مدن عربية عدة سجل فيها حراك شعبي رافضاً للتطبيع، لكن أهميته وضرورته أنه ينطلق من العواصم الخليجية التي تشهد تطبيعاً علنياً أو تستعد للإعلان عن ذلك، على غرار أبوظبي. وفي السياق نفسه، جاءت الندوة التي نظمها "ائتلاف الخليج ضد التطبيع"، وبثت مساء الإثنين على موقع "يوتيوب"، وشارك فيها ناشطون في مقاومة التطبيع من السعودية والإمارات والبحرين وسلطنة عمان والكويت وقطر، لتقدم رؤية واضحة عما يجري في كل دولة خليجية وعن حجم الوعي الشعبي في هذه الدول بخطورة المسار التطبيعي وحدود المواجهة الممكنة. وتم الكشف خلال الندوة عن أن رسالة نصية وصلت إلى المواطنين والمقيمين في الإمارات على هواتفهم، عشية الإعلان عن الاتفاق مع إسرائيل، تحذرهم من الخوض أو التعليق على "قرار سيادي سيصدر قريباً".
ورأت الباحثة والناشطة الإماراتية آلاء الصديق، في كلمة لها، أن سقف الحريات في الإمارات لا يحتمل مثل هذا التوجه (مقاومة التطبيع) في هذه المرحلة، إلا أنها دعت إلى ألا تتحول صعوبة التعبير إلى صعوبة التفكير في مواجهة التطبيع. وأكدت ضرورة مواجهة حملات التضليل الإعلامي، لافتة إلى ما روّجته السلطات الإماراتية ونشره إعلامها الرسمي عن أن اتفاقها مع إسرائيل يوقف ضم أراضي الضفة الغربية، وهو ما ثبت أنه غير صحيح. وأكدت الصديق ضرورة ترسيخ فكرة أن ما حدث لفلسطين وللشعب الفلسطيني احتلال، وأن فلسطين لا تعود إلا بزوال هذا الاحتلال. وفي تصريح لـ"العربي الجديد"، قالت الصديق عن الموقف الشعبي الإماراتي من خطوة التطبيع: "لا يمكن تحديد الموقف الشعبي، فأدوات القياس غائبة، ومنذ التسعينيات كانت هناك محاولات تطبيع وتعزيز للعلاقات الإماراتية مع الكيان الصهيوني، وظلت خفية لكنها بدأت تظهر على السطح رافقها تكميم أفواه مطلع عام 2000 واستمر تدريجا ليجبر النخب على كسر الصمت بالترويج الدعائي لما تقوم به الحكومة من دون رأي سوى المؤيد". لكنها شددت على أن "التأييد الشعبي للتطبيع مصطنع، والطبيعي أن يرفض الإماراتيون هذا التطبيع".
ناشطة إماراتية: التأييد الشعبي للتطبيع مصطنع، والطبيعي أن يرفض الإماراتيون هذا التطبيع
وسعت الندوة الافتراضية، التي تابعها نحو 800 ناشط ومهتم بمقاومة التطبيع في الخليج، إلى توحيد جهود مقاومي التطبيع في دول الخليج رداً على اتفاق الإمارات والاحتلال. وعرض الكاتب والناشط العماني سعيد الهاشمي دوافع مقاومة التطبيع مع دولة الاحتلال، والتي تنطلق من مبدأ مناصرة حق الشعب الفلسطيني في أرضه، وأن هذا العدو لم يحترم الاتفاقيات التي وقعها مع عدد من الدول العربية. بدورها، تطرقت الناشطة البحرينية سمية المجذوب إلى جهود الشارع البحريني في مقاومة التطبيع خلال سنوات طويلة، مؤكدة أن القضية الفلسطينية والإجماع عليها يتجاوز التيارات والطوائف. أما الباحث السعودي سلطان فقال إن الموجة الجديدة من التطبيع تأتي في ظروف أصعب من السابق، وفي ظل تحديات مختلفة تتطلب أفكاراً جديدة لمواجهتها، فالقضية الفلسطينية تعيش أسوأ أوضاعها، والمنطقة تعيش حالة تشظ وخلاف. بينما اعتبر الناشط عوض المطيري إعلان تطبيع العلاقات بين الإمارات والاحتلال لحظة مشؤومة في تاريخ منطقة الخليج، إذ تدخل دولة الاحتلال إلى الخليج للمرة الأولى، في وقت تتوحش فيه ضد الشعب الفلسطيني. وعرضت الناشطة في مقاومة التطبيع في قطر، إسراء المفتاح، تجارب وجهود مقاومي التطبيع في بلادها، وقالت إن نشاط مقاومة التطبيع في قطر بدأ من خلال رصد حالات التطبيع والإعلان عنها من خلال الفضاء الإلكتروني، ومن خلال التواصل مع مقاومي التطبيع في فلسطين، والتعريف بالأنشطة والجهود التي يقومون بها، لا سيما في مجال حماية الأراضي الفلسطينية ومنع مصادرتها من قبل الاحتلال.