رسالة منسوبة للسفير الأميركي في بغداد تثير أزمة... ما صحتها؟

05 مايو 2020
البرلمان يستعد للتصويت على الحكومة (صباح ارار/ فرانس برس)
+ الخط -
أثارت رسالة منسوبة للسفير الأميركي ببغداد، ماثيو تولر، تتعلق بدعم واشنطن تمرير حكومة مصطفى الكاظمي، روجت لها بعض المواقع العراقية المحلية التابعة لأحزاب وكتل سياسية مقربة من إيران، ليلة أمس الاثنين، أزمة جديدة يقول مراقبون إن الهدف من ورائها التحريض لإفشال جلسة التصويت على حكومة الكاظمي.

الرسالة روج لها بالتزامن مع إعلان رئاسة البرلمان تحديد موعد جلسة منح الثقة للحكومة، والتي ستعقد مساء غد الأربعاء، وقالت مواقع إخبارية عراقية مقربة من أحزاب سياسية، إن "الرسالة بعثت إلى زعامات عراقية تحثهم على دعم تمرير حكومة الكاظمي".

ونقلت تلك المواقع نص الرسالة التي جاء فيها "واشنطن تولي حاجة ملحة وكبيرة لتشكيل حكومة الكاظمي، ويجب أن يتم تجاهل أي نقاط ضعف أو تنازلات في اختيار الوزراء عند موازنتها مع التوقعات الرهيبة في البلاد، وأن حكومة تصريف الأعمال الحالية مشلولة وغير قادرة على التعامل مع العديد من المشاكل التي تواجه العراق".
وورد فيها كذلك "كأصدقائكم وشركائكم في السنوات الـ17 الماضية نشعر بالقلق البالغ من العواقب على العراق، كدولة وعلى الشعب العراقي، ستكون مدمرة إذا لم تتم الموافقة على الحكومة الجديدة. وإذا ما تم تشكيل الحكومة فسوف نبذل قصارى جهدنا لمساعدة العراق على مواجهة المشاكل المقبلة".
زعيم ائتلاف "دولة القانون"، نوري المالكي، الذي أعلن موقفا مسبقا بعدم التصويت على حكومة الكاظمي، كان أول من رد على تلك الرسالة، وقال في تغريدة له: "وصلتني رسالة من جهة تدعي أنها محسوبة على السفير الأميركي، فإن كانت مزورة فأعتبرها مهملة، وإن كانت صحيحة فالعراق له رجال يقدرون مصلحته ومصلحة شعبه، ولا نقبل بالتدخل في شؤوننا الداخلية وليس هذا من مهام السفير الدبلوماسية".

أما زعيم ائتلاف "الوطنية"، إياد علاوي، فقد أكد في تغريدة له تعقيبا على الرسالة، "نؤكد ضرورة أن تكون علاقاتنا جيدة مع الولايات المتحدة الأميركية وبقية دول العالم، لذا ما لم تُكذب الرسالة المنسوبة للسفارة الأميركية فستعد تدخلا سافرا ومرفوضا في الشأن العراقي"، مضيفا "شعبنا لن ينسى توافق الإدارتين الأميركية والإيرانية على وأد حقوقه عام 2010 والتي لا يزال يدفع ثمنها ويعاني تداعياتها".

من جانبه، ذهب السياسي العراقي، عزة الشابندر، أبعد من ذلك، بعدما لم يثر أي شكوك بصحة الرسالة، معتبرا أنها تهديد مذل، ومن العار أن يرضخ كل نائب شريف لها (أي بالتصويت على حكومة الكاظمي).
وقال في تغريدته: "بعد التهديد المُذِل الذي ورَدَ في رسالة السفير الأميركي، وبعد أن نَفَضنا أيدينا من غالبية القادة السياسيين وزعماء الكُتَل، عارٌ على كلّ نائب يملك شرف العراق وتاريخه أن يرضخَ لذلك التهديد ويبيع آخرته بدنياه".

وزير عراقي بارز في بغداد علّق على الرسالة المزعومة في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، بالقول إنها "فضائية"، في إشارة منه إلى عدم صحتها، وأضاف طالبا عدم ذكر اسمه، أنها محاولات من كتل وجهات معروفة لتحريض كتلة "سائرون"، بزعامة مقتدى الصدر على سحب دعمهم للكاظمي.
واعتبر أن السفير الأميركي في بغداد ماثيو تولر "أذكى من أن يوجه رسالة مكتوبة في حال رغب فعلا بالتدخل بملف الكاظمي، كما أن وقوع الرسالة بيد ساسة عراقيين يجعل الموضوع أقرب للنكتة"، وفقا لقوله.
ورأى الوزير أن فصائل مسلحة معروفة بمواقفها من الكاظمي ربما تحالفت مع كتل مثل "دولة القانون"، من أجل اختلاق مثل هذه القصة.
وفيما شككت جهات سياسية بصحة الرسالة، فقد عدتها تدخلا سافرا في الشأن العراقي إذا ما صحت، وقال رئيس كتلة "الوطنية" البرلمانية، النائب كاظم الشمري، لـ"العربي الجديد"، إن "هذه الرسالة، إذا صحت، فهي تدخل سافر وغير مقبول لا من واشنطن ولا من أي دولة أخرى، أن تفرض على العراقيين خياراتهم".
ودعا السفارة الأميركية إلى "تكذيب الرسالة إذا كانت غير صحيحة، إذ إن مهام السفراء محددة وفق القانون والأعراف الدولية، وأن تجاوزها يعد انتهاكا لسيادة البلد"، مشددا على أنه "إذا صحت الرسالة فستكون سابقة خطيرة للعلاقات بين الدول وتجاوز من السفير الأميركي لصلاحياته ومهامه".
مراقبون من جهتهم، أكدوا أن الرسالة لا صحة لها، وأن الترويج لها ينطوي على تحقيق مكاسب معينة، من خلال توسيع دائرة الرفض للكاظمي، واعتبار أنه جاء بدعم أميركي.
وقال رئيس "مركز التفكير السياسي" إحسان الشمري، لـ"العربي الجديد"، إنه "لا صحة لهذه الرسالة، هي جزء من محاولات خلط الأوراق، وخصوصا أن هناك جهات سياسية أعلنت عدم تصويتها على حكومة الكاظمي، وهي تحاول أن تصور أن الكاظمي جاء بدعم أميركي"، مبينا أن "تلك الجهات تناست أن إيران كانت من ضمن المرحبين بتكليفه".
وأضاف أن "الترويج للرسالة يأتي أيضا كمحاولة لاستقطاب أكبر عدد من الجهات السياسية الرافضة للمشروع الأميركي، كما أنها محاولة لإحراج القوى الشيعية التي لطالما رفعت شعار محاربة أميركا، وهي اليوم تؤيد الكاظمي، وإظهارها على أنها أصبحت ضمن المشروع الأميركي".

وقلل من أهمية تأثير تلك الرسالة، مؤكدا أن "هكذا مناورات لا أتصور أن تكون فاعلة ومؤثرة على مجريات المشهد السياسي في العراق".
كما علق القيادي الكردي، ماجد شنكالي، على الرسالة المزعومة نافياً أي وجود لها، مبينا في تغريدة له، أن "رسالة السفير الأميركي المزعومة، في رأيي الشخصي، لا تتعدى أن تكون رسالة لا وجود لها، بعثها البعض لأنفسهم حينما شعروا بأن دورهم قد تلاشى، وأصبح من الهوامش في الواقع السياسي الجديد في العراق".

دلالات