تسارعت الأمور في مدينة عدن اليمنية أخيراً، بعد بدء المرحلة الثانية من عملية "السهم الذهبي"، في أعقاب وصول وفد يمني يمثل الشرعية، يضم عدداً من الوزراء في حكومة خالد بحاح والقيادات الأمنية في وقتٍ أبكر مما كان متوقعاً، لقطع الطريق أمام "الحراك الجنوبي" في أغلب الظنّ، حتى لا تتخذ عملية تحرير المدينة من مليشيات الحوثيين والرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، أبعاداً لا تناسب الشرعية اليمنية.
وتهدف المرحلة الثانية من عملية "السهم الذهبي" إلى تحرير ما تبقّى من عدن من مليشيات الحوثيين والرئيس المخلوع فضلاً عن تحرير لحج وأبين. ومع انتهاء المهلة التي أعطتها "المقاومة" والجيش الشرعي والتحالف، لعناصر المليشيات، المتواجدين في مدينتي التواهي وكريتر، للاستسلام أو مواجهة مصيرهم، بدأت العمليات فجر أمس الخميس.
وتجري العملية في ثلاث محافظات، فإلى جانب تحرير عدن بشكل كامل، قام التحالف و"المقاومة الشعبية"، في محافظتي لحج وأبين بعملية مماثلة، لما يجري في عدن. كما اقتربت "المقاومة" والجيش الشرعي من السيطرة على المراكز السياسية والسيادية في التواهي، ومنها قصر 22 مايو، ومقرّ المخابرات، ومبنيا الإذاعة والتلفزيون، ووكالة سبأ، ومقرّ قيادة المنطقة العسكرية الرابعة، فضلاً عن مرافق أخرى كالاتصالات والنقل. كما سيطرت المقاومة في كريتر على قصر المعاشيق والبنك المركزي، وبعض المرافق، لتنتهي بذلك حكاية أكثر من مائة يوم حرب في عدن، وتبدأ معها معركة جديدة أخرى بعنوان: "تأمين عدن"، وأفادت معلومات عن استسلام عشرات الحوثيين في منطقة المعلا.
وبموازاة معركة عدن، تعمل "المقاومة" على التوغّل نحو محافظة لحج شمالاً، لتطهيرها واقتحام مدينة الوهط الواقعة جنوبي لحج، كما كان هناك تقدم مماثل شمالي لحج، باتجاه وسطها وجنوبها، ولا سيما عند قاعدة العند الجوية، الأهم في المحافظة. ويُعتبر تطهير لحج هدفاً أساسياً لتأمين عدن من القصف، من خلال فرض سياج أمني من الناحية الشمالية والغربية.
في موازاة ذلك، كانت طائرات وبوارج التحالف العسكرية، تدعم المقاومة في محافظة أبين، شرقي عدن، في محاولة لتحريرها هي الأخرى، وتأمين عدن من الناحية الشرقية أيضاً، فضلاً عن قطع أي محاولة للمليشيات لشنّ هجوم مضاد، في ظل بدء عودة الحكومة إلى المدينة، وقرب عودة الرئيس عبد ربه منصور هادي إليها أيضاً.
وتسعى الشرعية والتحالف لفرض سياج أمني طويل على عدن من مختلف الجهات، وتأمين قاعدة العند الجوية وسط لحج، والتي تُعدّ موقعاً استراتيجياً لتأمين عدن والمدن المحيطة بها، خصوصاً أن قاعدة العند ستكون محور العمليات في الأيام المقبلة وفق مصادر عسكرية.
وتقترب "المقاومة" في جبهتي بله والمسيمير من قاعدة العند بشكل كبير، بدعم من التحالف، كما تمكنت من قطع الإمدادات عن القاعدة، بعد قطع المنفذ الوحيد المُتبقّي، وبدأت تفرض حصاراً على القاعدة، وفق ما أفاد مصدر قيادي لـ"العربي الجديد"، مؤكداً أن "الساعات القليلة المقبلة ستكون مهمة في طريق تحرير قاعدة العند الجوية".
وتزامنت المرحلة الثانية من العمليات مع عودة وزراء الصحة والنقل والداخلية، إلى عدن، برفقة قيادات عسكرية وأمنية، في مقدمتها رئيس جهاز الأمن القومي علي حسن الأحمدي، وآخرون، وذلك بغية قيادة المعارك ميدانياً، والإشراف على سير العمليات داخل عدن، والتخفيف من معاناة الناس، وإعداد تقرير سريع حول الدمار والأضرار التي يُمكن معالجتها بأسرع وقت ممكن، ولا سيما خدماتياً، بالإضافة إلى إعداد تقرير حول الأوضاع بشكل عام، وفق مصادر مقرّبة من الحكومة".
وعلى الرغم من ذلك، يتوقع أن تقف مشاكل عدة كحاجز ضد تحركات الطاقم الحكومي، ومن بينها التحريض ضد حكومة الشرعية. ويعتقد بعض أطراف الحراك الجنوبي، أن "مهمة التحالف جاءت فقط لتحرير مناطق الجنوب"، لا سيما في ظل اعتبار أن "الطاقم الحكومي كله شمالي"، بينما يقول الوفد إنه "لا وجود في الطاقم سوى لشخصية واحدة ممثلة في وزير الداخلية".
ويتخوف البعض من أن يؤثر رفض "الحراك" وتحريضه، على العلاقة بين الجنوبيين والتحالف العربي، والهدف من هذا التحالف، في ظلّ تربّص أطراف أو قيادات جنوبية، تربطها علاقة مع الحوثيين وصالح، بالوضع.
كما يواجه الوفد الحكومي مشكلة الأمن، وانتشار السلاح بيد "المقاومة"، خصوصاً الأفراد غير النظاميين، أو المجموعات التي اكتفت بجمع السلاح باسم "المقاومة" من دون استخدامه، "خصوصاً بعض الانتهازيين"، بحسب مصدر عسكري.
وتُفيد مصادر في السلطة المحلية في عدن لـ"العربي الجديد"، أن "الدمار الذي خلّفته المليشيات في المرافق الخدمية والمؤسسات الحكومية، فضلاً عن انقطاع المياه وتدمير شبكتها، كما هو الحال في الكهرباء، من أهم الإشكالات، التي تنتظر الوفد الحكومي".
وتكشف مصادر سياسية يمنية، أن "العودة السريعة لعدد من الوزراء، تأتي تحسباً لأي تجاوزات لبعض الأطراف، لا سيما مع تحرير المدينة، وعدم تركها فارغة لتملأها أطراف أو مليشيات أو جماعات مسلّحة خارج المقاومة، والجيش الشرعي".
وتضيف أن "العودة تأتي تمهيداً لنقل قيادة العمليات العسكرية إلى عدن، لذلك يتمّ تطهير لحج وأبين لتأمينها، كما أن العودة تأتي ضمن تحسين الأجواء السياسية". وذكرت بعض المصادر أن "من ضمن أسباب عودة الوفد الحكومي تأمين مقرات البعثات الدبلوماسية، تمهيداً لعودة العمل من عدن".
ويقول الكاتب والمحلل السياسي الجنوبي مدين مقباس لـ"العربي الجديد"، إن "أحداث كثيرة قلبت الطاولة في المنطقة، ومنها سماح ﺩول التحالف للمقاومة بتنفيذ خطة الهجوم لتحرير عدن من مليشيات الحوثيين وصالح، والتي تزامنت مع توقيع الملف النووي الإيراني".
وأشار إلى أن "الاهتمام المفاجئ في ظلّ تحقيق ﺍلنصر في الجنوب، قد يؤدي إلى نتائج عكسية، وتفرمل المعنوية العالية التي برزت عند الجنوبيين، في غمرة احتفالاتهم بالنصر، وتحرير عدن، خصوصاً مع استمرار الغموض في المسار السياسي تجاه ﺍلقضية الجنوبية، من قبل الجانب اليمني في الرياض، والأشقاء في دول التحالف".
اقرأ أيضاً: "المقاومة" والجيش الشرعي يخوضان معارك تطهير جنوب اليمن