28 أكتوبر 2024
رسائل تركية ـ روسية متبادلة
لا يمكن إدراج العلاقات التركية ـ الروسية ضمن إطار التحالف الاستراتيجي، على الرغم من التقارب الكبير الحاصل بين الدولتين، فالخلافات بين الجانبين ما تزال عميقة في سورية، وفي شبه جزيرة القرم، وفي ملفات أخرى.
الجغرافيا السياسية والاقتصادية كانت سببا في التقارب، نظرا لحاجة كل طرف للآخر في ضوء موقف شبه موحد من الغرب. لكن، إذا كانت الأزمة السورية سببا رئيسا في تقارب الدولتين، فإنها يمكن أن تكون سببا في تباعدهما، مع وصول روسيا إلى أقصى قدراتها في سورية، وعجزها عن تقديم المزيد للأتراك. ومع أن تركيا حققت مكاسب مهمة في سورية عبر البوابة الروسية، فإن استكمال هذه المكاسب سيكون من البوابة الأميركية مع الحضور العسكري الأميركي على طول الحدود التركية مع محافظتي الحسكة والرقة، وأجزاء من ريف حلب الشمالي. بعبارة أخرى، سمحت البوابة الروسية لتركيا بوقف التمدّد الجغرافي الكردي في بعض المناطق، لكن حل المسألة الكردية لا يكون إلا عبر بوابة واشنطن.
قرّبت الأزمة السورية بين تركيا وروسيا لينشأ بينهما تحالف الضرورة، وباعدت الأزمة بين تركيا والولايات المتحدة، لتنشأ حالة من تباعد الضرورة، هذه الضرورات هي التي أعطت لتركيا حصة جغرافية في الشمال الغربي من سورية، وهي أيضا التي وضعت حدا للاندفاعة التركية.
التقارب الروسي ـ التركي تتخلله خلافات كبيرة، وإن لم تظهر بعد على السطح، وسيكون مصير إدلب والمناطق المحيطة بها سببا لظهور هذه الخلافات. ولم يكن التصريح الذي أطلقه الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، من تونس تجاه الأسد اعتباطيا، أو محض مصادفة. لقد عودنا أن تصريحاته المفاجئة في سياقها السياسي تدل على أن ثمة مشكلة ما، "بشار الأسد إرهابي قام بممارسة إرهاب الدولة ضدّ شعبه، بالتالي لا يمكن أبداً مواصلة الطريق مع الأسد في سورية، لماذا؟ لأنه لا يمكن المضي مع شخص قتل قرابة مليون مواطن من شعبه". وقد استُبق هذا التصريح بمجموعة من التطورات:
تقدّم قوات النظام السوري في الريف الجنوبي الشرقي لمحافظة إدلب، وهو تقدّم يعكس الخلاف بين أنقرة وموسكو، حيث كان من المفترض، وفق اتفاق خفض التوتر، أن تنتشر قوات روسية شرقي سكة الحجاز، لكن الروس لم ينفذوا ذلك، ما يعني أنهم تركوا هذه المنطقة قصدا لكي تكون هدفا للنظام.
تصريح وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، الذي لمح فيه إلى دعم تركيا جبهة النصرة، حين قال "الآن، بالطبع المهمة الرئيسية لمحاربة الإرهاب هي دحر جبهة النصرة التي تبدي مقاومة بفضل الحصول على دعم من الخارج، حسب معلوماتنا".
التفاف موسكو على الفيتو التركي ضد مشاركة حزب "الاتحاد الديمقراطي" (الكردي) والتابعين له في مؤتمر "الحوار الوطني السوري" المقرّر في سوتشي، فقد أعلن القائد العام لوحدات حماية الشعب( الكردية)، سيبان هيمو، عبر وكالة سبوتنيك الروسية أن موسكو وعدت بمشاركة 155 مسؤولا كرديا في المؤتمر.
وتؤكد كل هذه التطورات وجود خلاف جدي بدأ بالظهور أخيرا، ووصف الخارجية الروسية تصريحات أردوغان عن الأسد بأنه لا أساس قانونيا لها يؤكد هذه الخلافات. وبالنسبة لإدلب، لا تريد تركيا، في هذه المرحلة، إطلاق أي معركة فيها، كي لا تخسر المحافظة لصالح النظام، وكي لا تحدث موجة نزوح كبيرة نحو أراضيها. كما أنها لا تريد خسارة القوى العسكرية الموجودة في المحافظة، في وقت تسعى، شيئا فشيئا، إلى سحب البساط من تحت أقدام جبهة النصرة، ذلك أن إطلاق معركة كبيرة ضد إدلب سيوحّد الفصائل كلها مع "النصرة"، وهذا ما بدا جليا في معارك ريف حماة الشمالي، حيث انضمت فصائل من الجيش الحر وفصائل إسلامية كانت معادية لهيئة تحرير الشام، مثل حركتي أحرار الشام ونور الدين الزنكي، إلى المعركة ضد النظام.
وبالنسبة للمشاركة الكردية في مؤتمر سوتشي، فإن الأتراك يتمسّكون بموقفهم حتى النهاية، وهذا الموقف هو الذي كان سببا في تأجيل المؤتمر، حيث لا تريد موسكو إثارة غضب أنقرة، في وقتٍ هي بحاجة لها، للضغط على المعارضة لحضور المؤتمر.
المشكلة أن الأتراك لا يريدون شرعنة القوى العسكرية الكردية سياسياً، بينما تدرك موسكو أن مؤتمراً بهذا الحجم من دون المشاركة الكردية التي تمتلك قوة على الأرض سيضعفه، كما تعتقد أن مشاركة "الاتحاد الديمقراطي"، أو مقربين منه، سيرضي الولايات المتحدة، وهذا مهم لموسكو.
ثمّة نقطة خلافية أخرى، تتعلق بمصير التسوية السياسية، صحيح أن الأتراك خفّضوا من سقف خطابهم السياسي حيال الأزمة السورية، لكنهم غير راضين تماما عن المسار السياسي الذي يخطوه الروس، فمن شأن حذو تركيا وراء روسيا حذو النعل بالنعل أن يُضعف من قوتها وتأثيرها على المعارضة، بشقيها السياسي والعسكري.
بناء على هذه المعطيات، ستشهد العلاقة بين الدولتين مزيدا من التوتر في المرحلة المقبلة، فروسيا مضطرة إلى التعامل مع القوى الكردية، لترتيب المشهد الداخلي على الأرض.
الجغرافيا السياسية والاقتصادية كانت سببا في التقارب، نظرا لحاجة كل طرف للآخر في ضوء موقف شبه موحد من الغرب. لكن، إذا كانت الأزمة السورية سببا رئيسا في تقارب الدولتين، فإنها يمكن أن تكون سببا في تباعدهما، مع وصول روسيا إلى أقصى قدراتها في سورية، وعجزها عن تقديم المزيد للأتراك. ومع أن تركيا حققت مكاسب مهمة في سورية عبر البوابة الروسية، فإن استكمال هذه المكاسب سيكون من البوابة الأميركية مع الحضور العسكري الأميركي على طول الحدود التركية مع محافظتي الحسكة والرقة، وأجزاء من ريف حلب الشمالي. بعبارة أخرى، سمحت البوابة الروسية لتركيا بوقف التمدّد الجغرافي الكردي في بعض المناطق، لكن حل المسألة الكردية لا يكون إلا عبر بوابة واشنطن.
قرّبت الأزمة السورية بين تركيا وروسيا لينشأ بينهما تحالف الضرورة، وباعدت الأزمة بين تركيا والولايات المتحدة، لتنشأ حالة من تباعد الضرورة، هذه الضرورات هي التي أعطت لتركيا حصة جغرافية في الشمال الغربي من سورية، وهي أيضا التي وضعت حدا للاندفاعة التركية.
التقارب الروسي ـ التركي تتخلله خلافات كبيرة، وإن لم تظهر بعد على السطح، وسيكون مصير إدلب والمناطق المحيطة بها سببا لظهور هذه الخلافات. ولم يكن التصريح الذي أطلقه الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، من تونس تجاه الأسد اعتباطيا، أو محض مصادفة. لقد عودنا أن تصريحاته المفاجئة في سياقها السياسي تدل على أن ثمة مشكلة ما، "بشار الأسد إرهابي قام بممارسة إرهاب الدولة ضدّ شعبه، بالتالي لا يمكن أبداً مواصلة الطريق مع الأسد في سورية، لماذا؟ لأنه لا يمكن المضي مع شخص قتل قرابة مليون مواطن من شعبه". وقد استُبق هذا التصريح بمجموعة من التطورات:
تقدّم قوات النظام السوري في الريف الجنوبي الشرقي لمحافظة إدلب، وهو تقدّم يعكس الخلاف بين أنقرة وموسكو، حيث كان من المفترض، وفق اتفاق خفض التوتر، أن تنتشر قوات روسية شرقي سكة الحجاز، لكن الروس لم ينفذوا ذلك، ما يعني أنهم تركوا هذه المنطقة قصدا لكي تكون هدفا للنظام.
تصريح وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، الذي لمح فيه إلى دعم تركيا جبهة النصرة، حين قال "الآن، بالطبع المهمة الرئيسية لمحاربة الإرهاب هي دحر جبهة النصرة التي تبدي مقاومة بفضل الحصول على دعم من الخارج، حسب معلوماتنا".
التفاف موسكو على الفيتو التركي ضد مشاركة حزب "الاتحاد الديمقراطي" (الكردي) والتابعين له في مؤتمر "الحوار الوطني السوري" المقرّر في سوتشي، فقد أعلن القائد العام لوحدات حماية الشعب( الكردية)، سيبان هيمو، عبر وكالة سبوتنيك الروسية أن موسكو وعدت بمشاركة 155 مسؤولا كرديا في المؤتمر.
وتؤكد كل هذه التطورات وجود خلاف جدي بدأ بالظهور أخيرا، ووصف الخارجية الروسية تصريحات أردوغان عن الأسد بأنه لا أساس قانونيا لها يؤكد هذه الخلافات. وبالنسبة لإدلب، لا تريد تركيا، في هذه المرحلة، إطلاق أي معركة فيها، كي لا تخسر المحافظة لصالح النظام، وكي لا تحدث موجة نزوح كبيرة نحو أراضيها. كما أنها لا تريد خسارة القوى العسكرية الموجودة في المحافظة، في وقت تسعى، شيئا فشيئا، إلى سحب البساط من تحت أقدام جبهة النصرة، ذلك أن إطلاق معركة كبيرة ضد إدلب سيوحّد الفصائل كلها مع "النصرة"، وهذا ما بدا جليا في معارك ريف حماة الشمالي، حيث انضمت فصائل من الجيش الحر وفصائل إسلامية كانت معادية لهيئة تحرير الشام، مثل حركتي أحرار الشام ونور الدين الزنكي، إلى المعركة ضد النظام.
وبالنسبة للمشاركة الكردية في مؤتمر سوتشي، فإن الأتراك يتمسّكون بموقفهم حتى النهاية، وهذا الموقف هو الذي كان سببا في تأجيل المؤتمر، حيث لا تريد موسكو إثارة غضب أنقرة، في وقتٍ هي بحاجة لها، للضغط على المعارضة لحضور المؤتمر.
المشكلة أن الأتراك لا يريدون شرعنة القوى العسكرية الكردية سياسياً، بينما تدرك موسكو أن مؤتمراً بهذا الحجم من دون المشاركة الكردية التي تمتلك قوة على الأرض سيضعفه، كما تعتقد أن مشاركة "الاتحاد الديمقراطي"، أو مقربين منه، سيرضي الولايات المتحدة، وهذا مهم لموسكو.
ثمّة نقطة خلافية أخرى، تتعلق بمصير التسوية السياسية، صحيح أن الأتراك خفّضوا من سقف خطابهم السياسي حيال الأزمة السورية، لكنهم غير راضين تماما عن المسار السياسي الذي يخطوه الروس، فمن شأن حذو تركيا وراء روسيا حذو النعل بالنعل أن يُضعف من قوتها وتأثيرها على المعارضة، بشقيها السياسي والعسكري.
بناء على هذه المعطيات، ستشهد العلاقة بين الدولتين مزيدا من التوتر في المرحلة المقبلة، فروسيا مضطرة إلى التعامل مع القوى الكردية، لترتيب المشهد الداخلي على الأرض.