رئيس الصدفة

13 فبراير 2017
+ الخط -

في هذه العجالة يمكنك أن تمرَّ على درس من دروس الطغاة الذين قرأنا عنهم. فبشار الأسد، يجسِّد أمامك، بكل الصلف والعنجهيّة والأكاذيب والانفصام والسيكولوجيّة النرجسيَّة الخطرة، ما مثّله طغاة آخرون يتودَّدون لنيل شرعية الخارج المتآمر، الإفرنجي أيام زمان، وما بات معروفاً بـ"الغربي" اليوم.

من وكالته الرسمية "سانا"، يمكن أن تكتشف المنزلق الذي وصل إليه المنفصم عن واقع السوريين. فالوفد البلجيكي الذي زاره لم ينقصه سوى أن يُنزل إلى ساحة الأمويين، ويهتف "بالروح بالدم نفديك يا بشار". 

بكلِّ الأحوال، لو بحث أنصار هذا النظام المأزوم في أسماء من يستقبلهم ويجلسُهم على يمينه، وطبيعة الأحزاب والجماعات، كأمثال فيليب دوفينتر، سيكتشِف مدى البؤس الذي وصل إليه بشار الأسد في مخيلته عن واقع سورية، والعالم المُحيط به.

في وكالة الأنباء ذاتها، نُشِر فيديو مقابلة من أكثر من 12 دقيقة. سآخذ ما أجاب عليه هذا الحاكم بعظمة لسانه في السؤال السابع، لصحافي مرافق لوفد بلاده عمره 43، بأنَّه لو ولد في سورية، كان دائماً واحد من عائلة الأسد في السلطة التنفيذية.

المذهل في الموضوع، ردُّ رئيسُ الصّدفة، باعترافه بأنه "رئيس بالصدفة". فهو بطريقةٍ مُبتذلةٍ جداً، يريد أن يوصل رسالة بأنّ والده لم يضعه في أي منصب ليخلفه، والأمورُ تمّت بالمصادفة. ويعرج الأسد على أن عائلته لا تملك البلد، وبالتالي، يرد على الصحافي بأنّه طبعاً يمكن رؤية سورية محكومة بدون عائلة الأسد.

لا يهم الآن كم جرى من قطع ولصق في فيديو المقابلة، مع وسائل الإعلام البلجيكية. ولكن، يُركِّزُ بشار على أنه تم انتخابه بشكل طبيعي، لأنَّ الأسد الأب لم يكن لديه وريث.

دع عنك، الآن، كل هراء تعديل الدستور ليناسب سن بشار، بالمصادفة، وما قبله من موت باسل، بالصدفة.

الصدفة في سورية، وفي عقل بشار، تخلقُ كلّ شيء، "محبة الشعب لي ووقوفه إلى جانبي"، بينما الحقيقةُ هي في سؤالٍ بسيط: أين هم ملايين السوريين المهجرين من ديارهم بفعل البراميل؟ وأين آلاف المختفين قسرياً، علماً أنّ "أمنستي" فضحت، أمس، فقط جزءاً بسيطاً من مسالخ صيدنايا الشبيهة بتدمر "القوقعة"، مثلما فعلت تسريبات "قيصر" من رأس جبل جليد، والذي يخفي أهوالاً لن يستطيع أحد أن يخفيها مهما طال زمن التذاكي.

كم تشعرُ بالاشمئزاز من قول بشار: "أبي لم يضعني في موقع مسؤولية، ولم أكُن مسؤولاً عن شيء". فهو لم يكن سوى بالصدفة مسؤول ما يُسمَّى "المعلوماتية"، وله بالتحديد يعود فضل دخول الحاسوب إلى سورية، فلولاه لكانت سورية، مثل حلب بقسمها المدمر أو مثل بابا عمرو، ومغارات إدلب التي تأوي بشراً في القرن الـ21، ولما وصلت الكهرباء إلى ما وصلت إليه ولما أعطيت نخب سورية مجالاً في بداية حكمه لتقول ما تشاء في المنتديات، قبل أن يحال أصحابها إلى خانة "المتآمرين".

أمَّا زياراته الرسمية، واستقباله كوريثٍ في قصر الإليزيه، وتدخُّله في كلِّ شاردة وواردة في لبنان، وسفره في مهامٍ رسميَّة لدول "التآمر"، كُلَها لم تكن سوى سياحة قصور، ومسالخ بشرية في زمن رستم غزالي وغازي كنعان وقبلهما.

بالصّدفة، تندلعُ ثورةُ احتجاجٍ في درعا، فيكون عاطف نجيب، مجهول النسب في العلاقة بعائلة بشار. وبالصدفة، "مستر 5 بالمئة"، رامي مخلوف، لا علاقة له بالعائلة. أما ماهر الأسد، فهو مثل عمّه رفعت، بالصدفة وجد نفسه ظل أخيه، يقود مذبحة إثر أخرى.