13 نوفمبر 2024
رئاسيات الجزائر.. هل يكون الشّارع الحكم؟
يبدو أن السّلطة والمعارضة في الجزائر، معاً، قد خسرتا معركة المصداقية بمناسبة رئاسيات إبريل/ نيسان المقبل، حيث سعت السلطة إلى فرض الأمر الواقع، في الإصرار على عهدة جديدة للرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، فيما لم تنجح المعارضة في الالتفاف على أدنى درجات التوافق بفشلها في الاتفاق على مرشّحٍ يمثلها في الرّئاسيات. في هذه الأثناء، هناك وافد جديد على الساحة لم يكن يُلقى له بال، يحاول أخذ زمام الأمر وتحريك كلا الفريقين صنعا للخطوات الأولى للتغيير.
إنه الشارع بكل محاذيره ومخاطر الالتجاء إليه حكماً بين السلطة والمعارضة، وخصوصاً مع غياب ثلاثة عناصر حيوية في تنظيم صفوفه، وهي: المرجعيات، الكاريزما القيادية والمشروع. بالنسبة للمرجعيات، يعيش الشارع الجزائري، منذ انتهاء العشرية السوداء (حدثت في عقد التسعينيات وأوقعت عشرات الآلاف من الضحايا إثر توقيف المسار الانتخابي في شتاء 1991-1992)، بدون بوصلة، حيث فقد ثقته في السلطة والمعارضة معا، بل وفي جدوى الفعل السياسي. وبالتالي فهو، الآن، وإن مُنحت له فرصة لعب دور الحكم، لن يتمكّن من القيام بدوره كاملا بسبب فقدانه المرجعيات التي توجّهه، وتضع له خطة طريق سيرا نحو التغيير.
نتج من فقدان المرجعيات غياب (بل تغييب) الكاريزما القيادية التي بإمكانها لعب دور المنقذ، حيث تفتقد الجزائر شخصيات وطنية تمتلك رصيدا من المصداقية. ويمكن للشّارع الالتجاء إليها، ليستمد منها التوجيه مع الاعتراف، هنا، بأن تلك الكاريزما موجودة، ولكن بعيدة عن
الفعل السياسي حاليا، بل ثمّة، في البلاد عشرات من الشخصيات (محليا ووطنيا) التي لها ذلك الرصيد الكاريزمي القيادي، ولا تنظر إلّا أن ينادى لها، لتشارك في وساطتها بين النّظام والشارع، وتكتب مسارا جديدا لجزائر ما زالت تراوح مكانها منذ الاستقلال.
سبق لكاتب المقالة الإشارة في "العربي الجديد" إلى حيوية الدور الذي يمكن لبعض الشخصيات القيادية، ذات الكاريزما والمصداقية، أن تؤديه، وخصوصاً أنها لم تنخرط منذ فترة في الفعل السياسي، وبالتالي، الأمل معقودٌ على أن الالتجاء إليها سيكسب الزخم الحالي للحراك الشعبي دفعة أكبر. ولعله يدفع نحو تعقل من السلطة ووعي أكبر من المعارضة، ويقبل الفريقان الالتقاء للفصل في الأمر، والاتفاق على خطة طريق لإصلاح النظام السياسي في البلاد.
نصل، هنا، إلى العنصر الأهم، وهو المشروع الذي على الجميع التفكير في مضمونه، لأن تشخيص المرض، يستوجب وصفة علاجية، تقضي على الداء، شيئا فشيئا. المشروع موجود، لأن المرض معروفٌ، حيث كشفت السياسة العامة التي تمّت قيادة البلاد بها عن سلبيات، وعلى المستويات كافة. ويكفي الرجوع إلى المؤشرات الكبرى للاقتصاد، للتربية، للتعليم العالي، للصحة، ولغيرها من المجالات، لمعرفة أين الخطأ ثم الاستعانة بالخبراء، لرسم خطط الإصلاح، العاجلة منها والمنظورة، على المديين، المتوسط والطويل.
بالنتيجة، وبدون هذه العناصر الثلاثة، لا يمكن الالتجاء أو الرهان على الشارع، خصوصا أن الجزائر تختزن في ذاكرتها الجمعية الوطنية ذكرى سيئة لمثل هذا الخيار، متمثلا في العشرية السوداء لتسعينيات القرن الماضي. والسؤال هو: كيف يمكن الاستفادة من هذا الزّخم الحراكي لفرض تفاوضٍ على النظام، تكون نهايته الاتفاق على عقد اجتماعي جديد، ينظم عمل النّظام السياسي ويحدد بوصلة الجزائر الجديدة؟ الإجابة بسيطة، وتحتاج، فقط، لمن يرسم كلماتها ويجسّدها، بعد ذلك، في خطواتٍ ملموسة، أو ما يُصطلح على تسميتها، في السياسة، خطّة طريق تكون مُلزمة للجميع. ها هو الشعب قد خرج إلى الشارع، وعبّر، لأول مرة منذ نهاية المأساة الوطنية، عن رأيه الذي يتضمن رفضه مقاربة السلطة في الحكم، كما عبّر، أيضا، عن رفضه مقاربات المعارضة في التعامل مع الشأن السياسي. ويكون، بذلك، قد رفض معادلة جديدة، يريد أن يكون هو الحكم، بعد أن يكون قد نظم نفسه، وأعلن عن ممثليه من المجتمع المدني والشخصيات الوطنية التي تمتلك الرصيد اللازم من المصداقية والقدرة على التفاوض، لفرض رؤية جديدة لجزائر الغد.
سبق للجزائر، في الماضي، بمناسبة أزمة أخرى، الوصول إلى فرض المقاربة نفسها. وكان ذلك في العام 2001، إثر ما عُرف بالربيع الأسود في منطقة القبائل (شرق العاصمة)، حيث تم الابتعاد عن السياسيين، وإلزام المجتمع المدني بتحمّل لواء التفاوض مع السلطة، ما مكّن من التوصل إلى أرضيةٍ انتهت بترسيم الأمازيغية لغة رسمية، وأنهت معاناة المنطقة برمتها.
يكفي، بالنتيجة، استنساخ التجربة، وإعادة رسمها مع فتح الباب، واسعا، أمام فعالياتٍ من كل أرجاء الوطن، تتحيّن فرصة الفترة التي تفصلنا عن الرئاسيات (إبريل/ نيسان 2019) لتضع تفاصيل ذلك المسار التفاوضي ومضمونه، وتعرضه على السلطة بديلا من مخاطر الالتجاء إلى الشارع، وما يكتنف ذلك من مخاطر لا يمكن التحكّم في مآلاتها.
ترتسم، في الجزائر، إرهاصات أزمة سياسية حادة، إذا لم يتم الاحتكام إلى العقل، من الآن، لرفض ذلك المسـار، ويكون النظام قد شعر بذلك، حيث تضمنت رسالة الرئيس للترشّح إيماءاتٍ إلى خطة الطريق، بالإشارة إلى عرضين، الندوة الوطنية الجامعة، وإصلاح عميق (تعديل) للدستور، وهما العرضان اللذان عليهما الرهان، الآن، للإمساك بزمام الأزمة وإدارتها بعقلانية.
السّلطة، حتّى وإن أصرّت على ترشيح الرّئيس بوتفليقة لعهدة جديدة، إلّا أنها كانت تستشعر
حجم رفض خيارها. وبحساب خطوات التعامل مع ذلك، وضعت، في حسبانها، مقاربة الإدارة للأزمة، وضمّنت رسالة الترشح هذين العرضين، وهما جيدان باعتبارهما خطوةً لانطلاق مسار المفاوضات، ليكون الرهان، الآن، على المجتمع المدني، لتلقف الفرصة وتحويلها إلى سيناريو إدارة عقلانية، تنتهي إلى حل توافقي، على أن يجري كل شيء الآن، قبل فوات الأوان وإفلات الفرصة من أيدي العقلاء.
أثبت الجزائريون، بخروجهم بالآلاف، رفضا للأمر الواقع ولمقاربة السلطة السياسية، أنهم يتمسّكون بالمقاربة الحضارية لحل الأزمات السياسية. ويكونون، بذلك، قد أرسلوا، إلى من يهمّه الأمر، من المجتمع المدني، السّلطة والمعارضة، معا، مطالبهم بأخذ زمام المسؤولية. كما يكونون، أيضاً، قد عقدوا الأمل على مسارٍ تفاوضيٍّ، يعيد إليهم خيارهم السيد في اختيار مصيرهم بأيديهم من خلال صندوق انتخاباتٍ شفاف ونزيه وبمشاريع ومرشّحين يمتلكون الرصيد الإقناعي سياسيا في مسارٍ للتداول السلمي على السلطة، تماما كما يجري في الديمقراطيات التي نعرفها.
الالتجاء إلى الشارع بدون تلك المعطيات الحيوية (المرجعيات، الكاريزما القيادية، والمشروع) هو رهانٌ تصاحبه مخاطر كثيرة، ويكفي التّفكير بعقلانية والرّكون إلى إدارة الأزمة السياسية بمقاربة إستراتيجية، تكفلها شخصيات ذات مصداقية (المجتمع المدني وشخصيات وطنية)، لرسم المستقبل المنظور (الرئاسيات المقبلة) والمستقبل المنشود: تغيير بوصلة النظام السياسي في الجزائر.. وإنّ غداً لناظره لقريب.
نتج من فقدان المرجعيات غياب (بل تغييب) الكاريزما القيادية التي بإمكانها لعب دور المنقذ، حيث تفتقد الجزائر شخصيات وطنية تمتلك رصيدا من المصداقية. ويمكن للشّارع الالتجاء إليها، ليستمد منها التوجيه مع الاعتراف، هنا، بأن تلك الكاريزما موجودة، ولكن بعيدة عن
سبق لكاتب المقالة الإشارة في "العربي الجديد" إلى حيوية الدور الذي يمكن لبعض الشخصيات القيادية، ذات الكاريزما والمصداقية، أن تؤديه، وخصوصاً أنها لم تنخرط منذ فترة في الفعل السياسي، وبالتالي، الأمل معقودٌ على أن الالتجاء إليها سيكسب الزخم الحالي للحراك الشعبي دفعة أكبر. ولعله يدفع نحو تعقل من السلطة ووعي أكبر من المعارضة، ويقبل الفريقان الالتقاء للفصل في الأمر، والاتفاق على خطة طريق لإصلاح النظام السياسي في البلاد.
نصل، هنا، إلى العنصر الأهم، وهو المشروع الذي على الجميع التفكير في مضمونه، لأن تشخيص المرض، يستوجب وصفة علاجية، تقضي على الداء، شيئا فشيئا. المشروع موجود، لأن المرض معروفٌ، حيث كشفت السياسة العامة التي تمّت قيادة البلاد بها عن سلبيات، وعلى المستويات كافة. ويكفي الرجوع إلى المؤشرات الكبرى للاقتصاد، للتربية، للتعليم العالي، للصحة، ولغيرها من المجالات، لمعرفة أين الخطأ ثم الاستعانة بالخبراء، لرسم خطط الإصلاح، العاجلة منها والمنظورة، على المديين، المتوسط والطويل.
بالنتيجة، وبدون هذه العناصر الثلاثة، لا يمكن الالتجاء أو الرهان على الشارع، خصوصا أن الجزائر تختزن في ذاكرتها الجمعية الوطنية ذكرى سيئة لمثل هذا الخيار، متمثلا في العشرية السوداء لتسعينيات القرن الماضي. والسؤال هو: كيف يمكن الاستفادة من هذا الزّخم الحراكي لفرض تفاوضٍ على النظام، تكون نهايته الاتفاق على عقد اجتماعي جديد، ينظم عمل النّظام السياسي ويحدد بوصلة الجزائر الجديدة؟ الإجابة بسيطة، وتحتاج، فقط، لمن يرسم كلماتها ويجسّدها، بعد ذلك، في خطواتٍ ملموسة، أو ما يُصطلح على تسميتها، في السياسة، خطّة طريق تكون مُلزمة للجميع. ها هو الشعب قد خرج إلى الشارع، وعبّر، لأول مرة منذ نهاية المأساة الوطنية، عن رأيه الذي يتضمن رفضه مقاربة السلطة في الحكم، كما عبّر، أيضا، عن رفضه مقاربات المعارضة في التعامل مع الشأن السياسي. ويكون، بذلك، قد رفض معادلة جديدة، يريد أن يكون هو الحكم، بعد أن يكون قد نظم نفسه، وأعلن عن ممثليه من المجتمع المدني والشخصيات الوطنية التي تمتلك الرصيد اللازم من المصداقية والقدرة على التفاوض، لفرض رؤية جديدة لجزائر الغد.
سبق للجزائر، في الماضي، بمناسبة أزمة أخرى، الوصول إلى فرض المقاربة نفسها. وكان ذلك في العام 2001، إثر ما عُرف بالربيع الأسود في منطقة القبائل (شرق العاصمة)، حيث تم الابتعاد عن السياسيين، وإلزام المجتمع المدني بتحمّل لواء التفاوض مع السلطة، ما مكّن من التوصل إلى أرضيةٍ انتهت بترسيم الأمازيغية لغة رسمية، وأنهت معاناة المنطقة برمتها.
يكفي، بالنتيجة، استنساخ التجربة، وإعادة رسمها مع فتح الباب، واسعا، أمام فعالياتٍ من كل أرجاء الوطن، تتحيّن فرصة الفترة التي تفصلنا عن الرئاسيات (إبريل/ نيسان 2019) لتضع تفاصيل ذلك المسار التفاوضي ومضمونه، وتعرضه على السلطة بديلا من مخاطر الالتجاء إلى الشارع، وما يكتنف ذلك من مخاطر لا يمكن التحكّم في مآلاتها.
ترتسم، في الجزائر، إرهاصات أزمة سياسية حادة، إذا لم يتم الاحتكام إلى العقل، من الآن، لرفض ذلك المسـار، ويكون النظام قد شعر بذلك، حيث تضمنت رسالة الرئيس للترشّح إيماءاتٍ إلى خطة الطريق، بالإشارة إلى عرضين، الندوة الوطنية الجامعة، وإصلاح عميق (تعديل) للدستور، وهما العرضان اللذان عليهما الرهان، الآن، للإمساك بزمام الأزمة وإدارتها بعقلانية.
السّلطة، حتّى وإن أصرّت على ترشيح الرّئيس بوتفليقة لعهدة جديدة، إلّا أنها كانت تستشعر
أثبت الجزائريون، بخروجهم بالآلاف، رفضا للأمر الواقع ولمقاربة السلطة السياسية، أنهم يتمسّكون بالمقاربة الحضارية لحل الأزمات السياسية. ويكونون، بذلك، قد أرسلوا، إلى من يهمّه الأمر، من المجتمع المدني، السّلطة والمعارضة، معا، مطالبهم بأخذ زمام المسؤولية. كما يكونون، أيضاً، قد عقدوا الأمل على مسارٍ تفاوضيٍّ، يعيد إليهم خيارهم السيد في اختيار مصيرهم بأيديهم من خلال صندوق انتخاباتٍ شفاف ونزيه وبمشاريع ومرشّحين يمتلكون الرصيد الإقناعي سياسيا في مسارٍ للتداول السلمي على السلطة، تماما كما يجري في الديمقراطيات التي نعرفها.
الالتجاء إلى الشارع بدون تلك المعطيات الحيوية (المرجعيات، الكاريزما القيادية، والمشروع) هو رهانٌ تصاحبه مخاطر كثيرة، ويكفي التّفكير بعقلانية والرّكون إلى إدارة الأزمة السياسية بمقاربة إستراتيجية، تكفلها شخصيات ذات مصداقية (المجتمع المدني وشخصيات وطنية)، لرسم المستقبل المنظور (الرئاسيات المقبلة) والمستقبل المنشود: تغيير بوصلة النظام السياسي في الجزائر.. وإنّ غداً لناظره لقريب.