على عكس الهدوء النسبي السائد في الدول السوفييتية السابقة في أوروبا الشرقية، مثل ليتوانيا وإستونيا ولاتفيا وبيلاروسيا ومولدوفا، فإن أوكرانيا اعتادت منذ استقلالها عن روسيا (1991) على عدم الاستقرار. الأسباب كثيرة لكنها متصلة بشكل رئيسي بالتنازع الروسي والأوروبي والغربي عليها، الذي دخل مرحلة غير مسبوقة في السنوات الأخيرة بلغ حدّ ضم روسيا شبه جزيرة القرم في عام 2014، وإشعال التوتر في الشرق الأوكراني، في إقليمي دونيتسك ولوغانسك، أي في حوض دونباس بين انفصاليين من جذور روسية والجيش الأوكراني، لتشهد العلاقة توتراً يستمر إلى اليوم، ويفرض نفسه على الانتخابات الرئاسية المقررة اليوم الأحد.
صحيح أن الانتخابات يشارك فيها 39 مرشحاً، لكن التنافس فيها لن يخرج عن 3 أسماء رئيسية: "أميرة الغاز" يوليا تيموشنكو، و"ملك الشوكولا" الرئيس الحالي بترو بوروشنكو، و"الممثل الساخر" فولوديمير زيلينسكي. وفيما تشير استطلاعات الرأي إلى أنه لا أحد سيتمكن من تجاوز نسبة الـ50 في المائة من الجولة الأولى، فإن الحسم سيكون على الأرجح في الجولة الثانية المقرر أن تجرى في 21 إبريل/ نيسان المقبل، بين المرشحين اللذين سيتصدّران الجولة الأولى اليوم. ويحقّ لنحو 34.544.993 مليون شخص الاقتراع، غير أن 12 في المائة (نحو 4.146.400 ملايين شخص) منهم لن يكون في وسعهم ذلك، في الشرق والقرم. سيراقب الانتخابات 2344 مراقباً من 17 دولة و19 منظمة، فضلاً عن 139 منظمة أوكرانية غير حكومية.
وفرضت التطورات في أوكرانيا خلال السنوات الأخيرة نفسها على الحملات الانتخابية، إذ رفع المرشحون الثلاثة شعار "التواصل مع روسيا من الندّ للندّ"، غير أنهم لا يملكون الوسائل الفعلية لفعل ذلك. وبينما يراهنون على عاملين هما الضغط العسكري على إقليم دونباس وتوحيد الداخل الأوكراني في هذا السياق، إلا أن تحقيق هذا الأمر صعب في بلاد لم تهدأ منذ التسعينيات. ففي ظلّ غياب التأسيس الحقيقي لمرحلة ما بعد الاستقلال عن موسكو، فإن كييف، وبقيادة ليونيد كوتشما (1994 ـ 2005)، أسست لمرحلة تداخل فيها الفساد مع صراعات النُخب والقوميين في ظلّ غياب الوضوح في السياسة المالية والخارجية، ما أدى إلى وضعٍ غير مستقر في الداخل وتنازع دولي عليها، مدفوعاً بمحفزات عديدة منها جيوسياسية متصلة بأنابيب الغاز الروسية التي تمرّ من أوكرانيا إلى أوروبا، ومنها سياسية ـ اجتماعية ـ تاريخية، متصلة بأدوار الأقلية الروسية في أوكرانيا، وتاريخيّة شبه جزيرة القرم في العقل الروسي، والأوليغارشية المتفلّتة في كييف.
وفرضت التطورات في أوكرانيا خلال السنوات الأخيرة نفسها على الحملات الانتخابية، إذ رفع المرشحون الثلاثة شعار "التواصل مع روسيا من الندّ للندّ"، غير أنهم لا يملكون الوسائل الفعلية لفعل ذلك. وبينما يراهنون على عاملين هما الضغط العسكري على إقليم دونباس وتوحيد الداخل الأوكراني في هذا السياق، إلا أن تحقيق هذا الأمر صعب في بلاد لم تهدأ منذ التسعينيات. ففي ظلّ غياب التأسيس الحقيقي لمرحلة ما بعد الاستقلال عن موسكو، فإن كييف، وبقيادة ليونيد كوتشما (1994 ـ 2005)، أسست لمرحلة تداخل فيها الفساد مع صراعات النُخب والقوميين في ظلّ غياب الوضوح في السياسة المالية والخارجية، ما أدى إلى وضعٍ غير مستقر في الداخل وتنازع دولي عليها، مدفوعاً بمحفزات عديدة منها جيوسياسية متصلة بأنابيب الغاز الروسية التي تمرّ من أوكرانيا إلى أوروبا، ومنها سياسية ـ اجتماعية ـ تاريخية، متصلة بأدوار الأقلية الروسية في أوكرانيا، وتاريخيّة شبه جزيرة القرم في العقل الروسي، والأوليغارشية المتفلّتة في كييف.
يوليا تيموشنكو
تيموشنكو ليست أوليغارشية بالمعنى الحرفي، بقدر ما أنها قنّاصة فرص. وبما أن الفرص تنعدم أحياناً، فقد سُجنت بتهمة "الاختلاس وإساءة استعمال السلطة" في عام 2011، بناءً لحكم صادر بحقها لمدة 7 سنوات، قبل الإفراج عنها في ربيع 2014، إبّان التظاهرات الأوكرانية "يوروميدان" في كييف، لا بل إن المحكمة اعتبرت أنها "لم ترتكب أي جريمة". اليوم، حظوظ تيموشنكو متقاربة مع بوروشنكو، في خطف بطاقة الجولة الثانية من الانتخابات.
بترو بوروشنكو
إذا كان الرئيس الثالث لأوكرانيا، فيكتور يوتشنكو، قد عانى الكثير مع روسيا، خصوصاً في سياق اتفاقيات الغاز، إلا أن الرئيس الحالي بترو بوروشنكو، واجه تحديات أكثر من غيره مع روسيا لأسباب عديدة. تزامن انتخابه عام 2014 مع ضمّ روسيا شبه جزيرة القرم الأوكرانية، واندلاع المعارك في الشرق الأوكراني، في إقليمي دونيتسك ولوغانسك، أي في حوض دونباس بين انفصاليين من جذور روسية والجيش الأوكراني، ثم انهارت اتفاقيتا "مينسك 1" و"مينسك 2"، في بيلاروسيا، اللتان عملت عليهما ألمانيا وفرنسا، مع روسيا وأوكرانيا، لوقف إطلاق النار والبدء بعملية سياسية شاملة. وترافق انتهاء العام 2018 مع حادث في مضيق كيرتش، الفاصل بين البحر الأسود وبحر أزوف المتفرّع عنه، في 25 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أدى إلى اعتقال الروس 24 بحّاراً أوكرانياً، وتمديد اعتقال 21 منهم حتى 24 إبريل المقبل. حادث استُتبع بإعلان حال الطوارئ في المناطق الأوكرانية المتاخمة للحدود الروسية وللقرم، التي انتهت بعد نحو 30 يوماً، بفشل بوروشنكو في الضغط للإفراج عن البحّارة، فضلاً عن فشله في تأمين ظهير سياسي ـ اجتماعي داخلي، مؤيد لحرب تحرير دونباس من الانفصاليين، كما فشل في تأمين دعم دولي له لإعلان الحرب على روسيا.
فولوديمير زيلينسكي
كولومويسكي، الذي يدير عملياً معركة زيلينسكي، معروف بعدائه الشديد لروسيا، كما أنه على صدامٍ مع معظم أوليغارشيي أوكرانيا، في سياق الحروب الداخلية في ما بينهم على النفوذ والسلطة. وعبر مصرف "بريفات بنك" الذي أسسه عام 1992، فإن كولومويسكي تمكّن من السيطرة على شركات خطوط جوية عديدة، حتى إنه قام بـ"استعراض" مسلّح عام 2006، حين سيطر مع زمرة خاضعة له على مصنع حديد في مدينة كريمنشوك. ومن خلال وجوده تحت ظلال الإسرائيليين، فإنه يمكن له العمل على تأسيس مسار جديد في سياق العلاقة مع روسيا، سواء مسار متشدد أو مسار ليّن. خصم كولومويسكي، الملياردير الروسي رومان أبراموفيتش، الرجل الذي زكّى بوتين لرئاسة الوزراء في روسيا في التسعينيات، اتهم كولومويسكي بالخيانة، وبسرقة ملايين الدولارات منه، في واقعة استدعت تدخل بوتين الذي ساند أبراموفيتش، الموجود في إسرائيل أيضاً.