ذراع كييف الطويلة داخل الأراضي الروسية: لماذا يقاتل "نازيون روس جدد" نظام بوتين؟
ليس من السهولة بمكان تفكيك الأيديولوجيا التي تغذّي الصراع بين الغرب وروسيا. في العهد السوفييتي، خلال خمسينيات القرن الماضي، اقترحت موسكو الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) الناشئ. كان ذلك في ذروة الحرب الباردة والبونِ العقائدي بين الشيوعية والرأسمالية، لكن اليوم، في زمن ما بعد الشيوعية، لا تبدو الاختلافات الثقافية والفكرية حادّة إلى درجة تحتّم "حربًا وجوديّة".
يمكن أن نرى ذلك أيضًا من زاوية الكتائب المتقاتلة على شقّتي الحرب الدائرة في أوكرانيا اليوم، والتي تضمّ، في حالتي الجيش الأوكراني والروسي على السواء، هجينًا من عقائد شديدة التنافر، ما بين قومية متشددة، وعرقية عنصرية، ودينيّة - إسلامية ومسيحية. في صف كييف، على سبيل المثال، تخوض كتيبتا "منصور الشيشاني" و"دوداييف" الشيشانيتان المسلمتان الحرب ذاتها التي تخوضها كتيبة "آزوف" الأوكرانية بشعارات النازية الجديدة، وفي قلبها خطاب الإسلاموفوبيا، ونظيرتها في "فيلق المتطوّعين الروس"، الذي يسمّي غير البيض "عربًا وما سواهم من القردة"، ضدّ كتائب شيشانيّة مسلمة، وأخرى نازية-جديدة معادية لغير البيض، في الجانب الروسي أيضًا.
في الجانب الأوكراني، يدور الحديث عن كتيبتين روسيتين وحسب، "فيلق حرية روسيا" و"فيلق المتطوعين الروس"، كانا، رغم أن مقاتليهما لا يتجاوزون المئات، وراء التحوّل الأخطر في الحرب، وهو نقلها إلى داخل حدود روسيا، التي كانت في وقتٍ ما خطًّا أحمر محميًّا بالسلاح النووي. آخر اختراق في هذا الصدد كان بالأمس، حينما أعلن الفيلقان اقتحام بيلغورود مجدّدًا، وأسر جنديين روسيين. حدث هذا بعد الاقتحام المدوّي للمقاطعة ذاتها قبل نحو 10 أيام فقط، حين أمسك المتمرّدون الروس بعض المواقع لساعات طويلة. وذاك هو ثالث هجوم برّي تشهده الأراضي الروسية خلال الحرب، بعدما نجح "فيلق المتطوعين" في التوغل داخل مقاطعة بريانسك في مارس/آذار الماضي.
ووسط هذه الهجمات المعلنة، ثمّة أخرى لا تزال غامضة، وآخرها غارتا المسيّرات على موسكو، وخلالهما غارة أخرى على محطة لتكرير النفط في بسكوف، ومحاولة استهداف محطتين نوويتين في ليننغراد، فيما بات قصف بلدات بيلغورود واقعًا يوميًّا؛ وهذا كلّه منذ النصف الثاني لمايو/أيار فقط. قبل ذلك، شهدنا قبله وقائع مماثلة من "حرب الظل" التي تديرها كييف ضد موسكو، بما شمل ضرب أنابيب "نورد ستريم 1 و2" للغاز في البلطيق، والانفجار الغامض داخل قاعدة ساكي الروسية في القرم، وهجمات أخرى بالمسيّرات على قواعد جوية روسية، واغتيال أو استهداف شخصيات موالية للكرملين. مرّت تلك "الحوادث" بدون إعلان مسؤولية، لكن ليس بمستبعد أن تكون التشكيلات الروسية هي الواجهة التي تُدار من خلالها، بالنظر إلى أن تعقيب كييف عليها جميعًا واحد لا يتغير: "شأن روسي داخلي".
لكن ما يجعل الأمر أكثر إشكالية هو أن نرى هذا الخليط من النازيين الجدد، ممثلين بـ"فيلق المتطوعين الروس"، ومن أولئك المتعصّبين للعرق الروسي وللماضي القيصري، ممثلين بـ"فيلق حرية روسيا"، بكل ما يحملانه من أفكار يمينية فاشية، ومن أحلام الزمن الإمبراطوري الروسي، يقاتلون ضد نظام فلاديمير بوتين، المحبب لدى حركات اليمين البديل في الغرب، والباحث أيضًا عن استعادة أمجاد روسيا التليدة.
الركائز الأيديولوجية
رغم الحنين المشترك للماضي الإمبراطوري القيصري، والتقاطع عند التعصب للقومية الروسية، تختلف الركائز الأيديولوجية لكل من "فيلق المتطوعين" و"فيلق حرية روسيا" قدرَ الاختلاف ما بين اليمين القومي المتشدد واليمين البديل/النازيين الجدد. ينطلق اليمين القومي، إجمالًا، من مرتكزات دينية ماضويّة محافظة، ويتبنّى مبادئ الحمائية القومية وما يليها من معاداة الهجرة والمركزية الإثنية؛ أمّا اليمين البديل، فلا ديني، وعنصريّ "فخور" حيال كلّ ما هو "غير أبيض"، بحنين معلن إلى الماضي النازي. هذا ما أفصح عنه قائد "فيلق المتطوّعين" دينيس نيكيتين، في مقابلة قديمة مع موقع TroubleMakers تعود لعام 2017، حين ترافع عن "تفوّق البيض"، وسمّى سائر البشر "عربًا وغير ذلك من القردة".
لنيكيتين تاريخ حافل بالشغب والعنف في أوروبا، وهو الذي برز كقائد لفرق الـ"هوليغانز" الرياضية منذ كان مشجّعًا لفريق كولون في ألمانيا، التي انتقل إليها برفقة عائلته في العام 2001، مرورًا بقيادة ألتراس فريق "سيسكا موسكو" الروسي، حيث مكث لاحقًا لفترة غير معلومة، وصولًا إلى افتتاح نادٍ للفنون القتالية المختلطة (MMA) في العاصمة الأوكرانية كييف عام 2017، سمّاه "ريكونكويستا"، تيمّنًا باسم حروب الاسترداد الإسبانية ضد الخلافة الأموية في الأندلس.
هذا ما أفصح عنه قائد "فيلق المتطوّعين" دينيس نيكيتين، في مقابلة قديمة، حين ترافع عن "تفوّق البيض"، وسمّى سائر البشر "عرباً وغير ذلك من القردة"
أصبح نادي القتال هذا ملتقى لمريدي اليمين البديل عبر العالم، ومن ضمنهم كتيبة "آزوف" الأوكرانية، ذات التوجهات النازية، والتي تكفّلت بالحملات الترويجية للنزالات، وافتتحت صالة تدريب خاصة بمقاتلي "ريكونكويستا". وجد نيكيتين في الرياضة، بما تشتمله من وصول مؤثر للجمهور، قناة مؤاتية لنشر فكره المتطرف. في مقابلته السابقة مع TroubleMakers، تباهى بأنه ضغط على قائد ألتراس نادي كولون لاستبعاد العناصر الأجنبية بقوله: "الأتراك والغجر وبعض الشياطين الخفية الأخرى"، على حد وصفه. ثمّ لدى انخراطه في الفنون القتالية، التي تلبّي نهمه "للمعارك أكثر من كرة القدم"، كما قال بنفسه، أسس علامته التجارية بالاسم العنصري White rex (السلطان الأبيض)، والتي يسوّق من خلالها مستلزمات رياضية. أحد المنتجات التي يعرضها موقعه، على سبيل المثال، قميص يحمل رمز (88) الذي يحيل على شعار "هايل هتلر (يحيا هتلر).
أمّا "فيلق حرية روسيا"، فيعلن عن خطّ أيديولوجي "أكثر وسطيّةً"، على ما احتجّ به قائد الكتيبة، المعروف بالاسم المستعار "قيصر"، في مقابلة حديثة مع موقع kyiv independent الأوكراني. ويختزل هذا الاسم –قيصر- رسالة الفيلق: استعادة روسيا القيصرية، بإرثها القومي، ما قبل الشيوعي، ومركزيتها الإثنية الروسية. هذا ما تعرضه الكتيبة أيضًا في واجهة صفحتها على "تليغرام"، إذ تعلن أن هدفها "المحافظة على روسيا موحدة غير قابلة للتجزئة، بحدود عام 1991". وهذا الشعار، في الشق الأوّل منه، يحاكي الشعار الذي رفعه الجنرال الروسي دينيكين ضد الثورة البلشفية التي كانت نواة الاتحاد السوفييتي. على هذا النحو يعرّف أحد أفراد الكتيبة نفسه أيضًا، في مقابلة سابقة مع "سي أن أن"، قائلًا إنه "عضو مخلص في الكنيسة الأرثوذكسية الروسية"، مدفوع بالحنين إلى الزمن القيصري.
لكن قياسًا على "فيلق المتطوعين الروس"، الذي يمكن تتبع جذوره في أوكرانيا قبل تأسيسه في أغسطس/آب 2022، والذي تمكّن، عبر نواته الرياضية، من استقطاب العديد من الروس المتحمّسين لأفكار اليمين البديل خلال السنوات الماضية، فإن لـ"فيلق حرية روسيا" ماضيًا مجهولًا، وهويّة أكثر إبهامًا، بالنظر إلى أن الآلية التي يستقطب من خلالها مقاتليه تبقى غامضة، إذ لا تبدو فكرة "روسيا القيصرية" متجذّرة عقائديًّا وإعلاميًّا كفكرة اليمين البديل.
لكن في مقابل ذلك، تجمع العديد من التقارير على أن عناصرها هم أسرى حرب روس وجنود سابقون على دراية بالتكتيكات العسكرية الروسية؛ وهذا ما صرّح به بعض هؤلاء المقاتلين أيضًا في وسائل الإعلام. إلّا أن الباحث المتخصص في الدراسات الشرق أوروبية في جامعة غلاسكو حسين علييف يشير إلى أن من بينهم "من لم يكونوا ربما جنوداً في الأصل".
الهدف: الوصول إلى موسكو
في الوقت الذي لا يصرّح فيه "فيلق المتطوعين الروس" عن أهداف عمليّة، إذ يبدو مدفوعًا برغبة صرفة في القتال وحسب، لا سيما أن نيكيتين ورفاقه انخرطوا في المعارك منذ ما بعد أزمة ضم القرم عام 2014، يقاتل عناصر "فيلق حرية روسيا" تحت شعارات وقف الحرب على أوكرانيا، والعيش بسلام إلى جوارها، ولكنهم أيضًا يعلنون بلا مواربة أن غايتهم النهائية هي قلب نظام بوتين وبناء "روسيا جديدة حرة". هذا ما تعلنه المجموعة على موقعها الرسمي، إذ تصف خصومها من أبناء جلدتها في الكرملين بأنهم "لصوص، وقتلة، ومجرمو حرب يمسكون بالسلطة في روسيا، وقد أطلقوا العنان لحرب وحشية لفائدتهم الخاصة"؛ لتخلص إلى أن غايتها "بعد تأمين الانسحاب الكامل للقوات الروسيا من أوكرانيا بكاملها، المضيّ إلى الكرملين وتبديد هذه العصابة من القتلة، ثم بناء روسيا جديدة حرّة".
ورغم ارتكازها إلى قاعدة قومية متصلّبة، تستعير تلك المجموعة أيضًا بعض مفردات الخطاب الديمقراطي، وتعرب عن رغبة في إعادة موضعة روسيا ضمن "العالم الحر" بالقول: "نحن ندرك بأن روسيا في ظلّ بوتين خسرت كل شيء، من الميزانية في الصندوق إلى حرية التعبير. لكن لا يزال ثمة أشخاص يريدون وقف القتل والقمع ضد الروس العاديين، وإنهاء التعذيب الذي تمارسه قوات الأمن الوطني، وإسكات مروّجي دعاية الكرملين، واستعادة الحقيقة، والعدل، وروح الحرية في روسيا".
تنتظر المجوعة أن يحين وقتها؛ لا نقول إننا سنصل إلى موسكو غداً، لكن هذا سيحصل غداة تحرير القرم على يد الجيش الأوكراني. ستصيب تلك الهزيمة نظام بوتين بالشلل، وحينها يصير بوسعنا توجيه ضربة قاضية لموسكو
زيادة على قائمة الأهداف تلك، والتي تبدو "مصيريّة" إن بالنسبة لشخوص الكرملين أو لروسيا الحديثة بمجملها، فليس لمسؤولي "فيلق حرية روسيا" أي محاذير في ترديد ما يضغط على كل الأزرار الحمراء بالنسبة للكرملين، ومنها النووي. يعلن قيصر، المتحدث باسمها ذو الاسم المستعار، في حديث مع موقع kyivindependent، أنه ورفاقه "سيغيّرون روسيا؛ سيحررون أراضي وينشئون مراكز قوى روسيا جديدة هناك".
يذهب المتحدث باسم الجناح السياسي للفيلق أليكسي بارانوفسكي أبعد من رؤية المراكز الانفصالية تلك، إذ يصرّح لجريدة "تايمز" البريطانية بأن المجموعة "تنتظر أن يحين وقتها؛ لا نقول إننا سنصل إلى موسكو غدًا، لكن هذا سيحصل غداة تحرير القرم على يد الجيش الأوكراني. ستصيب تلك الهزيمة نظام بوتين بالشلل، وحينها يصير بوسعنا توجيه ضربة قاضية لموسكو؛ هذا ما نعدّ له".
ما الدوافع؟
في المجمل، تتأسس حركات التمرّد على عقيدة متطرّفة تمامًا عن النظام المركزي، و/أو قاعدة إثنية-طائفية ضيقة، أو دورٍ وظيفي معزز بمصالح ذاتية/مادية. قياسًا على العاملين الأولين، تبدو الحالة الموضوعة بين أيدينا صعبة على الفهم، بالنظر إلى أن الفيلقين، بانزياحهما نحو اليمين إلى قطبه الأقصى، يبدوان أقرب هوى إلى موسكو من كييف، التي لم يحصد فيها اليمين البديل أكثر من 2% من الأصوات في الانتخابات الأخيرة- أقلّ من أيّ بلد أوروبي آخر؛ ويحكمها أيضًا رئيس يهودي، بكلّ شعارات الليبرالية الغربية التي تستفز دعاة اليمين المتطرف والبديل: حقوق الأقليات، والمثليين، والمساواة بين الجنسين، والتعدد الثقافي.
يستلهم "فيلق حرية روسيا" الزمن القيصري في قتاله ضدّ نظام بويتن، أي زمن ما قبل الشيوعية ووريثيها، الاتحاد السوفيتي ثم روسيا الاتحادية - زمن الأرثوذكسية، وحكم النبلاء الروس، ومركزية "العرق الروسي". قد يكون هذا أحد التفسيرات التي تبرّر الدافع وراء القتال، لكنه يتعثّر أمام بعض التناقضات أيضًا؛ فروسيا القيصرية التي ينشدها هؤلاء كانت إمبراطورية توسّعية هي الأكبر في التاريخ بعد إمبراطورية المغول، وتمتدّ على مساحة 15% من اليابسة في العالم، بما في ذلك الأراضي الأوكرانية اليوم. ضمن هذا البعد، قد يبدو بوتين أكثر "قيصرية".
أمّا "فيلق المتطوّعين الروس"، فقد تكون الدوافع بالنسبة إليه مشحونة بنمط التعدد الإثني الذي يرسمه بوتين للدولة الروسية؛ وقد نجد مثالًا قريبًا في هذا السياق من اجتماع الرئيس الروسي مع أعضاء "مجلس العلاقة بين الإثنيات"، قبل نحو أسبوعين، حين أكد أن روسيا "بنيت على قيم التعدد الإثني والديني"؛ وهو ما لا ينسجم مع دعوى النازية الجديدة التي يرفعها "فيلق المتطوعين".
بالنسبة لـ"فيلق المتطوعين الروس"، القادمين من روايط "الهوليغانز" الكروية، والعالم السفلي لنوادي القتال، بعدما وجدوا في كييف منصة للإبهار والانتشار عالميّاً، لا تبدو النزالات والمعارك خدمة لعقيدة ما، وإنما عقيدة بحد ذاتها
لكن هذا أيضًا لا يكفي ليفسّر قتال هؤلاء ضد روسيا، وفي صفّ من يرفع شعارات التعدد الإثني ذاتها، وضد مليشيات من النازيين الجدد، بالأفكار ذاتها، في الطرف الآخر أيضًا. في الواقع، تقاتل في الجانب الروسي مليشيات مناظرة عقائديًّا للفيلقين المذكورين على السواء: قومية قيصرية، ونازية جديدة. على سبيل المثال، ترفع "الحركة الإمبريالية الروسية"، التي تقاتل على الحدود الأوكرانية منذ 2014، شعار عودة الملكية، وتؤمن بأن روسيا ينبغي أن تكون محكومة من قبل سلالة رومانوف القيصرية، التي توارثت المُلك حتى الثورة البلشفية. في الحالة الثانية يمكن أن نذكر مليشيا "روسيتش"، التي قاتلت في سورية أيضًا قبل أوكرانيا، وقد ظهر قائدها أليكسي ميلخاكوف في مقطع فيديو على موقع currenttime الروسي يقول: "لن أغوص بعيدًا لأسمي نفسي قوميًّا، وطنيًّا، أو إمبرياليًّا، سأعلنها بصراحة: أنا نازي".
هشاشة الدافع الأيديولوجي ترجّح كفة العامل الثالث الذي صدّرناه آنفًا؛ وهو الدور الوظيفي والمصالح الذاتية. بالنسبة لـ"فيلق المتطوعين الروس"، القادمين من روايط "الهوليغانز" الكروية، والعالم السفلي لنوادي القتال، بعدما وجدوا في كييف منصة للإبهار والانتشار عالميًّا، لا تبدو النزالات والمعارك خدمة لعقيدة ما، وإنما عقيدة بحد ذاتها. يعبّر مؤسس الفرقة وقائدها، نيكيتين، وهو مصارع (MMA) سابق أيضًا، عن ذلك في مقابلة سابقة، حينما كان يقود ألتراس فريق سسكا موسكو الروسي: "أنا لا أحب كرة القدم... لا أستطيع تسمية أي لاعب؛ أحب المعارك". أما "فيلق حرية روسيا"، فحقيقة أن مقاتليه، في معظمهم، أسرى حرب سابقون، تعني أنهم لم يملكوا رفاهية الاختيار، ووجدوا في القتال إلى جانب آسريهم، ربما بعد ما رأوه من ضعف التنظيم وتضليل القيادة في جيشهم، الطريق الأفضل لافتداء مصيرهم.
يمكن القول إن نيكيتين ورفاقه عدموا الخيارات أيضًا، فقد حظِروا، منذ عام 2015، في دول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا وكندا، لما سطّروه وراءهم من شغب بشعارات نازية، ثمّ صارت عودتهم إلى روسيا مهدِّدة بعد نشاطاتهم في أوكرانيا مع أفراد كتيبة "آزوف"، الذين يشاركونهم الهوس في الفنون القتالية؛ ولم يعد أمامهم مقام تقريبًا إلا في كييف، التي اعتقلوا فيها أيضاً عام 2018، وفق تقرير لـ"دير شبيغل" الألمانية، بشبهة تهريب المخدرات. سأل موقع "زابورونا" الأوكراني، عام 2020، الشرطة عن ذلك، فردّت بأن "هذه المعلومات سرية".
في المجمل، يمكن القول إن كل هؤلاء المتمردين الروس قادمون من ماضٍ عنيف، ومن بيئات الحرب، والأسر، والشغب، والقتال بلا قواعد؛ ولعلّ أجهزة الاستخبارات الأوكرانية –التي رجّح مصدر أميركي لـ"نيويورك تايمز" وقوفها وراء هجوم بيلغورود، وجدت في الطوايا النفسية لهؤلاء، بكل ما تستطبنه من "عقد استوكهولهم" و"عقد ليما"، منافذ ليكونوا ذراعها الطويلة في حرب الظلّ التي تديرها داخل روسيا.