تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها في محاولة لإضاءة جوانب من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. يصادف اليوم، التاسع من آب/ أغسطس، ذكرى ميلاد الكاتب المصري إبراهيم عبد القادر المازني (1889 – 1949).
يقف الكاتب المصري إبراهيم عبد القادر المازني (1889 – 1949) بين منزلتين متناقضتين؛ ففي الأولى هو كاتب مركزي باعتباره جزءاً من تيار أدبي أحدث منعطفاً في تاريخ الكتابة العربية عُرف بمدرسة الديوان، ومن جهة هو كاتب هامشيّ باعتبار أنه حُصر ككاتب ساخر، وحتى ضمن مدرسة "الديوان" بقي في ظل صديقه عباس محمود العقاد، حيث اعتبر الأخير الوجه الرصين وبالتالي الصوت الحقيقي للتيار، أما المازني فهو ظاهرة جانبية على الرغم من أن نقد المازني كان الأكثر صرامة وحدّة وتأثيراً.
وُلد المازني في مثل هذا اليوم من عام 1889 في القاهرة - وإن تعدّدت فرضيات يوم الميلاد بين عدّة مصادر - ومن المعروف أنه كان ينوي دراسة الطب غير أن حصة واحدة في مقرّر التشريح أقنعته أن طريقه أبعد ما يكون عن الطب، فقد أغمي عليه حين رأى جثة يستعدّ الأستاذ لتشريحها، ليبدأ رحلة نقلته إلى كلية الحقوق ثم بعض المهن في المصالح العمومية ليستقرّ به الأمر ككاتب يكسب قوته من خلال مقالات يكتبها في الجرائد.
كان شديد اللهجة أمام كل ميل للتقليد، سواء تقليد التراث أو تقليد الآداب الأجنبية
لكن ما نفَر منه المازني في الجامعة كان يفعله بشكل رمزي في الحياة الثقافية، فقد كانت مقالاته أقرب إلى عمليات تشريح لأدب بداية القرن العشرين. كان المازني شديد اللهجة أمام كل ميل للتقليد، سواء تقليد التراث أو تقليد الآداب الأجنبية، وكان كارهاً لكل تزييف للحقائق حتى الذاتية منها.
يمكن اعتبار المازني – مع صديقيه العقاد وطه حسين – من رواد النقد الأدبي العربي ومؤسسيه، فقد تجاوز تلك النزعة التعليقية السائدة وقتها، مستفيداً من معرفة بالثقافة الانكليزية ليبدأ في مناقشة المواضيع التي يطرحها الأدباء، ومن ثم الأدوات التي يعتمدونها للتعبير عن هذه القضية أو تلك.
كان للمازني تجارب شعرية، ولكنه مثل صديقيه عباس محمود العقاد وعبد الرحمن شكري بدا أنه ينطلق من محاولة لنقض الرؤية الشعرية للجيل السابق (أحمد شوقي وحافظ إبراهيم تحديداً) أكثر من عمله على بناء مشروع شعري عميق، كما أن السخرية امتدت إلى شعره وهو ما جعل نصوصه تبدو كمجرد انتقادات لمظاهر اجتماعية في زمنه، ولا يمكن أن يستسيغها قارئ من زمن آخر.
لكن مساهمة المازني الأبرع في الأدب تتمثل في كتبه السير-ذاتية، وأبرزها "إبراهيم الكاتب" و"إبراهيم الثاني" و"حصاد الهشيم" و"قصة حياة"، حيث كان من أول كتّاب هذا الجنس الأدبي، وفيه تخلّص من نبرة تمجيدية للذات ظهرت في أعمال مشابهة لدى العقاد وطه حسين. لقد كان المازني ساخراً حتى وهو يتناول نفسه كموضوع للكتابة.