تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها، في محاولة لإضاءة جوانب أخرى من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. تصادف اليوم، التاسع والعشرين من تموز/ يوليو، ذكرى ميلاد عالم الآثار المصري أحمد كمال باشا (1851 – 1923).
يعدّ أحمد كمال باشا الذي تحلّ اليوم الأربعاء ذكرى ميلاده، من أوائل المصريين الذين التفتوا إلى علم الآثار بعد نحو قرنين من هيمنة البعثات الأوروبية على التنقيب في بلاده، والتي لا يزال تأثيرها كبيراً حتى اليوم، حيث تلقّى تعليمه في مدرسة اللسان المصري القديم، فأتقن اللغة المصرية القديمة والحبشية والقبطية واللغات السامية، وحذق في الفرنسية والألمانية والإنكليزية، وأتقن التاريخ المصري القديم.
وكان من المفترض أن يعمل عالم الآثار والباحث المصري (1851 – 1923) في مصلحة الآثار، لكن احتكار الباحثين الغربيين العمل بها بسبب سيطرة الاحتلال الإنكليزي حال دون ذلك، فعمِل معلماً للغة الألمانية في إحدى المدارس الأميرية بالقاهرة، ثم تركها وعمل مترجماً للغة الفرنسية في وزارة المالية، ولكن شغفه بالآثار جعله يترك تلك الوظيفة حيث التحق بوظيفة كاتب في المصلحة، بعد أن تظاهر بعدم معرفته بالآثار لينال الوظيفة، ثم لم يلبث أن شغل وظيفة مترجم، ومعلماً للغات القديمة في المتحف المصري.
من أبرز منجزاته كان "معجم اللغة المصرية القديمة" الذي ألّفه في اثنين وعشرين مجلّداً، الذي يجمع مفردات اللغة المصرية وما يقابلها بالعربية والفرنسية والقبطية والعبرية، وهو خلاصة بحث معمق حول الصلات بين اللغة المصرية القديمة واللغات السامية، وخصوصاً اللغة العربية، وكان لتمكنه من اللغات المصرية والسامية أثر كبير في تتبع الفكرة وتأصيلها، وقد استغرق إنجاز هذا المعجم عشرين سنة من العمل الجاد، وتضمّن كل جزء أحد الحروف الهيروغليفية، وقام منهجه على وضع الرسوم الهيروغليفية أولاً ثم الحروف الصوتية فيها، ثم ما يقابلها في اللغة الفرنسية والعربية، وقد يعارضها باللغات الأخرى كالقبطية والحبشية والآرامية.
من أبرز منجزاته كان "معجم اللغة المصرية القديمة" الذي ألّفه في اثنين وعشرين مجلّداً
كذلك بذل جهداً كبيراً في عملية نقل آثار المتحف المصري وتنظيمه وترتيبه مرتين: الأولى عندما نُقلت آثاره من بولاق إلى متحف الجيزة عام 1890، والأخرى عندما نُقلت من متحف الجيزة إلى المتحف الحالي بوسط القاهرة سنة 1900، ودعا إلى إنشاء المتاحف في عواصم الأقاليم المصرية، فنجح في إنشاء متاحف في أسيوط والمنيا وطنطا.
واستطاع إقناع وزير المعارف أحمد حشمت باشا بإنشاء فرقة لدراسة علم الآثار المصرية في "مدرسة المعلمين الخديوية"، كان من بينها عدد من الطلاب صاروا بعد ذلك من كبار علماء التاريخ والآثار، مثل سليم حسن، وأحمد عبد الوهاب باشا، ومحمود حمزة، وبعد تخرج الفرقة الأولى، حاول أن يلحق بعض أعضائها بالمتحف المصري، لكنه لم يوفق بسبب العراقيل التي أقامها الباحثون الأوروبيون، ثم نجحت مساعيه في تعيين ثلاثة منهم في المتحف المصري سنة 1923، وتقرر إرسالهم إلى فرنسا وإنكلترا لإتمام دراسة الآثار هناك.
وضع أحمد كمال باشا العديد من المؤلّفات، منها "العقد الثمين في محاسن وأخبار وبدائع آثار الأقدمين من المصريين"، و"الفوائد البهية في قواعد اللغة الهيروغليفية"، و"اللآلئ الدرية في النباتات والأشجار القديمة المصرية"، و"بغية الطالبين في علم وعوائد وصنائع وأحوال قدماء المصريين"، و"الحضارة القديمة في مصر والشرق"، و"رسالة في التحنيط والجنازة عند قدماء المصريين".