بعد مرور 31 عاماً على كارثة محطة تشيرنوبيل النووية في جمهورية أوكرانيا السوفييتية، وإخلاء المناطق المحيطة بها، تتحول "المنطقة المحظورة" شيئاً فشيئاً إلى محميّة طبيعية، بعد ظهور أنواع مختلفة من النباتات والحيوانات، والتي صمدت رغم التلوّث الإشعاعي. باتت المنطقة مقصداً للعلماء والسيّاح الأكثر شجاعة، والباحثين عن مغامرات، فيما عاد بعض سكّانها للعيش فيها.
كانت آثار الكارثة التي وقعت في 26 إبريل/ نيسان عام 1986، والتي أدّت إلى أكبر تلوّث إشعاعي في التاريخ، مدمّرة، خصوصاً في البيئة المحيطة، إذ قضت على نسبة كبيرة من أشجار الصنوبر. وكان تأثير التلوّث قويّاً، ما أدى إلى تحوّل أشواكها إلى اللون الأمغر، ليطلَق على المنطقة اسم جديد، وهو "الغابة المغراء". أيضاً، قضى على العديد من اللافقريات، ليتقلص عدد الثدييات بشكل كبير في تلك الفترة.
بعد مرور بضعة أشهر، وتراجع نسبة التلوّث، نمت النباتات مجدداً، ليبدأ العلماء برنامجاً لرصد بعض أنواع الحيوانات من الجو، وقد زادت أعدادها، ما يعني أن جرعات التلوث لم تكن تصل إلى مستوى يؤثّر كثيراً على وظائفها التناسلية.
وأظهرت دراسة أعدّها علماء من أربع دول، ونشرت في عام 2015، أنّه كان للتلوّث الإشعاعي تأثير محدود جداً على الحياة البريّة، إذ كان عدد الحيوانات، مثل الذئاب والثعالب والحلاليف (الخنازير البرية)، على الطرقات في "المنطقة المحظورة" موازياً لأربع محميّات نظيفة بيئياً في جمهورية بيلاروسيا المجاورة. ومنذ تسعينيات القرن الماضي، بدأ في تشيرنوبيل اختبار نقل خيول "بريجيفالسكي" النادرة إلى "المنطقة المحظورة"، وبدأت تتكاثر بكثافة. إلّا أن الباحث في شؤون البيئة والطاقة في منظمة "غرينبيس روسيا"، رشيد عليموف، يشير إلى أنّه رغم وجود دراسات تؤكّد قدرة الحياة البرية على الظهور مجدداً حتى مع غياب البشر، وفي ظروف التلوّث الإشعاعي، ثمّة تساؤلات كثيرة حول الحالة الصحيّة لتلك الحيوانات.
يقول عليموف لـ"العربي الجديد"، إنّ "دراسات تشير إلى أن تلك الحيوانات تعاني من مشاكل صحية، ما يعني أنه لا يمكن السماح بإقامة البشر في هذه المنطقة. وقد سمح فقط لبعض كبار السن في العودة، باعتبار أن التلوث لن يؤثر عليهم كثيراً". يضيف أنّ "تشيرنوبيل ليست محميّة أو مكاناً للنزهة، بل تخضع للحراسة وتجري فيها دراسة عن تداعيات التلوّث الإشعاعي على الكائنات الحيّة". ويوضح أن تشيرنوبيل ليست المنطقة الوحيدة من هذا النوع، بل هناك محمية في مقاطعة تشيليابينسك في منطقة أورال في روسيا، وقد أنشأت في موقع كارثة "كيشتيم"، وهي أول حادثة أسفرت عن تلوث إشعاعي في تاريخ الاتحاد السوفييتي، من جرّاء انفجار نفايات مشعة في مصنع للكيميائيات في عام 1957.
وبالعودة إلى تشيرنوبيل، يذكر الباحث في شؤون البيئة أن التلوث الإشعاعي لا يقتصر على المناطق المحيطة بالمحطة المنكوبة، لافتاً إلى أن نحو خمسة ملايين شخص يعيشون في مناطق ملوثة في أوكرانيا وروسيا وبيلاروسيا، علماً أن الأخيرة كان لها النصيب الأكبر من التلوث لدى وقوع الكارثة.
وحول التداعيات السلبية للتلوث الإشعاعي على صحة الإنسان، يضيف: "كان سكان المناطق الملوثة أكثر عرضة من غيرهم للإصابة بسرطان الغدة الدرقية، بالإضافة إلى أمراض أخرى يصعب إثبات أن ازدياد حالاتها جاء كنتيجة مباشرة للتلوث. وهناك دراسات تفيد بتأثير التلوث الإشعاعي سلباً على نمو الأطفال وتركيزهم.
ويفترض أن تساعد الدراسات حول مفعول التلوث الإشعاعي على البيئة في تحديد مصير المنطقة المحظورة بعد انخفاض التلوث في المستقبل، وخصوصاً أن المنطقة عزلت نهاية العام الماضي بـغطاء خرساني جديد يقدر عمره الافتراضي بمائة عام، وسيسمح بإخراج المواد المشعة.
تهجير 100 ألف شخص
تعدّ حادثة تشيرنوبيل، التي وقعت أثناء اختبار بمفاعل الوحدة الرابعة للمحطّة، أكبر كارثة نووية شهدها العالم، وأسفرت عن انبعاث 190 طناً من المواد المشعة، بما يفوق التلوث الناجم عن الهجوم النووي على مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين في عام 1945 بمئات الأضعاف. وإثر الكارثة، هجّر أكثر من 100 ألف شخص من المدن والبلدات المحيطة.