لا تزال جهود المبعوث الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا، قبل نحو شهرين من انتهاء مهمته، تسير بالطريقة نفسها التي سار بها المبعوثان اللذان سبقاه، الأخضر الإبراهيمي، وكوفي أنان، وهي طرح مبادرات غير قابلة للتطبيق، أو أن تطبيقها ليس بيد القوى التي يجري التحاور معها، وصولاً إلى عقد مؤتمر في جنيف متوقع له الفشل قبل عقده، ومن ثم الاعتذار عن استكمال المهمة والاستقالة، لينتج في النهاية المزيد من القتل بحق السوريين وإطالة عمر النظام السوري.
ويبدو أن دي ميستورا من خلال خطته الجديدة، القائمة على تشكيل مجموعات عمل، لا يعوّل على أكثر من الوصول إلى مؤتمر آخر في جنيف ينهي به مهمته، ولكن هذه المرة ربما يكون من دون مشاركة الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، الذي من المرجح ألا يشارك في لجان دي ميستورا. لكن الأخير يُصرّ على تطبيق خطته حتى من دون الائتلاف، بعد أن ابتدع مرحلة مؤقتة قبل تطبيق بيان جنيف يحكمها اتفاق مؤقت بين المعارضة والنظام، ويجب عليهما من خلاله التكامل والتعاون عسكرياً لمحاربة التنظيمات الإرهابية، وهو أمر لا يمكن تطبيقه عملياً، ولا حتى الجهات التي يتحاور معها دي ميستورا تمتلك مقومات تطبيق مخرجات مثل هذا الاتفاق.
ومن المستبعد أن تقبل المعارضة بالتعاون مع النظام عسكرياً لمحاربة تنظيمات إرهابية فيما هي تعتبر أن كل التنظيمات الإرهابية هي إما من صناعة النظام أو بالحد الأدنى أحد أهم أسباب استمراره، عدا أن الائتلاف لا يمتلك سلطة على الفصائل المعارضة الفاعلة في الوضع الميداني وخصوصاً لجهة القبول في اتفاق كهذا.
ويواصل دي ميستورا مشاوراته التي كان آخرها مع مسؤولي النظام السوري في دمشق، بعد اجتماعه في بيروت بمساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون العربية والإفريقية حسين أمير عبد اللهيان. وعلمت "العربي الجديد" من مصدر مطلع في دمشق، أن خارجية النظام السوري عبّرت لدي ميستورا عن عدم رضاها عن الأسماء التي طرحها المبعوث الدولي للمشاركة في اللجان، خصوصاً لجان الطرف الثالث (أي ممثلي منظمات المجتمع المدني). وحاولت الخارجية طرح أسماء من المعارضة المصنّعة في دمشق، ومن منظمات المجتمع المدني التابعة للنظام، بحسب المصدر، الذي كشف أن النظام السوري عاد ليطرح على المبعوث الدولي نغمة عمل اللجان بالتتابع وليس بالتوازي، أي البدء بلجنة مكافحة الإرهاب، الأمر الذي قد يمد بعمر اللجان لسنوات.
واعترض الائتلاف الوطني على هذه الخطة، مبدياً الكثير من التحفظات عليها بعد أن أصدر قراراً خلال اجتماع طارئ لأعضاء هيئته العامة، تحفّظ فيه على بعض ما ورد في خطة المبعوث الدولي ووضع العديد من الاستفسارات وصلت إلى أكثر من 40 وفق ما كشف أحد أعضاء الائتلاف لـ"العربي الجديد"، معلناً أن الائتلاف يتوجّه لعدم الانخراط في مجموعات العمل الأربع التي نصت عليها خطة دي ميستورا والتي تؤسس لقاعدة تفاوضية لعقد مؤتمر جنيف 3.
وأوضح عضو الائتلاف، الذي رفض الكشف عن اسمه، أن قرار الائتلاف بالتحفّظ على خطة دي ميستورا، دفع الأخير إلى سحب الوثائق التي أرسلها إلى الجهات المعنية ومنها الائتلاف، والتي تُحدد إطار تنفيذ بيان جنيف وآلية عمل مجموعات العمل الأربع، مشيراً إلى أن الخطة تساعد الرئيس السوري بشار الأسد على البقاء في السلطة وهذا مخالف لنص بيان جنيف، وتمنحه مزيداً من الوقت ليواصل عمليات القتل بحق المدنيين، وتفتقر إلى الآليات الواضحة، وتتجاوز الإقرار بالتمثيل الشرعي لقوى الثورة والمعارضة السورية.
اقرأ أيضاً: خطة دي ميستورا... لعب الوقت الضائع بانتظار الحسم الميداني
وشدد عضو الائتلاف على التمسك بضرورة الالتزام بتطبيق بيان جنيف كاملا وفق قرار مجلس الأمن رقم 2118، داعياً المجتمع الدولي، ولا سيما الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، إلى تحمل مسؤولياتهم لوقف إجرام نظام الأسد بحق الشعب السوري، والعمل على مواجهة أسس المأساة السورية، ودعم مطالب الشعب السوري، وهي تحقيق الانتقال السياسي الجذري والشامل من دون أي وجود للأسد وزمرته في المرحلة الانتقالية وما بعدها.
ولفت عضو الائتلاف إلى أن دي ميستورا سيكمل عمله في تشكيل المجموعات الأربع حتى إذا قرر الائتلاف عدم المشاركة، والتي شدد فريق دي ميستورا على أن يكون أعضاؤها من الخبراء، مضيفاً أن المجموعات ستضم النظام والنقابات (العمالية والفلاحية والمهندسين والأطباء) والتي هي بالأساس مكوّنة من الجبهة الوطنية التقدمية وعلى رأسها حزب "البعث العربي الاشتراكي" إلى جانب بعض ممثلي منظمات المجتمع المدني.
ويبدو الخلاف الروسي الأميركي ظاهرياً على مصير الأسد، وخصوصاً بعد تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خلال الأيام القليلة الماضية، التي أكد فيها شرعية الأسد وتمسّك موسكو ببقائه، وأن الجيش السوري هو الوحيد القادر على مكافحة الإرهاب في سورية، في الوقت الذي تؤكد فيه واشنطن ألا دور للأسد في سورية المستقبل.
ويُشكّل هذا الخلاف مؤشراً آخر على فشل مساعي الحل السياسي، على الرغم من التفويض الأميركي لروسيا المتفقة مع خطة دي ميستورا والممسكة بزمام مبادرات الحل السياسي حول سورية في الوقت الراهن، والتي سارعت إلى تلافي عدم مشاركة الائتلاف. فقد حثّ لافروف أعضاء لجنة المتابعة للقاءات موسكو التشاورية أثناء لقاء جمعهم في موسكو قبل يومين، على توحيد مواقف المعارضة السورية للانخراط في مفاوضات مع النظام السوري والتعاطي بشكل إيجابي مع خطة المبعوث الدولي، معتبراً أن هذه الجهود من أهم مقدّمات حل الأزمة في سورية.
بدء المفاوضات في منتصف الشهر الحالي لمجموعات العمل الأربع التي نصّت عليها خطة دي ميستورا، من دون مشاركة الائتلاف وممثلين عن الفصائل العسكرية للمعارضة، يعني إعادة المفاوضات إلى نقطة الصفر، وهذا ما يعرفه دي ميستورا جيداً، إذ ستكون المفاوضات شبيهة بمؤتمر القاهرة وموسكو من دون أي جدوى لها، وخصوصاً أن خطته لم تحصل على تبني مجلس الأمن وإنما أصدرت الأمم المتحدة بياناً رئاسياً فيها، وبالتالي فهي غير ملزمة للأطراف.
وتبدو سيناريوهات الحل السياسي في سورية معقّدة حتى الآن، في ظل تباين الرؤية بين كافة الأطراف حول مستقبل سورية، وخصوصاً في ما يتعلق بمصير الأسد الذي يبدو أنه نقطة الخلاف الرئيسية.
وكان دي ميستورا قد بدأ مهمته في سورية بالتشاور مع جميع الأطراف لاستطلاع رأيهم بإمكانية تشكيل هيئة حكم انتقالي كامل الصلاحيات، وتوصّل في نهاية مشاوراته إلى أن هناك عدم توافق على هذه الفكرة. وبدأ بطرح مبادرات هدنٍ تشبه إلى حد بعيد الهدن التي يفرضها النظام على المناطق التي يحاصرها وتقودها إيران، وكان نصيبها الفشل كذلك. وبعد الحراك السياسي في الفترة الأخيرة، قام دي ميستورا بطرح مبادرته الأخيرة القائمة على تشكيل مجموعات عمل تعمل بالتوازي من أجل الوصول إلى صيغة مشتركة تمهد لمؤتمر جنيف 3.
اقرأ أيضاً: محاربة "داعش" بوابة روسيا لإنقاذ الأسد